بقلم - يونس الخراشي
لعلكم، أيها الأحبة، لاحظتم كيف تتطور كرة القدم في أوروبا. فمنذ سنوات صارت دورة الصعود والهبوط سريعة للغاية. على أساس أن هناك دراسات علمية دقيقة تتبع المجتهدين الناجحين، وترصد نقط القوة والضعف في الخطط البارعة.
وهكذا دواليك، فالذي يدرس جيدا، ويعثر على نقط الضعف، ويستعمل ذكاءه، وعناصر قوته يصعد. ثم يأتي عليه الدور، فينزل، ويصعد غيره. وفي ذلك متعة للمتتبع، الذي يدخل هو الآخر في دائة تشويق وإثارة لا تنتهي أبدا.
وهكذا، فمن الطبيعي للغاية أن نرى الريال والبارصا يتراجعان إلى الخلف، في حين تصعد فرق أخرى، كانت قوية ذات يوم، مثل ليفربول وتوتنهام. مثلما أنه طبيعي أن نرى، يوم غد، فرق ألمانيا، أو لهوندا، أو إيطاليا، أو حتى بلجيكا (أنديرليخت العظيمة) تصعد، إن هي أحسن التعرف إلى نقط قوة الصاعدين اليوم.
ولأن الأمر كذلك، ففي الملعب، تجد المشاهد يرى "حروبا ضارية" بين خطط المدربين. حتى إن أسماء كل مدرب صارت معلومة لدى عشاق الكرة في العالم، يتتبع أخبارهم، ويحاول التعرف أكثر على خططهم، بمتابعة التحليلات التي ترصدها كل مباراة، ومن خلال اللاعبين المعتمدين، والتغييرات داخل الملعب، ومن خارجه.
في هذا الوقت، حيث تشتغل الدراسات، والتحليلات، والتطبيقات، والتداريب، ومراكز التكوين، يكتفي مسؤولونا بالفرجة أكثر من أي شيء آخر. فلا تراهم يدرسون مع الدارسين، ويحللون مع المحللين، فيتساءلون مع السائلين:"كيف يتطور هؤلاء؟ وما هي السبل التي يستعملونها كي يطوروا أداءهم بهذه السرعة؟".
وفي الوقت نفسه، وعوض أن تتجه صحافتنا إلى نقد بناء، بالقياس على ما يقع في أوروبا من تطور، تراها تميل إلى تعظيم ما يقع عندنا، وكأننا بالفعل في مغرب ببطولة متسارعة التطور، وفرجوية، ومثيرة، ومشوقة. مع أن هذا النوع من التعظيم الفارغ يقوي من يوجدون في مراكز القرار سلطويا، ولا يقيهم الزلل.
إن الاكتفاء بالفرجة نوع من الخمول، في زمن صارت فيه المعرفة متاحة للجميع، وبثمن بخس على الأرجح. والقناعة بما نحن عليه ليس أمرا مطلوبا ولا مستساغا، بل المطلوب هو الإلحاح في الاستزادة، والرغبة في التطوير، والعمل على ذلك.
الذين عايشوا أجيالا كروية في أوروبا يعون جيدا إلى أي حد تطورت الكرة، من حيث السرعة في الأداء، وتغير الخطط، ونمو المهارات. وكل ذلك قائم لا محالة على أسس علمية، تجرب كلها في مختبرات التكوين. فهل لنا أن نتعلم؟ ونتطور؟ ونمضي قدما؟
كفى، إذن، من الكلام الفارغ، ولغة الخشب التي يجيدها مسؤولونا، وصارت غذاء للإعلام، حتى نام عن مهمته الأساسية، وهي النقد البناء.