بقلم : محمد عفري
عاد بي "فتيان" الرجاء البيضاوي،وهم يُبهرون في مباراة رفيعة ،أمام فريق أكاديمية أسباير القطري إلى عقدَيْ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ،حين كان القائمون على الشأن الكروي الوطني مؤمنين ببناء الرياضة والرياضيين من القاعدة، متشبثين بضرورة بطولات قوية وشديدة التنافس، في الفئات العمرية الدنيا ،بهدف تكوين الأجيال وإعداد خلَف اللاعبين لأسلافهم.
من منا لا يتذكر مباريات البطولة الوطنية لفئة الشبان التي كانت تدور منافساتها في رفع الستار، قبل بداية كل مباراة من بطولة الكبار.ومن منا ينسى تلك النجوم التي كانت تتلألأ من مباراة إلى أخرى في هذه الفئة العمرية ،صاعدة إليها من الفئات المتدنية بالتدرج، ومن منا ينكر أن هذه البطولة كانت مدارس حقيقية ناجحة في تفريخ اللاعبين لتطعيم الفئات الكبرى لكل الفرق،قبل تطعيم المنتخبات الوطنية.
الفئات العمرية الصغرى في الكرة ،وأهمها فئة الشبان ،كانت هي المدرسة الحقيقية في الرجاء والجيش والوداد وكوكب السعد(كسناك)والنجم والحياة والطاس وبرشيد والماص والدفاع الجديدي ودفاع عين السبع والرشاد البرنوصي، وفي جل الفرق المؤثثة للمشهد الكروي الوطني آنداك.كانت قاعات للدرس الجدي،بلا قاعات بالمفهوم المادي الراهن، و بلا أجهزة فيديو أو آليات تكنولوجية أخرى حديثة، بل بلا حتى أهم الإمكانيات . كانت فضاءات شاسعة تحضر فيها التربية الحقيقية على الرياضة وممارستها بالمقومات الصحيحة، يحضر فيها الاحتكاك مع الإبداع
ويسهر عليها عباقرة جُبلوا على الكرة وتعليمها، وهم الذين رضعوها من معينها الصفي النقي، حيث جايلوا كبار المربين والرياضيين والمسيرين ونهلوا منهم صحاح المفاهيم. وكما كانت المادة الخام، أي العنصر الرياضي الفتي موجود، تبزغ مهاراته الأولية في المدرسة عبر الأنشطة الرياضية المدرسية وعبر) الجمعية الرياضية المدرسية(ASS - بالخصوص،قبل توجيهه للالتحاق بالفرق والجمعيات، كان الإطار التقني ،بكل المفاهيم، موجود بمهارته وكفاءته وموهبته وبحبه للكرة و الوطن قبل حبه للمال. من منا ينسى صولات وجولات المرحوم عبد القادر جلال ومحمد الفقيه وعباس كورة وبعده أخوه العربي وبّاسالم ومرحوم وآخرين في التأطير والتكوين الكروي القويم و الإاعداد النفسي السليم.
النتائج طبعا، كنا نقف عليها كمهتمين ومتتبعين يوم العرض،يوم الامتحان، في منافسات بطولة الشبان، حين نمتع ناظرينا بالفرجة المتكاملة التي تقوم على الأخلاق والروح الرياضية الحقيقية أولا، إذ لا تشنج ولا شجار بين اللاعبين ولا عنف أواحتجاج" لاتربوي" على الحكام، وثانيا على المكتسبات البدنية والمهارات الفنية والتقنية الفردية والجماعية التي يلقنها ويصقلها أطر"كبيرة" في الكسب والعطاء من لاعبين قدامى وأساتذة للتربية البدنية وأطر للشبيبة والرياضة ،أيام كانت للتربية البدنية ولـ" شّ - رّ"قيمتهما المفقودة. كانت الأّمور بالخواتم، فرحة وأطمئنان على المستقبل، حين ترى لاعبين من هذه الفئة العمرية الشابة تؤثث صفوف فئة الكبار في الأسابيع أو الشهور الموالية ،بل تؤثث ،فوق ذلك، المنتخب الوطني وتزداد صقلا و كسبا .
كانت الفئات الصغرى هي الهاجس الوطني بالنسبة للمسيرين، لكون تفكيرهم كان منصبا أولا وأخيرا على المصلحة الوطنية ،أي المتخبات المغربية، ولم يسندوا البثة هذه الفئات إلى غير الأكفاء والمجربين المحنكين، إلى أن جاء مسيرون- مدبرون قطعوا الصلة مع تكوين اللاعبين وراهنوا على اللاعب الجاهز من الأدغال أو من مغاربة الخارج في الضفة الأخرى، وأصبحت الفئات الصغرى في غالب الفرق متاهة ، يتولى فيها القاصي والداني مسؤولية التكوين قبل أن ينذثر دورها الذي وجدت من أجله.
للأسف أنه حينما طغى المال والأعمال على الكرة المغربية التي ظلت مكوناتها تزخر تحت قوانين مفهوم الجمعية (ظهير 1958 وما لحقه من مراسيم تعديل وتكميل)،قدّم من فكر في إلغاء بطولة الشبان في صيغتها وتوقيتها في رفع الستار، خدمات جليلة إلى السماسرة والوسطاء للاغتناء من سوق واسع للنخاسة ،أساسه اللاعب الجاهز " القادم" (وليس المقبل)من الأدغال الإفريقية.
المستفيد الأكبر هم "عابرو سبيل" في التسيير، استفادوا من فراغ القوانين الذي قابله تلاعب في عقود صفقات استقطاب وتسريح اللاعبين الأجانب والخاسرالأكبر- طبعا- هوالكرة المغربية بكل مكوناتها اللاعب والفريق و المنتخب و المدرب...
شكرا لـ"فتيان" الرجاء و الساهرين عليهم الذين أحييوا في هذه النوسطالجيا..حظ موفق لهم ولكل الفرق المغربية في الاعتناء بالفئات الصغرى و بالتكوين..فهما الطريق الوحيد إلى مستقبل زاهر للكرة الوطنية.