قرارات مسرطنة

الدار البيضاء اليوم  -

قرارات مسرطنة

بقلم : حسن البصري

لا ألفة في حي الألفة، في بيت العائلة يعيش اللاعب السابق للوداد رشيد تفاح محنته في صمت، يواجه مرض السرطان بصبر تارة وعناد تارة أخرى، يحاول عبثا أن يراوغه فيسقط من حيث لا يدري في حالة شرود، نادرا ما يلتفت لرنين هاتف يعاني بدوره من اختناق رهيب.
انفض من حوله رفاق الكرة إلا من رحم ربك، منهم من تعامل معه ككرة "مفشوشة"، ومنهم من يؤجل الحضور إلى حين وصول عدسات المصورين، أما مسيرو فريق الحي الحسني الذي أشرف على تدريبه بعد الاعتزال، فقد أحكموا إغلاق صنبور الرواتب رغم هزالتها وأشهروا بطاقة الرامد في وجه اللاعبين والمدربين.
رفضت شركة التأمين تحمل مصاريف الدواء، فكتب سعيد رسالة مؤثرة إلى مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين يحذر فيها من انقطاع صبيب الدواء، ويطلق صرخة الحق في العلاج. لكن المسطرة تقتضي استدعاء المكتب التنفيذي لاجتماع طارئ ووضع نقطة فريدة في جدول أعماله ومناقشتها ثم التصويت على القرار، وانتظار يوم تنفيذه. حينها يكون الداء قد انتشر في الجسد العليل وأصبح البكاء على المريض خسارة في عقر الدار.
اليوم يحتفل العالم باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية التي لا يمكن أن تتحقق إلا بالمساواة وصون كرامة الإنسان بتكريس الحماية الاجتماعية، لكن تشاء الأقدار أن يطل علينا هذا اليوم السعيد ونحن نضرب كفا بكف على عدالة مشوهة، تضخ في الرصيد البنكي لزعيم سياسي ومريديه ألاف الدراهم شهريا، وتترك لاعبا حمل قميص الوداد ونهضة سطات وشباب المحمدية عرضة للضياع، ليس له في الحياة سوى أصدقاء يتقاسمونه الصبر، عيونهم بصيرة وأياديهم قصيرة وألسنتهم مصادرة. 
نحتاج لتحقيق العدالة الاجتماعية إلى استيراد مسؤولين بعقلية صينية وأفكار نظيفة يؤمنون بالتوزيع العادل للثروات وللعاهات، أو مسيرين بعقلية أمريكية ديمقراطية تمنحك الحق في الكلام. لكن في عالم الكرة لدينا اكتفاء ذاتي من المسريين الذين حملتهم رياح السياسة على جناح السلامة إلى الرئاسة، أفكارهم متضاربة هواتفهم صماء ولهم استعداد فطري للقطع مع التاريخ والاكتفاء بالجغرافيا.
يتقاضى لاعب ليبيري اسمه جيبور راتبا شهريا يفوق راتب المدرب التونسي، حين يجمع مسيرو الوداد المحصول المالي من عائدات بيع التذاكر يسلم كله لهذا المهاجم الجشع، والباقي يوزع على اللاعبين الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم. فعن أي عدالة اجتماعية يتحدثون؟
خرجت إلى الوجود جمعية أطلقت على نفسها اسم "نحن والسرطان"، ومع مرور الأيام دخلت في غيبوبة، وحين استفاقت منها تبين أن كل ما تبقى منها هو نصفها الأول "نحن"، أما الداء الأكثر ديمقراطية في الكون فلازال يحصد الأرواح.
إن تحقيق العدالة الاجتماعية يتوقف على التماسك الاجتماعي، الذي لا يجب أن ينظر إليه كصندوق داعم للأشخاص في وضعية إعاقة، بل كمؤسسة لتوفير السلم الاجتماعي، في مجتمع يتحدث فيه رجال السياسة والنقابة عن المساواة، وحين ينفض الجمع يركبون سياراتهم الفارهة فتبتلعهم المدينة.
في ظل معاناة كثير من الرياضيين وأمام هشاشة أوضاعهم الاجتماعية، كتب نجل أحد اللاعبين على صفحته الفايسبوكية عبارة ساخرة: "جميع المصحات تتآمر ضد والدي الذي اعتزل الكرة وترفض التوسل إليه لقبول الخضوع لحصص العلاج الكيميائي لديها".
خصصت الأمم المتحدة للعدالة الاجتماعية يوما واحدا، وتركت باقي الأيام للقدر يفعل بنا ما يشاء، لذا كلما زرت لاعبا ركلته الكرة ورمت به خارج اهتمامات المسؤولين، قلت إنه ابتلاء من الله ومن منظمة عالمية اسمها هيئة الأمم المتحدة.
عشرات اللاعبين يجلسون في قاعة الانتظار يتأبطون تشخيصا لمرض لا يعترف برواد الكرة ورموزها، تراهم جالسين كلاعبين احتياطيين على كرسي البدلاء، مقتنعين بأن غذا  سيكون يوما أفضل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرارات مسرطنة قرارات مسرطنة



GMT 10:25 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدفاع في الريادة

GMT 10:22 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

"وشكون عرف؟"..

GMT 15:07 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

"كلمة حق"..

GMT 13:45 2019 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

منتخبات مجنونة

GMT 14:19 2020 الأربعاء ,13 أيار / مايو

بريشة الفنان هارون

GMT 21:42 2016 الأحد ,06 آذار/ مارس

عشبة باما الصينية وفوائد علاجية مذهلة

GMT 12:54 2013 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

البربير الخضرة الغنية الرخيصة تقلل الإصابة بأمراض القلب

GMT 21:17 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

داليا كريم تنقذ أسرة فقيرة وتعيدها إلى منزلها بعد ترميمه

GMT 08:19 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تعرف علي أفضل المطاعم المميزة في روسيا

GMT 22:00 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

توقيف مدير مؤسسة بنكية للاشتباه في صلته بجريمة مراكش

GMT 20:34 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

دييجو كوستا يضاعف محنة أتلتيكو مدريد لشعوره بالإصابة

GMT 09:53 2013 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

عمرو يوسف يبدأ تصوير "نيران صديقة"

GMT 20:22 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يستعيد طريق الانتصارات ويفوز بصعوبة على سموحة

GMT 13:57 2016 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

كاد المعلم أن يكون مشلولاً

GMT 02:57 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

مجوهرات KREMENTEZ اختيار المرأة الأنيقة في موسم الأعياد

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca