ثقافة الإعتراف

الدار البيضاء اليوم  -

ثقافة الإعتراف

بقلم: المهدي الحداد

لقطة تسليم بدر بانون لشارة العمادة لأولحاج ومنحه شرف رفع كأس الكونفدرالية، أثبتت أن أجمل ما يمكن أن يُكافَأ به المرء إلتفاتة شكر وإمتنان وتقدير، وأفضل تحفيز هو الإشادة والإعتراف والتصفيق، وجزاء كل شخص جاد الدعم والمؤازرة ورد الجميل، بمكافآت وإلتفاتات معنوية أو مادية تترك الأثر النفسي العميق.

أغلب الميادين والمهن في العالم تنبني على العمل الجماعي، وتتأسس على الإشتغال كفريق وبُنيان مرصوص، كل فرد يساهم حسب إستطاعته وقدرته في حصيلة المنتوج النهائي، والمبتغى تحقيق الأهداف الربحية، وخدمة أجندة المشغِل وفق قواعد الإنضباط والإحترافية والمسؤولية.

 في الرياضة كما في باقي المجالات ثقافة الإعتراف مهمة جدا إن لم تكن بطارية الأفراح وسر النجاح، وإقتسام لذة ونشوة الإنتصارات بين جميع المكونات أمر لا بد منه، سواء بالإشادة والإعتراف اللفظي والمعنوي العلني، أو الهدايا الرمزية منها والثمينة، للتعبير على أن ما تم الوصول إليه تحقق بمجهود جماعي وفريق كامل، ولو تعلق الأمر ببعض الرياضات الفردية التي يكون فيها البطل الظاهر في الصورة شخص واحد.

 النجوم المحترفون والمتواضعون مثلا والذين يملكون تربية رياضية وإجتماعية وعقلية حب الخير للغير، لا يترددون في الإعراب عن تقديرهم للآخرين مهما كبُر أو صغر شأنهم، ولا يفكرون كثيرا قبل فتح الحقائب وصرف الملايير لإقتناء هدايا للزملاء والمتعاونين، أما الأساطير المزيفون والعاشقون لتراكم الثروة فينكرون الجميل ويتنكرون للأصدقاء وحتى العائلة فور بلوغ عتبات النجومية والشهرة والألقاب، ويعتبرون أن ما حققوه جاء بصورة عصامية وموهبة شقت طريقها بصبر ومعاناة لتعبر العراقيل والأشواك.

 كريستيانو رونالدو من بين أكثر الرياضيين ونجوم كرة القدم عبر التاريخ الذين يملكون ثقافة الإعتراف، والصور عديدة وغزيرة عن ما قام به هذا الإنسان وما يزال مع محيطه وزملائه وحتى الذين لا يعرفهم، ويكفي إستحضار ما فعله الدون حينما كان لاعبا بريال مدريد، وما كان يقوم به سنويا فور أي تتويج فردي أو جماعي، محتفلا ومعترفا بالمساهمة الرئيسة والكبرى لمن يساعدونه ولو بكلمة تحفيز ودعم معنوي.

 رونالدو وبعد فوزه بالكرة الذهبية الرابعة والتتويج بعصبة الأبطال الأوروبية مع الملوك، أهدى لجميع لاعبي ريال مدريد ساعات فاخرة مرصّعة بالألماس، ومنح لأربعة مدلّكين ومعالجين طبيعيين ومتعاونين بنفس الفريق سيارات باهضة الثمن، وشكر قبلهم وكيل أعماله خورخي منديز بإهدائه جزيرة يونانية، وما خفي كان أعظم، وكل هذا كعربون وفاء وتقدير وإعتراف بأن ما حققه رونالدو مع الميرنغي وفي مسيرته ككل وراءه عشرات الأفراد.

خلال الأسبوع الماضي أطل النجم الأرجنتيني إيكاردي بمبادرة رائعة وشبه مماثلة، بمنح جميع لاعبي أنتر ميلانو الحاليين والوافدين الجدد وحتى الذين غادروا النادي ساعات «روليكس» فخمة، قائلا بأنه أبسط شيء يمكن أن يقوم به ويشكر من خلاله زملائه الذين ساعدوه على الظفر بلقب هداف الكالشيو الموسم الماضي.

وبعيدا عن المكافآت المالية والهدايا النفيسة للنجوم، فثقافة الإعتراف والشكر تحضر يوميا في الملاعب الأوروبية، فمثلا حينما يسجل أحدهم هدفا يذهب مباشرة لزميله الذي مرر له الكرة ويثني عليه ويعانقه بحرارة، وحينما يتعافى الآخر من الإصابة يشكر الطبيب والمعالج علانية أمام الجماهير والمتتبعين، في وقت يحرص فيه آخرون على تحية المدرب أو الزوجة أو أحد الرفاق بحركات يقول فيها أنه لا يسوى شيئا بدونهم، وما يُكتب ويُنشر في مواقع التواصل الإجتماعي أعمق بكثير.

أما عندنا في المغرب فهذه الصورة شبه منعدمة وثقافة الإعتراف تكاد تكون نادرة، ومن الظواهر المضحكة مثلا في مبارياتنا والتي تلخص كل شيء، أنه حينما يسجل أحدهم هدفا ويذهب زميله الذي أهداه تمريرة الحسم للإحتفال معه، يدفعه ويصرخ في وجهه، ويطلب منه الإبتعاد وفسح الطريق، حتى يطلق العنان لأقدامه ويفرح بشكل هيستيري ويقول «أنا لّي كاين»، إن لم يقُده الجنون لإنتزاع قميصه أو تكسير لوحة إشهارية أو سب الجمهور أو توجيه رسالة مسمومة لمسير أو مؤطر.

بون شاسع بين الهواية والإحتراف في العقلية والممارسة والسلوك والتربية، فأصحاب المبادئ والإيثار والذين يعطون لأبسط الأشياء والحركات قيمة إعتبارية ضخمة، يتشبعون بثقافة الإعتراف والتحفيز والإمتنان، ويحرصون دائما على تقديم الهدايا معنوية كانت أو مادية، ومن لم يستطع منهم لبُخله أو فقر أخلاقه يربط لسانه ويصمت.


عن صحيفة المنتخب المغربية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة الإعتراف ثقافة الإعتراف



GMT 10:25 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدفاع في الريادة

GMT 10:22 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

"وشكون عرف؟"..

GMT 15:07 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

"كلمة حق"..

GMT 13:45 2019 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

منتخبات مجنونة

GMT 09:38 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

«بوليساريو» الداخل..!

GMT 09:46 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

برودكوم تعرض الاستحواذ على كوالكوم مقابل 130 مليار دولار

GMT 01:09 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

Poison Girl Unexpected الجديد من "ديور" للمرأة المفعمة بالأنوثة

GMT 18:56 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

الأهلي يخطف كأس السوبر بعد الانتصار على المصري بهدف نظيف

GMT 18:18 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

تامرعبد المنعم يصالح محمد فؤاد في حفلة زفاف

GMT 21:31 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

مدينة تاوريرت تستقبل حافلتين من اليهود

GMT 04:47 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

توقيف أحد مهربي المواد المخدّرة في مدينة بركان

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 21:14 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

فوائد عصير البطيخ المر في القضاء على الخلايا السرطانية

GMT 19:59 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

دار "LAVINTAGE" تغازل الباحثات عن الأناقة في مجوهرات 2018

GMT 06:17 2016 الثلاثاء ,05 إبريل / نيسان

دور المثقف في المجتمعات العربية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca