بقلم- المهدي الحداد
إندهشت للإستقبال الكبير الذي حظي به الفريق الوطني لأقل من 17 سنة بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء من جماهير وإعلاميين ومسؤولين جامعيين، وللعناوين الرنانة التي كتبتها بعض المنابر الصحفية الوطنية حول هؤلاء الأشبال، حينما طبّلت وصفت تأهلهم لكأس إفريقيا بتانزانيا 2019 بالإنجاز.
هل بلغت كرتنا ومنتخباتنا إلى مستويات أصبح فيها العبور فقط إلى نهائيات البطولات بمثابة الإنجاز؟ هل ألفنا الفشل والإقصاء حتى صرنا نتوق لتأشيرات مرور إلى أصغر وأضعف البطولات القارية على الصعيد العالمي؟
حرام أن نتحدث بفخر نحن المغاربة بتاريخنا وسبقنا وسمعتنا الإفريقية عن ربحنا وتصدرنا للمباريات الإقصائية والمراحل التصفوية، وحرام أن نهلل ونصفق ونكتب العناوين العريضة وننفخ في إنتصارات كان يجب أن تكون عادية وصامتة، ليس تبخيسا لما تحقق من مجهودات وعمل محترم، وليس إستصغارا للاعبين الشباب وتقزيم أحجامهم، وإنما إحتراما لأنفسنا وقيمتنا التي ضربها الإعصار بعدما إحتقرناها نحن قبل أن يتجرأ علينا الآخرون.
التأهل لكأس إفريقيا من فئة الفتيان إلى الكبار أمر مسلم به ويجب أن يكون عادة لا إستثناء، والحضور في جميع النسخ والمنافسة على بلوغ الأدوار المتقدمة في النهائيات هو المطلب والمبتغى، فيما الإنجازات الحقيقية هي الظفر بالألقاب القارية وإعتلاء الصدارة، والتأهل إلى البطولات العالمية كالمونديال والألعاب الأولمبية، كون سقف الطموحات لدى الدول الكروية الرائدة إفريقيا كمصر ونيجيريا وغانا والسينغال وتونس والمغرب والكوت ديفوار هو التحليق العالي والمتكرر خارج الحدود.
أموالنا، إستراتيجيتنا، مشاريعنا، مراكز تكويننا، أطرنا المحلية والأجنبية، جيوش محترفينا بمختلف الأعمار، رفاهية معسكراتنا يجب أن تجعل أشبالنا وأسودنا دائما في القمة وفي السيادة، لأننا نتفوق في كل شيء على جل منافسينا، لكنهم يتفوقون علينا في الأهم وهو المواجهات المباشرة والإصطدامات الثنائية.
نحن من أصبحنا نتحدث بإعتزاز عن تأهل المنتخبات السنية لنهائيات البطولات الإفريقية، سنُصاب بالصدمة والخجل حينما ننبش في سجلات منتخبات إفريقية أخرى وإنجازاتها الحقيقية، فهل تصدقون أن نيجيريا فازت بكأس العالم لأقل من 17 سنة 5 مرات وتتفوق على البرازيل وألمانيا وكل المنتخبات؟ هل تصدقون أن مالي التي تعيش الحروب والفقر ولا تجد ما تملأ به بطون لاعبيها الصغار أسعدها النسور بإحتلال وصافة بطولة العالم قبل ثلاث سنوات بالشيلي والصف الثالث العام الماضي بالهند؟ هل تعلمون أن غانا بلغت نهائي مونديال الشباب 4 مرات وتوجت بالذهب مرتين؟ ونحن ماذا فعلنا مثلا؟ تأهلنا للبطولة العالمية مرة وحيدة بالإمارات عام 2013 وخرجنا من الدور الثاني، وما زلنا نتحدث عن ذلك الإنجاز إلى اليوم، علما أن منتخبات مغمورة وضعيفة كسيراليون ومالاوي ورواندا سبقت وأن وقعت على نفس ما قدمه الأشبال.
سيبرر البعض توالي الإخفاقات بقضية تزوير أعمال اللاعبين الأفارقة، وسيقول البعض الآخر أن خارطة إفريقيا تغيرت والواقع يشير إلى صعوبة التأهل للبطولات إثر تقارب المستويات، لكن أرأيتم يوما فرنسا أو إسبانيا أو إيطاليا تعاني وتضرب ألف حساب لسان مارينو ومقدونيا وجزر فارو وأرمينيا ولوكسمبورغ، أبدا، كل ضلع يعرف حجمه ووزنه، ولا ينهزم الفرد ويرتبك إلا بعدما يشك في نفسه ويبالغ في تقدير الآخرين.
فرحنا جميعا بتأهل الأسود إلى مونديال روسيا وتتويج الوداد بعصبة الأبطال وكأس السوبر، وسعدنا بالعبور الفريد الأخير لثلاثة أندية إلى ربع نهائي المسابقتين القاريتين في صدارة مجموعاتها وإمكانية ذهابها لآخر الأدوار والمنافسة على اللقب، فهذا ما نطلبه وهذه مكانتنا المثالية في الخارطة الإفريقية والدولية.
رجاءً لا تعطونا لذة الأفراح والإنتصارات المتقطعة، وإنما عوِّدونا على القمة وبشكل دائم، فنحن أهل لها ونريد إدمانها.