هات القدم وخذ القلم

الدار البيضاء اليوم  -

هات القدم وخذ القلم

بقلم: المهدي الحداد

إلى وقت قريب كانت الأسر والعائلات تحُث أبناءها على الدراسة والتحصيل وجمع الشواهد والدبلومات، وتحرص على تأمين مستقبلهم عبر المدارس والجامعات، وتلزمهم بالتركيز أولا وأخيرا على الكتب والمقررات والإمتحانات، فترى هذا الأب أو تلك الأم يخططان ليمتهن الإبن والبنت الطب أو الهندسة أو الطيران، ويحلمان كبقية الآباء ليكون الأبناء أفضل منهم على مستوى الدخل والعيش والرفاهية، قبل أن تزول اليوم هذه الأماني والمخططات، وتصبح الكثير من العائلات تفكر بعقلية أخرى ومن زاوية مغايرة، فلم تعد المهن الكلاسيكية النبيلة والراقية هدفا للعديد من الأبناء وأسرهم اليوم.

شخصيا أعرف عشرات الأسر المغربية المحترمة التي بدأت تسأل عن الأرقام الفلكية التي باتت رقم معاملات كرة القدم، والكثير منها ينجذب بفضول ورغبة لمعرفة واقع هذه اللعبة التي كانت فقيرة ومهمشة في زمن الأجداد والآباء، فعوض البحث عن أسماء المدارس والجامعات صار السؤال والبحث عن أكاديمات كرة القدم ومراكز التكوين والأندية، وعقلية الضرب وتهديد الإبن إن لم يبتعد عن اللعب وممارسة هوايته لم يعد لها وجود إلا بعض الإستثناءات، بل أصبح رب البيت يسأل ولده عن شؤون التكوين الكروي، ويحرص على إصطحابه ذهابا وإيابا أيام العطل ونهاية الأسبوع، ويلتزم بتتبعه ومشاهدة مبارياته مع الفئات الصغرى، ومناقشته الخطط والمواضيع حتى إن لم يكن شغوفا ومحبا لكرة القدم.

 صدق الكسالى قديما حينما قالوا «يْلا ماجابْها القلم يْجيبْها القدم أو النغم»، والعصر الحالي شاهد على تحقُق هذا التوقع في المجالين، فالكسول والفقير في التحصيل الدراسي والفاقد للشواهد، قد يربح اليوم ملايين الدراهم سنويا ويعيش حياة البذخ والرفاهية كلاعب أو مغني أو مزاول حرفة أخرى، في وقت يكافح فيه ذلك المهندس العفيف والطبيب صاحب الضمير والعالِم المخترع وغيرهم أمواج الزمن وتقلباته، بعدما قضوا طفولتهم وشبابهم يقلّبون الكتب والدفاتر، ويسهرون الليالي طمعا في مستقبل مشرق يلامس أحلامهم.

 لا ينكر أحد أن القدر مكتوب وكل إنسان يُزرق مما هو مدرج في كتابه، ولا يحق لأحد أن يحسد الآخر بعدما نجح في حياته وكسب التحدي بعصامية وتدبير رائع للمسار، لكن ميدان كرة القدم أصبح رائدا ومن المجالات الأعلى دخلا في العالم، ولا يتطلب من صاحبه الكثير من التعقيدات والتضحيات، فصحيح أن الموهبة واجبة وأساسية، لكن الحظ أهم بكثير من ذلك، والدليل ما يتقاضاه حاليا بعض اللاعبين والنجوم في مختلف الأندية المغربية والدولية، وهم في الأصل محدودون ومتواضعون، لكنهم إستفادوا من إرتفاع قيمة السوق وكثرة المضاربات، وجنون الرؤساء وجشع الوكلاء.

صدمني الأسبوع الماضي ما دفعه برشلونة للتعاقد مع لاعب واعد مغمور بأجاكس إسمه دي يونغ مقابل 90 مليون أورو، وكيف صارت الصفقات تناهز أو تتجاوز سقف المئة بسهولة، بعدما كان ألمع النجوم وأفضل الأساطير يساوي 30 مليون أورو قبل سنوات، ولا عجب ولا إستغراب إن وصلت الأرقام الفلكية إلى نصف مليار أورو أو أكثر خلال قادم الأعوام، دون إحتساب السرعة الجنونية والإغراءات الخرافية فيما يخص الدخل السنوي والمنح.

 العائلات داخل المغرب وخارجه بدأت تتسابق وتستثمر في أبنائها ليصبحوا لاعبي كرة القدم، والوكلاء تضاعفوا مئات المرات لإقتسام الكعكة والغنيمة، والفيفا متورطة رغم تدخلاتها الخجولة والسينمائية، في وقت يقف فيه المشجع الموظف والطالب وصاحب المهنة الحرة مراقبا ومتتبعا بدهشة، ومتسائلا: أين هي الأزمة الإقتصادية؟ ومن يموّل هذه الصفقات المشبوهة والخيالية؟ وكيف يُعقل لهذا العامل والأجير البسيط يُستنزف جيبه بلهيب الأسعار وثقل الضرائب، وذلك اللاعب المغربي وحتى بعض النجوم الأجانب غرقى في الملايين والملايير، دون أن يسدد معظمهم درهما واحدا لخزينة الدولة؟


عن صحيفة المنتخب المغربية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هات القدم وخذ القلم هات القدم وخذ القلم



GMT 10:25 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدفاع في الريادة

GMT 10:22 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

"وشكون عرف؟"..

GMT 15:07 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

"كلمة حق"..

GMT 13:45 2019 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

منتخبات مجنونة

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca