بقلم- المهدي الحداد
أيقنت الآن لماذا تتوفر الأندية الإنجليزية في درجتها الممتازة فقط على رقم معاملات يناهز 3 ملايير أورو سنويا، كثالث أعلى رقم مالي رياضي في العالم بعد كرة القدم والسلة الأمريكيتين، ولماذا الإنجليز يستقطبون أعلى نسبة مشاهدة تفوق 4.7 مليار متفرجا من 212 دولة، ولماذا هم دائما في الريادة على سلم كافة المجالات الرياضية والإقتصادية والإجتماعية، بفارق كبير جدا رقميا وكرويا عن جميع الدول الأوروبية والعالمية.
الإنجليز بلا تردد هم المتعة والحلاوة، هم التشويق والإثارة، هم مؤلفو وأبطال الرواية، والذين يستحيل أن تدور الكرة الأرضية بدونهم وبدون كرتهم، سحرهم وصخبهم، جنونهم الجنوني بشيء إسمه كرة القدم.
ما حدث منتصف الأسبوع الماضي بريمونطادا ليفربول وطوطنهام وتأهلهما لنهائي عصبة الأبطال الأوروبية على حساب برشلونة وأجاكس، وما تعزز بعبور تشيلسي وأرسنال إلى نهائي الأوروليغ، يؤكد أن الإنجليز هم الأصل والبقية تقليد، هم صناع التاريخ وعشاق السيناريوهات الخرافية التي لا يعرف أحد من المنافسين تقليدها.
لن أعيد سرد ما حدث من جنون يعجز اللسان عن وصفه، ولن أقف عند وصفات العودة من بعيد والإيمان بالقدرة على خلق المعجزات، لكنني سأنبش قليلا في الأمس القريب وحاضر الكرة الإنجليزية قاريا ودوليا، دون الحديث عن تاريخ الإنجليز الحافل والمجيد والذي يعرفه القاصي والداني.
ما يعيشه مهد الكرة من ثورة وإنبعاث مؤخرا ليس وليد الصدفة، وإنما مخطط إستراتيجي يشمل كل الأندية والمنتخبات، رجالا ونساءا، شبابا وكبارا، إجتمعوا في أكاديميات التكوين، وإصطفوا في أقسام العمل والتطبيق، ليتخرجوا أبطالا ويشرعوا في حصاد كل الغنائم، ويتربعوا وحيدين على عرش الكرة العالمية والأوروبية.
الإنجليز فازوا بآخر نسخة لكأس العالم لأقل من 17 و19 سنة، ووصلوا إلى المربع الذهبي في آخر دورتين لمونديال الكبار للذكور والإناث، وسيظفرون بكأسي عصبة الأبطال والأوروليغ هذا الموسم، وسيلعبون السوبر القاري والموندياليتو، والقادم قد يكون أفضل وقد يخفي للأسود الثلاثة اللقب الثاني بالدوحة القطرية، لتستعيد الكرة الإنجليزية كليا كبريائها وعظمتها وهيمنتها، والتي توقفت لسنوات فاسحة الميدان لملوك «تيكي تاكا» والعصر الذهبي للأندية والمنتخبات الإسبانية.
رجوع الهيبة للإنجليز وعودتهم لمنصات التتويج مستحق، وأقل مكافأة يمكن أن تُعطى لهم نظير مستوى بطولتهم المجنونة، والتي لا يصل لثلث إثارتها وإيقاعها الإسبان ولا الألمان، والذين تاهوا في دروب الملل وإنحصار المنافسة بين فريقين، وحسم الألقاب بدورات في ظل غياب المشاكسة والمفاجآت، وخسروا الكثير من النقاط أمام التطور المالي المهول والإجتهاد الكروي الخرافي، والتدبير الرياضي الإستثماري للأندية الإنجليزية بملاك من مختلف القارات، وعقول محلية شابة وأوروبية مختارة بعناية وتطابق فلسفلة الإنجليز، وكرتهم المباشرة، السريعة، الواقعية والسينمائية.
من لم يلعب من النجوم في البرمرليغ نقصه الشيء الكثير، ومن لا يشاهد من المتفرجين مبارياتها لا يحق له الحديث عن الكرة، والذين أدمنوا لقاءات ريال مدريد وبرشلونة الرتيبة والمملة بالليغا، فعليهم بتغيير البوصلة عاجلا وأبدا لأقصى الشمال، هناك حيث المتعة والتشويق، هناك حيث تُصنع الأفلام الحقيقية والمعجزات، هناك حيث وُلدت وستحيا وستموت كرة القدم.