"كلام جميل"..

الدار البيضاء اليوم  -

كلام جميل

بقلم: يونس الخراشي

لم يفتني يوما ذلك اللقاء الجميل بين مديري "محل الإنترنيت"، القريب من "غراند أوتيل"، إلا شعرت بالأسى. كان لقاء عجيبا للغاية، يظهر الوجه الجميل للشعب المصري العظيم. ويؤكد لي، يوميا، أنني إزاء أناس قلوبهم طيبة، ويحبون الخير، ويملكون لسانا عسليا، ولكن مصاعب الحياة، وقساوة الأنظمة المتعاقبة، جعلتهم ينبتون أظافر طويلة وحادة، دون رغبة منهم.
قلما عشت لحظات من ذلك القبيل. فاللقاء كان يتكرر يوميا. ما أن يأتي أحدهما ليعوض الآخر في العمل؛ بما أن محلهما كان مفتوحا على مدار ساعات اليوم، ليل نهار، حتى يتعانق الشابان، وينطلقا في حديث ودي أشبه بذلك الذي يدور بين حبيبين لم يلتقيا منذ سنوات، أو قل بين صديقين قطعت الحرب صلتهما، ثم التقيا على حين غرة، فلم يملكا، من فرط الشوق، أن يترك أحدهما الآخر.
كانت الكلمات التي يسأل بها أحدها عن صحة الآخر، وتلك التي يستعملها الثاني في الرد، والأخرى التي يتبادلان بها السؤال عن أحوالهما وأحوال أهلهما، دافئة، ولطيفة، وشاعرية، تجعل صحافيا مثلي، يغرق في التعب، فلا يسأل سوى عن مقالاته، ينصت مأخوذا بحلوة الحوار، وجمالية الكلام، وحنان القلوب، وسمو الخلق، ورهافة الحس.
والأجمل من ذلك كله أن الذي كان يذهب ليرتاح من عناء عمل الليل، لا يغادر هكذا بسلام جاف، بل يودعه الذي جاء ليبدأ العمل، مشيعا في الباب، حتى يطمئن عليه، ثم يعود إلى مكان يستقر فيه، فلا يسمع له صوت، إلا إذا طلبت منه خدمة من أحد الزبائن. وهلم جرا في اليوم الموالي، بكلام تشتاق إليه القلوب قبل الآذان، فيكون محفزا كبيرا على العمل الجبد.
لطالما استمعت بتلك الأغنية الخالدة لليلى مراد وهي تردد:"كلام جميل.. كلام معقول.. ما أقدرش أقول حاجة عنه". غير أنني لم أتصور بأن المصريين يملكون كل ذلك القدر من حلاوة اللسان، ويستطيعون، بفعله، شد الانتباه إليهم. وهو ما اكتشفته على  مدار تلك الأيام من يناير 2006 بالقاهرة؛ أو لنقل ببعض من القاهرة، تلك المدينة المترامية الأطراف بضفتين على نهر النيل الخالد، وهو يجري متدفقا نحو البحر الأبيض المتوسط بوقار ونخوة.
في المرات القليلة التي سمعت بعضهم "يبصق" كلمات غير لائقة، أو يقول كلاما ظاهره جميل وباطنه "سم هاري"، كنت أعرف أنني إزاء شخص يقدر أنه "فهلوي" و"ابن جنية"، ويرى في هذا الوافد من بلاد بعيدة مجرد إنسان بلا عقل، ويمكن سلبه ماله وما يملك بسهولة، أو أنه من أولئك الذين ضيعوا حس مصر، وصار كل همهم أن يكسبوا المال بأي طريقة. لنقل باختصار إنهم أشبه بـ"السحت" في مسلسل "المال والبنون".
ولا مرة واحدة من كل تلك المرات الكثيرة التي ولجت فيها "محل الإنترنيت" إياه لكي أكتب وأصحح وأبعث المقالات إلى الجريدة في الدار البيضاء، سألني أحد الشابين سؤالا لا يعنيه، أو خاطبني بطريقة غير لائقة، أو سمعته يهمس مع شخص آخر بما يعنيني، أو اكتشفت بأن الثمن الذي طلبه مقابل الخدمة فوق ما ينبغي.
كان الشابان بحف مثالا جميلا لحسن الخلق، ولحب البلد، وتسويق صورة جيدة عنه. والدليل أنهما كانا يشتغلان بدون توقف، ودون تأفف، ودون تشكي. لقد كانا يغرقان في البحث عن مال حلال، غر آبهين بكل المصاعب من حولهما.
سلامي لكما حيثما كنتما. فقد جعلتماني أحب مصر أكثر؛ مصر التي في خاطري.
إلى اللقاء.

 

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلام جميل كلام جميل



GMT 10:25 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدفاع في الريادة

GMT 10:22 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

"وشكون عرف؟"..

GMT 15:07 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

"كلمة حق"..

GMT 13:45 2019 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

منتخبات مجنونة

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca