بقلم :أحمد المالكي
رغم أن المرشَّح الرِّئاسيّ حمدين صبَّاحي يبذل جهدًا غير عادي ليصل إلى النّاس في محافظات مصر المختلفة، ورغم أنّه قام بجولات بدأت من أسيوط والغربية وبنها، إلا أن التوقُّعات بخسارته كبيرة، والمعركة محسومة لصالح المرشَّح الآخر عبدالفتاح السيسي الذي يبدو أنه لن يقوم بعمل جولات في محافظات مصر المختلفة، كما يفعل المرشَّح الآخر حمدين صبَّاحي، صاحب الشّعبيّة الجارفة عند الشّباب، كما يتّضح في كل الجولات التي قام بها.
قد يبدو لك عزيزي القاري أنني ألمِّح في هذه الكلمات وهذا المقال إلى حدوث شيء في انتخابات الرِّئاسة تجعل الكفة ترجح ناحية المرشَّح عبدالفتاح السيسي وأنها سوف تكون انتخابات مزورة أو غير نزيهة ولكن تريَّث حتى تصل إلى نهاية المقال.
عبدالفتاح السيسي سوف يربح هذه الانتخابات بعيدًا عن التزوير، وقد عبر في لقائه على شاشة إحدى القنوات الفضائية أنه لن يحترم نفسه إذا جاء بالتزوير، وهذا شيء جيد ولكن هناك أسباب أخرى بعيدة عن التزوير وعن الانتخابات غير النزيهة، وهذه الأسباب نتيجة تراكمات الماضي الذي ما زال يطاردنا حتى الآن ولا نعرف كيف نتخلص منه.
ألقد قتلت أنظمة الماضي العمل السياسي في مصر، وهذا موجود أيضا في كل الدول العربية، ولكنني سوف أتحدث في هذا المقال عن مصر، فالأنظمة التي حكمت مصر استخدمت القمع الأمني والقوة الأمنية ضد كل من يفكر المشاركه في العمل السياسي أو كل من يريد عمل حزب يعبر فيه عن توجهات سياسية معينة وهذا ما أوصلنا إلى هذه الحالة التي نعيش فيها الآن، دولة ليس فيها حزب قوي أو معارضة قوية تحصل على ثقة الناس وظهور مصطلح جديد اسمه انتخاب رجل دولة لأن الناس لا ترى في المعارضة بارقة أمل.
إن الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت مصر بقبضة من حديد، قد حطمت الأحزاب وكانت توافق على أحزاب ليس لها رؤية وترفض تأسيس أحزاب يمكن أن يكون لها وجود في العمل السياسي الجادّ، وحزب الكرامة خير دليل وهو الحزب الذي ينتمي اليه المرشَّح الرِّئاسيّ حمدين صبَّاحي، تم رفضه أكثر من مرة لأن النظام رأى أنه قد يشكل خطرًا عليه.
إن الأحزاب في مصر كانت عبارة عن مقرّات وصحف، والبعض كان يؤسس أحزابًا للحصول على "السَّبُّوبة" التي تمنحها الدولة لهذه الأحزاب، ولكن إذا بحثت عن التواجد الحقيقي لهذه الأحزاب في الشارع المصري فلن تجد لها وجودًا، والمهزلة أن هذه الأحزاب كان عدد أعضاء بعض هذه الأحزاب لا يتجاوز 50 شخصًا على مستوى الجمهورية.
لقد كانت الأحزاب في مصر شكلية، فلم نجد لها تمثيلًا في المجالس المحلية ولا المجالس النيابية، وكان النظام سعيدًا بهذه الأحزاب حتى يظهر أمام أمريكا أنه توجد معارضة في مصر، ولكن ما هو مصير هذه المعارضة إذا فكّرت في يوم من الأيام في خوض أية انتخابات أمام مرشَّح حزب الأغلبية؟ سوف يكون مصير من يفكر في ذلك السجن، وقد يتهم بالتزوير في أوراق تأسيس حزبه.
ولم يكتف النظام بذلك بل كان دائما يتهم هذه الأحزاب الهزيلة أنها أحزاب لا توجد لديها رؤية وبعضها مغرض ولا يريد مصلحة الوطن وأن حزب الأغلبية هو حزب العبور إلى المستقبل، وللأسف فرغم ضعف هذه الأحزاب إلا أن النظام لم يتركها في حالها بل كان يخلق الفتن داخلها لدرجة أن حزب الوفد حدث فيه اقتتال كان هدفه القضاء على هذا الحزب الذي له تاريخ طويل، وكان فيه أسماء لها تأثير على الحياة السياسية في مصر.
بعد ثورة 25 يناير ظهرت أحزاب جديدة جاءت من رحم ثورة 25 يناير، ومع أول انتخابات رئاسية وترشح الفريق أحمد شفيق أطلق عليه البعض رجل دولة وهذا مصطلح لا يوجد إلا في مصر، ومصطلح يجب أن يمحا إذا أردنا ديمقراطية حقيقية، وعندما جاء مرسي ونظام الإخوان إلى الحكم فعلوا كما فعل الذين من قبلهم شوهوا صورة الأحزاب حتى الأحزاب الجديدة قاموا بتشويه صورتها، ورغم أن الأحزاب الجديدة أفرزت وجوهًا شابة جديدة إلا أن نظام الإخوان تفنن في تشويه كل من يعمل في العمل السياسي بما فيهم حمدين صبَّاحي المرشَّح الرِّئاسيّ وللأسف نجحوا في ذلك.
وبعد أن كان لدينا عدد كبير من المرشَّحين للرئاسة في الانتخابات السابقة بعد ثورة 25 يناير لم يعد لدينا بعد ثورة 30 يونيو إلا اثنين من المرشَّحين فقط والنتيجة محسومة سلفًا لصالح عبدالفتاح السيسي؛ لأنه ينطبق عليه المصطلح الساحر "رجل دولة"، بينما حمدين صبَّاحي ابن المعارضة التي تم تشويهها والقضاء عليها؛ لا يصلح؛ لأنه لم يعين في الدولة رغم تفوقه في دراسته، وكان من الأوائل على دفعته، ولكن بسبب حبه لبلده وحلمه أن تكون الأفضل، حرمه النظام من التعيين في مؤسسة إعلامية تنتمي إلى الدولة، وكما في المثل: "إذا عُرِفَ السببُ بَطَلَ العَجَبُ".