الإثبات العلمي والإثبات القضائي

الدار البيضاء اليوم  -

الإثبات العلمي والإثبات القضائي

بقلم : القاضي جعفر كاظم المالكي

يتفق الإثبات العلمي مع الإثبات القضائي في أنه يعتمد على المجهود الإنساني أو العقلي، الذي يهدف إلى التحقق من واقعة غير معروفة أو متنازع فيها عن طريق مجموعة متناسقة من الوقائع المعروفة، لكن هناك فرقًا واضحًا بينهما يتعلق بالأشخاص أو المكان أو الوسيلة أو النتيجة.

ففيما يتعلق بالأشخاص، فإن الإثبات القضائي يقوم به الخصوم أنفسهم أما الإثبات العلمي فيجوز أن يقوم به أي شخص تتوافر له وسائل البحث العلمي، وفي ما يتعلق بالمكان فإن الإثبات القضائي يجري كقاعدة عامة أمام القضاء، أما الإثبات العلمي فيجري في مكان آخر غير ساحة القضاء.

وفيما يتعلق بالوسائل، فإن الإثبات القضائي، وفي نطاق المنازعة المدنية بصفة خاصة، يعتمد على طرق حددها القانون، أما الإثبات العلمي فإنه يعتمد على كل الوسائل العلمية المعروفة كالمشاهدة والتجربة العلمية وغيرها, وكذلك الأمر بالنسبة للنتائج، فإن المبدأ المتبع لدى القضاء  هو حجية الشيء المقضي به والعكس من ذلك فإن النتائج التي يصل إليها الباحث العلمي تعتبر مجرد فروض راجحة بصفة مؤقتة يجوز لأي باحث آخر أن يدحضها أو يتوصل إلى ما يخالفها في أي وقت.

وهنا لا بد من الإشارة إلى الحقيقة القضائية والتي يعرفها الفقهاء بأنها ما يثبته القاضي في حـــكمه نتيجة لتحريه حقيقة الواقع، وبالرغم من أن الحقيقة القضائية ينبغي أن تكون مطابقة بقدر الإمكان للحقيقة الواقعية أو العلمية، فإنه قد يحدث اختلاف بين الحقيقة القضائية والحقيقة  الواقعية أو العلمية، فالحق قد يكون موجودًا من حيث الواقع لكن لا يوجد دليل مقبول على وجوده، مما يؤدي إلى عدم الاعتراف به أمام القضاء، وهكذا فإن الحق يكون موجودًا في الواقع ولكن ينكر وجوده أمام القضاء.

وخير مثال على ذلك قرار الهيئة الموسعة المدنية في محكمة التمييز الاتحادية في العدد 17/الهيئة الموسعة المدنية/2011 في 14/3/2012، والذي  اعتمد الحقائق الشرعية "فراش الزوجية ومدة الحمل"، والقانونية في دعوى إثبات النسب ولم يأخذ بالحقيقة العلمية المثبتة في تقرير الطب العدلي الخاص بفحص الحامض النووي الذي جزم بعدم مطابقته مع الحمض النووي للمدعي والد الطفل، بالرغم من أن نتائج الحمض النووي تكون قاطعة كحقيقة علمية طبية، وبالرغم من أن المفارقة المحتملة بين الحقيقة الواقعية والحقيقة القضائية تؤدي إلى صدور حكم قضائي ظالم, على خلاف وظيفة القاضي وهي أن يحكم بالعدل، باعتباره هو نفسه العدل المجسم على حد تعبير أرسطو, لكن تلك المفارقة لا ترجع إلى عيب في النظام القضائي بل ترجع إلى القصور الموجود في كل عمل إنساني وهو قصور لا علاج له.

ومهما بلغت وسائل التقريب بين الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية أو العلمية، فإن القضاء على احتمال تبينهما مستحيل, و لذلك أصبح لزامًا اعتبار الحقيقة القضائية هي حقيقة نسبية لا مطلقة، أي أنها لا تعتبر حقيقة إلا بالنسبة إلى طرفي الخصومة التي فصل فيها الحكم، وفي ما يتعلق بذات الموضوع لأن حجية الحكم لا تسري على غير المتخاصمين ولا تتعدى إلى سواهما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإثبات العلمي والإثبات القضائي الإثبات العلمي والإثبات القضائي



GMT 01:00 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 21:38 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 07:46 2019 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

GMT 00:19 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

اليمن والحاجة لإعادة إعمار القيم

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 17:54 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 08:43 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

عدد جديد من المجلة الكويتية الفكرية المحكمة «عالم الفكر»

GMT 06:30 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

نهاية بادي تغوص داخل أعماق النفس البشرية في "حمامة سلا"

GMT 04:52 2013 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الحجاب يزيد من جمال المرأة

GMT 19:32 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

مكب قديم للنفايات يكشف عن خاتم الملك اليهودي حزقيا

GMT 09:53 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

"الكهرباء المصرية" 12 ألفًا و500 ميغاوات زيادة متاحة عن الحمل

GMT 20:11 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

"طائرة بدون طيار" تُحدِث هلعًا في أشهر فنادق المغرب

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

"زيت الجرجير" يمتلك فوائد مُدهشة لجميع أنواع الشعر

GMT 06:18 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

استمتع بالمناظر الطبيعية الرائعة في دول البلطيق

GMT 08:49 2018 الخميس ,06 أيلول / سبتمبر

سقوط أمطار على محافظة تيماء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca