أُبَّهة الصحراء .. "المسيرة الخضراء"

الدار البيضاء اليوم  -

أُبَّهة الصحراء  المسيرة الخضراء

بقلم - شيخاني ولد الشيخ

يصف فيكتور هوجو هوية "الباسكيين" أو "البشكنج" الذين يعيشون في إقليم الباسك بشمال إسبانيا وعلى حدودها مع فرنسا قائلاً: إن "الباسكي ليس فرنسياً، ولا إسبانياً؛ إنه فقط باسكي". 

ولا ريب أن للمقولة أعلاه معادلة مختزلة ورونق للهوية عاشته شعوب وأبدت سبائكه معالم تراثية. فهل تنصتون؟
نفهم بطريقة أكثر قتراباً من الواقع الماثل لفيكتور هوجو أن الباسكي استطاع أن ينحت تاريخه في خصائص ومقومات وأصول تعترف له بأنه ليس إسبانياً ولا فرنسياً رغم التلازم والتلاحم لحالات التشرخ والانشطار لأوروبا الجديدة في سن الشيخوخة. 

وإن كان في الخروج البريطاني الأخير من الاتحاد الأوروبي بِضْعٌ وعشرون من شُعَب انقلاب السحر على الساحر، فالمفهوم السياسي الشهير باسم "فرق تسد"، والذي يشل حركة التنمية في الكثير من البلدان العربية والإفريقية، ها هو اليوم تسطع سلبياته في فلك القارة العجوز. وربما يرجع السبب إلى أن العالم أصبح قرية واحدة، وما يشعر به المواطن المغاربي والإفريقي من التمزق المجتمعي أصبح تهديداً يترجمه الباسك بدولة في ثغور أوروبا. 

فالباسك، رغم حكم المحكمة العليا الإسبانية بإلغاء قرار قومياتهم في شأن حظر لعبة مصارعة الثيران الإسبانية المخالفة لأعرافهم وتقاليدهم الصديقة مع البيئة والحيوان، لتثبيت هويتهم الإسبانية، يسعون جاهدين عبر حركاتهم الانفصالية إلى قيام دولتهم فهل تكون هذه الطموحات القشة التي قصمت ظهر الإتحاد الأوروبي؟  

مقاربة أن العالم قرية واحدة أصبح جلياً بالغرب، والإيمان بها لزجر نفوس عطشانة سياسياً عن الهوى، والامتناع عن محاولات الطعن من الخلف لأن الذي بيته بيت العنكبوت لا يمكنه استهداف بيوت الآخرين .. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت. 

فعلاً هناك اتساع في رقعة الاضطرابات التي تكبدتها بلداننا العربية والإفريقية، وازدياد بنسبة التطرف والإرهاب الدولي، وقد أصبح العالم بحاجة ملحة إلى الايمان بالمصير المشترك للشعوب، تلك الضرورة التي ستقودنا إلى ترسيخ الشعور بالهوية الإنسانية وتثبيته في اقتناع بها واعتزاز، وفي حرص عليها يقود إلى التمسك والتشبث بالثوابت الوطنية لكل وطن، واحترام لمقدسات كل دولة، وكل شعب، وكل أمة، والدفاع عنها والاستماتة من أجلها. وقد راج في ذهني أن أتفاعل بشكل إيجابي مع مكون من مكونات الهوية المغربية... إنها أُبَّهة الصحراء ..  المسيرة الخضراء.

نستحضر في هذه المسيرة تتويج عبقرية الحسن الثاني لإفريقيا بلقب الانتصار على أوروبا وملهمها آنذاك الجنرال الفاشي فرانشيسكو فرانكو بطرق سلمية، حيث استطاعت المملكة المغربية الشقيقة استرجاع أقاليمها الجنوبية من المحتل الإسباني تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية حول تصفية الاستعمار، ورجوعاً لمبدأ الأرض مقابل السلام في ميدان المعركة.

ولأن أوراق التاريخ راسخة نجح الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، في دخول التاريخ من أوسع أبوابه، ففي خطاب المسيرة رسخ سعيه في الصلح والتصالح مخاطبا شعبه: "...شعبي العزيز، إنك بسيرتك نحو مسيرتك ربما تمكنت أنت الشعب المغربي من تجسيم ما نسبه العالم من مصالح سبل الصلح والتصالح بالنسبة للسبل الأخرى"، انتهى النطق الملكي السامي.

ماذا أقول الآن.. إن المجتمعات تبني لذاتها هوية تستجيب لحاجاتها الفكرية والروحية والإنسانية. وبقدر ما تضيء هذه الاستجابة يكمن إشعاع قوة الاعتزاز بهذه الهوية. 
وبقدر احتدام الصراع بين الوحدة الوطنية والانقسام الداخلي، يكون اتجاه الهوية في خط وطني أخضر، أو في خط وهمي أحمر. وإن كان آخر الكلام أن إفريقيا للإفريقيين وتأثرنا بهذا لا يرجع الفضل فيه لأفكار الزعيم الإفريقي الأسطوري كوامي نكروما الذي سبق له النداء بالوحدة الإفريقية، وإنما الفضل فيه لذكاء الملك الراحل الحسن الثاني الذي نادى بالمسيرة الخضراء.

ويمكن ربط هذا جميعاً بالذكرى الحادية والأربعين لهذه المسيرة التي صعد نجمها هذه الخطرة في داكار للتأكيد بأن الصحراء الغربية ليست إقليم كاتانغا، والمجال هناك لا يسمح للأجندة الخارجية والصراعات الدولية الراهنة بتحويل الصراع المفتعل في الصحراء المغربية إلى أزمة مرادفة لأزمة الكونغو (1960/ 1961) التي سقطت فيها الطائرة الخاصة التي كانت تقل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السويدي داغ همرشولد بوسط إفريقيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أُبَّهة الصحراء  المسيرة الخضراء أُبَّهة الصحراء  المسيرة الخضراء



GMT 01:00 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 21:38 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 07:46 2019 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

GMT 00:19 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

اليمن والحاجة لإعادة إعمار القيم

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca