الرئيسية » مراجعة كتب

مراكش ـ وكالات

صدر للباحث المغربي عبد الفتاح كيليطو كتاب جديد عن دار نشر 'أكت سود' الباريسية يحمل عنوان 'أتكلم جميع اللغات لكن باللغة العربية'، ويتضمن مجموعة مهمة من المقالات والنصوص التي تتناول العلاقة داخل الأدب أو في الحياة اليومية بين اللغة العربية الفصحى والعربية المحكية واللغات الأجنبية. وتعجّ هذه المقالات والنصوص بالتأملات المثيرة، لكن ثمة فكرة رئيسية مفادها أنه يستحيل على الإنسان أن يتحرر من لغته الأم بممارسته للغات أخرى، كما يستحيل عليه أن يكون أحاديّ اللغة وإن كان لا يجيد سوى لغة واحدة. فهناك استحالة مزدوجة قد تبدو إشكالية في ظاهرها، لكنها مصدر غنى ثقافي كبير. تجديد الأدب في القسم الأول من الكتاب يبيّن كيليطو أنه حين نتكلم بلغة أجنبية فإن لغتنا الأم لا تنام إلا بعينٍ واحدة وتبقى بعينها الأخرى حاضرة، سواء من خلال اللكنة أو بلفظ بعض الحروف أو التشييد الفريد للجُمَل. ولذا، حين نقرأ نصاً نكشف بسرعة هوية كاتبه، ويمكننا من دون صعوبة التمييز بين نص كاتب مغربي فرنكفوني وآخر فرنسي، أو بين نص عربي لكاتب مغربي ونص لكاتب مصري. بالمقابل، تمدّ اللغة الأجنبية التي نتقنها لغتنا الأم بعبارات أو مفردات أو صياغات نحوية حين لا تمنح كتّابنا نماذجها الأدبية. وهو ما حصل في القرن التاسع عشر مع الأدب العربي الذي كان منهكاً ومنازعاً قبل أن تنقذه عملية الترجمة التي انطلقت آنذاك وساهمت في تجديده عبر إجباره على استيعاب أجناس أدبية جديدة وتبنّي أشكال كتابية لم تكن معروفة عندنا. ولفهم هذا التلاقح المتبادل، يستشهد كيليطو بالشاعر الألماني غوته الذي يقول 'كل أدب يملّ في النهاية من ذاته إن لم يتم إنعاشه بمشاركة أجنبية'، كما يستحضر جملة أخرى لهذا الشاعر يقول فيها 'الأدب القومي لا يعني شيئاً اليوم. لقد حان وقت الأدب العالمي، وعلى كل واحد منا أن يجهد لتسريع مجيء هذه الحقبة'. وبعبارة أخرى، يقول الباحث إن زمن الأصالة والهوية ولّى ولا بد من التخلي عن هاجس الفرادة لبلوغ الحداثة والانخراط داخل الأدب العالمي، المتعدد بالضرورة. الإغناء بالترجمة وفي القسم الثاني من الكتاب، يشير كيليطو إلى أن مختلف الترجمات التي يحظى بها أي نص أدبي، بما فيها الترجمات غير الدقيقة، تغني هذا النص بشكلٍ أو بآخر، ويقول إن مسؤولية ترجمة أي نص لا تقع فقط على عاتق المترجم، بل أيضاً على عاتق اللغة المستقبلة له، مما يؤدّي إلى مفاعيل معنوية غير موجودة في الأصل. وفي هذا السياق، يذكّرنا كيليطو بأن معظم كتّاب المرحلة الكلاسيكية من تاريخنا كانوا مزدوجي اللغة كابن المقفع وبشار بن برد وأبو نواس والغزالي، وأن الكتّاب الآخرين قرؤوا بنهم الترجمات من الأدب الفارسي أو من الفلسفة الإغريقية، إذ عرف العرب نهضتين، كلاسيكية وحديثة. وفي كليهما تم إلقاء نظرة نقدية على التقليد الأدبي، وكانت الترجمة هي محرّك التجديد. ويبيّن كيليطو في أحد نصوصه أن الرواية العربية الحديثة لم تر النور إلا لوصف أوروبا، متوقفاً بإسهاب عند مثالين هما رواية 'الساق على الساق' للبناني فارس الشدياق ورواية 'حديث عيسى بن هشام' للمصري محمد المويلحي. وفي نص آخر، يشير كيليطو إلى أن العرب لم يهتموا بكتاب المعرّي 'رسالة الغفران' إلا حين اعتُبر كأحد المصادر الممكنة لكتاب دانتي 'الكوميديا الإلهية'. وتمسُّك العرب به يعكس، في نظر الباحث، رغبتهم في إظهار ما تدين به الثقافة الأوروبية للثقافة العربية، وهي رغبة نابعة من شعور العرب بفضلهم الكبير على أوروبا. ويتناول الباحث كتاب المغربي عبد الجليل الحجمري 'صورة المغرب في الأدب الفرنسي' ليبيّن ازدواجية موقفنا من أدب المستعمِر الذي يبدو كريهاً وساحراً في آن واحد. ويقول إن خطاب المستعمِر يترجم حقيقته الذاتية وأحكامه المسبقة، ولكن أين تكمن الحقيقة الموضوعية؟ وما هي صورتنا الحقيقية؟ وهل نحن الذين نملكها؟ فلا يحق لنا ادعاء معرفة حقيقة ماضينا لكوننا على مسافة بعيدة من أسلافنا، ولاختلاف نظرتنا عن نظرتهم، حسب قوله. وفي القسم الأخير من كتابه، يتوقف كيليطو عند بعض وجوه الأدب المغاربي الفرنكفوني مثل عبد الكبير الخطيبي الذي رغب منذ الصغر في أن يكون 'غريباً محترفاً' دون أن ينكر أصوله، وإدمون عمران المالح الذي يرى كيليطو في روايته 'ألف عام بيوم واحد' نشيداً للبداوة والترحّل ويشبّه بطلها بعوليس من حيث إن ابتعاده عن وطنه كان يقوده إلى قرابة حميمية مع ذاته، وعبد الوهاب مؤدّب الذي يسرد في روايته 'فانتيزيا' قصة تيه في تعرّجات باريس وفي متاهة ذاكرة مشحونة بالصور والمراجع الأدبية.

View on casablancatoday.com

أخبار ذات صلة

"الأسلحة النووية" لا تزال تهدد العالم في القرن الـ…
"الدّولة وتدبير الحراك" كتاب جديد للدّكتور المغربي محمّد الغلبزوري
"المسغبة" ملحمة سردية لـ ثائر الناشف عن فواجع الحرب…
صدور رواية "سماء قريبة من الأرض" عن الحرب والمقاومة…
صدور رواية "جنة الأكاذيب" وديوان "زئبق وفضة" للكاتب خالد…

اخر الاخبار

"الحرس الثوري الإيراني" يعيد انتشار فصائل موالية غرب العراق
الحكومة المغربية تُعلن أن مساهمة الموظفين في صندوق تدبير…
روسيا تُجدد موقف موسكو من الصحراء المغربية
الأمم المتحدة تؤكد دعمها للعملية السياسية لحل نزاع الصحراء

فن وموسيقى

أشرف عبد الباقي يتحدث عن كواليس "جولة أخيرة" ويؤكد…
وفاة الفنانة خديجة البيضاوية أيقونة فن "العيطة" الشعبي في…
كارول سماحة فَخُورة بأداء شخصية الشحرورة وتستعد لمهرجان الموسيقى…
شيرين عبد الوهاب فخورة بمشوارها الفني خلال الـ 20…

أخبار النجوم

أمير كرارة يحافظ على تواجده للعام العاشر على التوالى
أحمد السقا يلتقي جمهوره في الدورة الـ 41 من…
أنغام تستعد لطرح أغنيتين جديدتين بالتعاون مع إكرم حسني
إصابة شيرين عبدالوهاب بقطع في الرباط الصليبي

رياضة

أشرف حكيمي يوجه رسالة للمغاربة بعد الزلزال المدّمر
الإصابة تٌبعد المغربي أشرف بن شرقي عن اللعب مع…
المغربي حمد الله يقُود إتحاد جدة السعودي للتعادل مع…
كلوب يبرر استبدال محمد صلاح في هزيمة ليفربول

صحة وتغذية

فوائد صحية مذهلة مرتبطة بالقلب والمناعة للأطعمة ذات اللون…
النظام الغذائي الأطلسي يخفف من دهون البطن ويحسن الكوليسترول
بريطانيون يطورُون جهازًا جديدًا للكشف المبكر عن أمراض اللثة
اكتشاف مركب كيميائي يساعد على استعادة الرؤية مجددًا

الأخبار الأكثر قراءة