الرئيسية » مراجعة كتب

القاهرة ـ وكالات

يقتحم الروائي  أشرف العشماوي في روايته "تويا" أرضا بكرا لتكون أفريقيا السوداء وكينيا تحديدا موطنا ومناخا لروايته المرشحة ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر". و"تويا" اسم لإحدى الفتيات الأفريقيات، يلتقيها الطبيب المصري يوسف كمال نجيب في نيروبي، وهو شخصية تائهة تبحث عن ذاتها بين ثقافتين وروحين، روح أمه الإنجليزية ذات المشاعر الأرستقراطية التي عجلت بفرارها من جديد إلى ليفربول، وروح والده الرومانسية التي قادته إلى أفريقيا يعالج مرضاها المصابين بالجذام، وهي نفس الروح التي لم ترض أن تعيش بعد موت عبد الناصر حامل الحلم العربي فلحقت به.بين الأم الارستقراطية والأب الحالم ينهض يوسف رجلا براغماتيا يرى الطب مهنة وليس نضالا، فهو مثال لجيل الانفتاح الاقتصادي والمتغيرات السياسية والاجتماعية بمصر في عصر السادات في سبعينيات القرن الماضي، جيل ما بعد النكسة وجيل الفردانية والحسابات المضبوطة.يبدو يوسف واضحا في انتمائه ذاك بقوله "أنا لا أحب الشعارات والخطب مثلما فعل بنا عبد الناصر.. تارة حلم العروبة ومرة القرن الأفريقي حتى انتهى بنا الحال إلى نكسة.. أما السادات فهو رجل أفعال... قرر وخطط وحارب وانتصر..".والرواية التي تبدأ بمشهد جنازة عبد الناصر وبشخصية روائية تنسحب من جنازته وتظهر كما كبيرا من الاحتجاجات على سياسته وسخرية من أفكاره وطوباويته ورومانسيته، تدفع بأفق الانتظار نحو قراءة حياة براغماتية تعلي المصلحة الخاصة رهانا أخيرا."المغامرة الكبرى في الرواية هي اقتحام مجهول الأرض والحياة المتمثلة في أحراش كينيا أرض المغامرات القاسية والفانتازيا والسحر"ائي لتلك الأماكن.وهذا يتطلب بحثا وقدرة كبيرة على تذويب كل تلك المعارف في العمل الروائي، فلا يلحظه القارئ ولا يتحول إلى عائق أمام التمتع بالأحداث الروائية، وهذا ما نجح فيه عشماوي على قصر الوقت الذي تطلبته كتابة الرواية التي لم تأخذ منه أكثر من سنة، كما صرح في لقاءات صحفية.إنها مغامرة كاملة، إذ يقتحم المؤلف المصري الكتابة الروائية من خارج انتظارات المشهد الروائي فيأتيها من اختصاص القانون، مؤكدا أن الأدب العربي يتحرك ويتقدم دائما من خارج المؤسسة التعليمية والجامعية واختصاصات الأدب وتاريخه يثبت ذلك.كما كانت هذه الرواية مغامرة باقتحام اختصاص دقيق بعيد عن الروائي وهو الطب، لكن المغامرة الكبرى هي اقتحام مجهول الأرض والحياة المتمثلة في أحراش كينيا أرض المغامرات القاسية والفانتازيا والسحر.هذه المغامرة الروائية جعلت الناقد صلاح فضل يشيد بالعمل الروائي، إذ "يسلط الضوء الغامر على منطقة بالغة الحساسية مخترقا صميم البيئة الأفريقية التي تتصارع فيها نوازع تجارة البشر مع أنبل الجهود الحضارية عبر سيرة طبيب مصري..."."استطاع أشرف عشماوي في "تويا" أن يلامس الإنساني والعميق في رحم العالم "أفريقيا" دون أن تتحول روايته إلى مرافعة إنسانية بل ظل العمل يثبت أدبيته كل حين"تكتب الرواية الثنائية الكلاسيكية "الحياة والموت" بطريقة معاصرة وحداثية، حينما تضع القبح في مواجهة شراسة الجمال، والمرض/الجذام في مواجهة المقاومة الشرسة للأنثى الرمز الأزلي للخصب.وقد نجح عشماوي في بناء شخصية يوسف، الطبيب الذي وصفه بالكائن المتنقل برشاقة مثل نحلة من زهرة إلى زهرة مما مهد له الاستعداد لمواجهة خطر الإبادة المتمثل في "الجذام". وقد حضر ذلك التحدي للموت في أول مواجهة له في مخبر التحاليل وفي أول مصافحة للباحث الشاب لصور المرض الذي يأكل أجساد النساء والرجال والأطفال بكينيا، غير يوسف وجهة اهتمامه للحظات نحو نهدي زميلته كأنه بذلك يتلقى أول جرعات ترياق البشاعة.وبالحياة وحدها المتمثلة في المرأة والحب يقتحم الطبيب عالم الموت ليكتب سيرة الجذام وعالم أفريقيا القاسي، والحق أن الرواية في موضوعها هذا تتقاطع مع نصوص سابقة ولاحقة لها كرواية "الطاعون" لألبير كامو والديكامرون لبوكاشو وأبطاله الهاربين من الوباء، ورواية أمير تاج السر "أيبولا 76".إن كتابة الأوبئة يعد عالما مشحونا بالرعب وبالمجهول، وعادة يكون فضاء نموذجيا لنوع من الحكي القائم على التشويق، وهو ما أدركه عشماوي في روايته التي تصفي حسابها منذ البداية مع الأيديولوجيا السياسية بكل أشكالها لتقتحم عالما إنسانيا مرعبا هو نتاج سياسة دولية أشمل "واقع أفريقيا الفظيع".وقد استطاع عشماوي أن يلامس الإنساني والعميق في رحم العالم "أفريقيا" دون أن تتحول روايته إلى مرافعة إنسانية، بل ظل العمل يثبت أدبيته، كل حين بتأملاته الشخصية في المعمار وعلاقته بالدين وفكرة الاعتقاد وبالجنس البشري والسلوك والنبات وبالحيوان.وتبقى لحظة فزعه أمام نظرة القرد الصغير المصاب بالجذام والذي بدا عجوزا، من أهم اللحظات المؤثرة في الرواية التي تكشف عمقها الإنساني عندما يحاول يوسف توقع إحساسه لو التقت عيناه بعيني طفل مصاب بنفس المرض.تظهر الفتاة الأفريقية "تويا" لتقلب حياة يوسف صاحب الهوية الملتبسة بين العربية والإنجليزية  لتزرع فيه بعدا ثالثا هو الجذور الأولى المنسية، أصله الأفريقي البعيد ليتصالح مع الفضاء الموبوء ويتورط فيه عاطفيا وتتحول أحراش الجذام إلى مروج لمطاردة الأحلام والجمال في لغة رشيقة عميقة دون تكلف، متقلبة بين البراغماتية المطلوبة في السرد والشعرية المنتظرة في مشاهدها التأملية.

View on casablancatoday.com

أخبار ذات صلة

"الأسلحة النووية" لا تزال تهدد العالم في القرن الـ…
"الدّولة وتدبير الحراك" كتاب جديد للدّكتور المغربي محمّد الغلبزوري
"المسغبة" ملحمة سردية لـ ثائر الناشف عن فواجع الحرب…
صدور رواية "سماء قريبة من الأرض" عن الحرب والمقاومة…
صدور رواية "جنة الأكاذيب" وديوان "زئبق وفضة" للكاتب خالد…

اخر الاخبار

"الحرس الثوري الإيراني" يعيد انتشار فصائل موالية غرب العراق
الحكومة المغربية تُعلن أن مساهمة الموظفين في صندوق تدبير…
روسيا تُجدد موقف موسكو من الصحراء المغربية
الأمم المتحدة تؤكد دعمها للعملية السياسية لحل نزاع الصحراء

فن وموسيقى

أشرف عبد الباقي يتحدث عن كواليس "جولة أخيرة" ويؤكد…
وفاة الفنانة خديجة البيضاوية أيقونة فن "العيطة" الشعبي في…
كارول سماحة فَخُورة بأداء شخصية الشحرورة وتستعد لمهرجان الموسيقى…
شيرين عبد الوهاب فخورة بمشوارها الفني خلال الـ 20…

أخبار النجوم

أمير كرارة يحافظ على تواجده للعام العاشر على التوالى
أحمد السقا يلتقي جمهوره في الدورة الـ 41 من…
أنغام تستعد لطرح أغنيتين جديدتين بالتعاون مع إكرم حسني
إصابة شيرين عبدالوهاب بقطع في الرباط الصليبي

رياضة

أشرف حكيمي يوجه رسالة للمغاربة بعد الزلزال المدّمر
الإصابة تٌبعد المغربي أشرف بن شرقي عن اللعب مع…
المغربي حمد الله يقُود إتحاد جدة السعودي للتعادل مع…
كلوب يبرر استبدال محمد صلاح في هزيمة ليفربول

صحة وتغذية

فوائد صحية مذهلة مرتبطة بالقلب والمناعة للأطعمة ذات اللون…
النظام الغذائي الأطلسي يخفف من دهون البطن ويحسن الكوليسترول
بريطانيون يطورُون جهازًا جديدًا للكشف المبكر عن أمراض اللثة
اكتشاف مركب كيميائي يساعد على استعادة الرؤية مجددًا

الأخبار الأكثر قراءة