القاهرة – محمد عبدالله
القاهرة – محمد عبدالله
أكد رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للتصنيف الائتماني "ميريس" الدكتور عمرو حسنين أنّ الدّين العام في مصر يُعدّ من أهمّ التّحدّيات التي تواجه الرّئيس الجديد، خصوصا بعد
أن تجاوزت حدوده الخطوط الحمراء وأصبح يشكّل خطراً على معاملات مصر مع المؤسّسات الدّوليّة، بسبب التّشوّه الذي أصاب الموازنة العامّة للدولة نتيجة تراكمه لعقود طويلة، وبعد تجاوز نسبته حاجز الـ 100% من الناتج المحلي الإجمالي ووصوله لمعدلات 104.4%، بات الدين العام على مستوييه الداخلي والخارجي يؤرّق العالم الخارجي في المعاملات مع مصر خصوصا في ظل العزوف عن الإنتاج من جهة وعدم هيكلة الدعم الذي تذهب شريحة كبيرة منه للأغنياء على حساب الفقراء ومحدودي الدخل.
وقال الدكتور حسنين إن المؤسسات الدوليّة ووكالات التصنيف الائتماني تنظر وتتابع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي كأحد أهم المؤشرات للتعامل مع الدول وتقيمها.
وأوضح أنه لا شك في أن الدين العام لمصر تجاوز الخطوط الحمراء وأصبح شكله العام مرعبا جداً خصوصاً بعد أن تجاوز حاجز 100% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث سجّل إجمالي الدين العام لمصر بشقيه الداخلي الخارجي 104.4% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي البالغ قرابة 1.75 تريليون جنيه في العام المالي الماضي، بعد أن لامس إجمالي الدين العام المحلي مستويات 1.5 تريليون جنيه في نهاية العام المالي 2013، وقفز الدين الخارجي إلى قرابة 43.2 مليار دولار خلال الفترة ذاتها طبقاً بيانات البنك المركزي المصري، وارتفع هذا الرقم إلى 46 مليار دولار وفق تصريحات محافظ البنك المركزي أخيراً هشام رامز.
ويرى أن الثلاثة أعوام الماضية شهدت نمواً كبيراً في معدلات الاقتراض مما أدى إلى ارتفاع هذه النسبة من 89.1 % خلال عام 2011 في أعقاب ثورة 25 يناير، ووصلت إلى أسوأ معدلاتها في 30 حزيران/يونيو الماضى بعد مستويات 2007 والتي لامست نسبة الدين العام قرابة 104.9 % من الناتج المحلي ووبدأت في التحسن نسبيا بعد ذلك.
ويضيف "لا توجد نسبة محددة عالميا لمقياس درجة الخطورة لكن تشير بيانات مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني إلى أن متوسط حجم الدين العام إلى الناتج المحلي في تصنيف الدول الصناعية المتقدمة يصل إلى قرابة 75.3% وتصل تلك النسبة إلى قرابة 29.8 % في الدول النامية ذات التصنيف الائتمانى AAA أما الدول النامية ذات التصنيف الائتماني BBB فتصل تلك النسبة إلى 38.3% ، وبالنسبة لتصنيف الدول القريبة من التعثر والتي تشمل قائمتها مصر فيصل متوسط إجمالي نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 53.4 %، وتتصدر مصر المرتبة الثالثة في هذه القائمة بعد لبنان بنسبة 133.2% وجاميكا بنسبة 131.2% أما مصر بنسبة 87.1% بالنسبة لحجم الدين الداخلي إلى الناتج المحلي الإجمالي، بالنسبة لقيمة الديون نجد أن مصر الأعلى على الإطلاق في قائمة الدول ذات التصنيف الائتمانى المماثل لمصر وهو كوبا والإيكوادور وباكستان وفنزويلا، حيث يتصدر إجمالي الدين المحلي لمصر في تلك القائمة برصيد 237 مليار دولار تليها بعد ذلك باكستان بقرابة 145 مليار دولار.
ويشير إلى أنه من خلال هذا الرصد نجد أن مصر تجاوزت نسب الأمان في حجم الدين وبالتالى لابد من هيكلة هذا الدين وإدارته بحرفية عالية حتى نستطيع تجميل شكل الموازنة العامة لمصر أمام العالم الخارجي.
ويوضح أن مبدأ الاقتراض ليس مقلقاً بوجه عام طالما أننا نقترض بهدف التنمة، لكن مشكلتنا أننا نقترض من أجل الإنفاق على السلع الأساسية وتوجية الأموال للأكل والشرب والطاقة، ويكفى أن نشير إلى أن أكبر مستهلك للكهرباء في مصر هو القطاع المنزلى والذي يستهلك تقريباً 70% من الكهرباء المولدة في مصر وهذا نقطة خطيرة لابد من معالجتها على الفور، لكننا إذا أقترضنا بهدن الاستثمار أو ضخ تلك القروض في ممر التنمية مثلاً أو في مشروع تنمية إقليم قناة السويس فليس هناك ثمة مشكلة، لأن هذه المشروعات ستدر عوائد مستقبلا، لكننا اقترضا لمواجهة مشكلات توقف الإنتاج، مما زاد من الموقف الاقتصادي تعقيداً.
ويوضح أن أول خطوة في العلاج هي ضرورة إعادة هيكلة الدعم بمعنى توجيهه لمستحقيه وليس إلغاءة، بهدف ضبط ميزانية مصر وهذا لن يتحقق إلا من خلال ضبط الدعم وإعادة توزيعه ولابد أن ينظر للدعم من منظور اجتماعى بحت ومن منطلق العدالة الاجتماعية وليس شيئاً آخر.
ولابد أن تكون هذه النقطة هي البداية حتى يستطيع العالم الخارجي التعامل مع مصر، لأنه يحجم عن التعامل مع مصر بسبب شكل الموازنة العامة لمصر والعجز الكبير بها أو بمعنى آخر بسبب تشوهات هذه الموازنة.
والخطوة الثانية لابد أن نعمل على زيادة الناتج القومي لمصر، لأننا لن نستطيع تخفيض المديونية لكننا إذا زوّدنا الناتج القومي عن طريق العودة إلى العمل ومواقع الإنتاج ستنخفض معه نسبة المديونية إلى الناتج المحلي، وبالتالي فإن شغل الناس داخل البلد هو الطريق الوحيد للخروج من تلك الأزمة.
وليس من المنطقي أن يستفيد الغني والفقير من الدعم بالتساوي وليس من المنطقي أن يتحرك السفير الأميركي بسيارته الفارهة مستفيداً بالدعم الذي يوجّه للفقراء ومحدودي الدخل، ومن هنا فإن عملية ضبط الدعم ستقود حتما إلى ضبط الموازنة تلقائيا ونستطيع التحدث مع العالم بموقف تفاوضي أقوى.