الرباط - الدار البيضاء
أمام الاستغلال المفرط الذي تعرضت له المياه الجوفية، يتجه المغرب إلى مراجعة السياسة الوطنية للماء لتقليص هذا الاستغلال بنسبة 50 في المائة في أفق سنة 2030.ويأتي هذا التوجه في ظل هشاشة بعض المنظومات المائية إزاء الجفاف والتعرية والتوحل، والتدبير المستدام للمياه الجوفية التي تعرف استنزافاً مستمراً طال مخزونها الإستراتيجي غير المتجدد، نتيجة ندرة المياه وعدم كفاية المراقبة وضعف المشاركة في تدبير هذا المجال.كما يرجع هذا الوضع إلى عدم الأخذ بعين الاعتبار تغير المناخ في المخططات والبرامج المائية، فبالإضافة إلى المحدودية يتهدد الموارد المائية الوطنية تأثير احترار المناخ الذي أصبح واقعا لا مجال للشك فيه.
وحسب معطيات رسمية لوزارة التجهيز والماء، جرى عرضها أمس أمام مجلس المستشارين، ضمن الجلسة الشفوية الأسبوعية، فإن مختلف النماذج الرياضية المناخية أجمعت على أن هذا الاحترار سيؤدي إلى انخفاض متوسط هطول الأمطار بمعظم التراب الوطني، كما سيؤدي إلى زيادة عدم اليقين والتباين الزماني للتساقطات.وأمام هذه النواقص والتأثير المرتقب لاحترار المناخ، تجري الحكومة حالياً مراجعة وتطوير السياسة المائية الوطنية، من خلال إعداد مشروع المخطط الوطني للماء وفق مقتضيات القانون الجديد 15-36 المتعلق بالماء، عبر الأخذ بعين الاعتبار تأثير تغير المناخ، ومبادئ التنمية المستدامة والعدالة المجالية والتضامن المجالي بين الأحواض المائية، والتجربة المكتسبة في تدبير المياه خاصة في فترات الجفاف لضمان التزويد بالماء الصالح للشرب.ويحدد مشروع المخطط الوطني للماء، الذي سيشكل الإطار المرجعي للسياسة المائية الوطنية خلال السنوات الثلاثين القادمة، الأولويات والبرامج المحددة في الزمان والمكان لمواجهة التحديات المستقبلية في مجال الماء، تطبيقاً لمقتضيات التدبير المندمج لموارد المياه، مع الأخذ بمعطيات التغيرات المناخية
ويتمحور المخطط الجديد حول ثلاث أولويات، أولها مواصلة وتعزيز العرض المائي عبر تعبئة الموارد المائية الاعتيادية بالمناطق الداخلية للمملكة، والربط بين المنظومات والأحواض المائية، وتطوير تحلية مياه البحر في المناطق الساحلية، وتنويع مصادر تزويد المدن الكبرى بالمياه لتقليص الهشاشة إزاء فترات الجفاف الطويلة، وإعادة استعمال المياه العادمة.
أما الأولوية الثانية فتتمثل في تدبير محكم للطلب على الماء في جميع المجالات والقطاعات الإنتاجية عبر تحسين مردودية شبكات إنتاج وتوزيع الماء الصالح للشرب بهدف الوصول إلى 80 في المائة في أفق 2030 كمعدل وطني، و85 في المائة في أفق 2040، ومواصلة الجهود في التحول إلى السقي الموضعي للوصول إلى 70 في المائة من المساحة المسقية الإجمالية في أفق 2050.
وتشير الأولوية الثالثة إلى المحافظة على البنية التحتية المائية من التوحل والتدهور، ومحاربة التلوث وحماية الموارد المائية، خاصة الجوفية، عبر إرساء التدبير التشاركي والتعاقدي للفرشات المائية، لتقليص استغلال المياه الجوفية بنسبة 50 في المائة في أفق 2030، وتحقيق التوازن في أفق 2050، إضافة إلى تدبير الظواهر المناخية القصوى والأخطار المرتبطة بالماء.ومن المرتقب أن يأخذ مشروع المخطط الوطني للماء الجديد آراء مختلف الفاعلين في مجال الماء، مع واستحضار توصيات تقرير النموذج التنموي الجديد الذي أعدته اللجنة الملكية طيلة سنة ونصف، وتطرق لمختلف الإشكاليات والتحديات التي يواجهها المغرب.
قد يهمك ايضا: