الرياض - الدار البيضاء اليوم
ليست «العلا» السعودية مجرد صخرة «الفيل»، وتجاويف المسارات عبر الجبال، هي أبعد في مكونها الجيولوجي، ومصنع يُنتج الحضارات التي عاشت على أرضها منذ عشرات آلاف السنين، لتمنحها الطبيعة مع الاستيطان البشري نقوشاً وتشكيلات صخرية تتجاوز المئات في أعدادها.
العلا (شمال غربي السعودية)، تجعل الزائر أمام دهشة الحضور في مكمن مختلف بين الجبال التي تحمل تجاويفها بصفاتها العجائبية قواعد الجمال لتكون نقطة جذب سياحية على امتداد المناطق التراثية فيها.
بقعة جغرافية تحوي تاريخاً استثنائياً، حيث مشاهد التناثر الصخري من علوه، وفي داخله أخاديد الرمال مع موجات الجبال التي تزيدها السنوات جمالاً مع حضارات تتعاقب تتجاوز العشرين ألف عام، لتصيغ قصة نوعية ذات استثناء في المكان. ومع أيام مضت، حيث أطلق ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الرؤية التصميمية للعلا تحت اسم «رحلة عبر الزمن»، برزت النقوش والتشكيلات الصخرية في صلب ذلك المخطط الذي يصنع مستقبلاً جديداً للمدينة الحضارية.
- «جبل عكمة»
أوضحت الدكتورة تهاني المحمود، المتخصصة في الآثار والفنون الصخرية بالهيئة الملكية لمحافظة العلا، أن الفنون الصخرية التي أنشأها الإنسان في خط زمني يصل إلى 10 آلاف سنة، وتتحدث عن العلا التي تنتشر في عموم أرجائها النقوش الصخرية، حيث اختارت الرؤية التصميمية للعلا أن يكون «جبل عكمة» نقطة التجمع لها التي يعد المكتبة «اللحيانية» لأنه يحتوي على النقوش المقروءة.
وتشير الدكتورة تهاني في حديث مع «الشرق الأوسط»، في وصف بين النقوش والتشكيلات، إلى أن النقوش هي المقروءة من أحرف التي حملتها الحضارات القديمة؛ بينما الفنون الصخرية هي الرسوم مثل أشكال الحيوانات ومشاهد الصيد ومشاهد الفروسية التي تروي قصصاً بعمق أكبر من الكتابة وتحمل تأريخاً لزمن وأسماء وما يلقي الضوء على أحداث معينة.
وأشارت إلى أن الكتابة هي خط فاصل بين مرحلتين في علم الآثار، مرحلة التاريخ وما قبل التاريخ، حيث تضمن ما قبل التاريخ فترات سبقت ظهور الكتابة، أما ما بعد التاريخ هي مرحلة الكتابة التي تتجسد منذ 3 آلاف سنة في الجزيرة العربية، لافتة إلى أن الفنون الصخرية تمتد إلى 10 آلاف سنة.
وعن تضمين جبل عكمة ليكون مركزاً رئيسياً ضمن المراكز الخمسة في مخطط العلا «رحلة عبر الزمن»، قالت إن التشكيل الطبيعي لجبل عكمة يعطيه المتصف بالغموض تم اختياره بطريقة انتقائية لما يحمله من مرتكز لحضارات «دادان» و«لحيان»، واحتوائها على مشاهد مختلفة في طريق الحضارات.
وعن ضمان حماية التشكيلات الصخرية من المهددات البيئية لتكون إرثاً عالمياً إلى الأبد، تشير إلى أن التحدي كبير، لأن التعامل هو مع صخور رسوبية رملية، حيث يعد النحت عليها سهلاً، لكنه سريع التأثر بعوامل الطبيعة المختلفة، لكن الدكتورة تهاني تشير بآمال إلى أن العصر الحديث يحوي وسائل تستنطق العصور بتقنيات مختلفة تجعله أكثر بروزاً. وتضيف الدكتورة المحمود أن العوامل الزمنية الطبيعية في التشكيلات الصخرية ستزيده جمالاً، وهي غالباً تحصل في ظروف زمنية طويلة المدى التي تتجاوز مئات السنين في مداها القصير.
- برنامج «حماية»
الدكتورة تهاني، إحدى الشخصيات الأساسية في برامج الهيئة الملكية لمحافظة العلا فيما يتعلق بصون التراث، تتحدث في سياق التزام الهيئة بحماية النقوش والآثار، أن برامج الهيئة متعددة، منها برنامج «حماية» الذي يهدف لمشاركة مجتمعية لأهالي العُلا بشكل مباشر وفعال في الحقل ذاته بما يتماشى مع هدف تحويل العلا إلى واحدة من أبرز الوجهات السياحية والتراثية.
وتوضح: «قدمت للمشتركين ورش عمل لرفع الوعي داخل مجتمع العلا، ليكونوا الأساس في الحماية والعناية بالفنون الصخرية، وحاولنا إلقاء الضوء على مدى أهمية الحفاظ عليها، ونقلنا الصورة لأهمية الأمر في تحقيق الاتجاهات الحقيقية، وبلورة صورة جاذبة للسياحة نحو السعودية»، مضيفة أن إحدى أدوات تحقيق «رؤية 2030» بالحفاظ على هذا الإرث التاريخي مع مواصلة الدراسة العلمية له.
الزائر لـ«العلا» يلمس التشكيلات الصخرية، ويضع لها مسمياتها، وتتحدث الدكتورة تهاني أن هناك العديد من الأنشطة التي توفر للزائر تجربة سياحية منها مسار الفنون الصخرية عبر موقع عشار في منطقة الواحة النبطية (المركز الرابع في مخطط رحلة عبر الزمن)، وتشير إلى أن هناك صفحات من النقوش التي تُبرز من وقت لآخر، تحمل قصصاً تتجاوز 7 آلاف سنة.
وأشارت إلى مبادرات الهيئة لاكتشاف وتسمية التشكيلات الصخرية المميزة في المحافظة، عبر ما تمت تسميته بمبادرة «عين حجر» الهادفة لاستكشاف جمال المنطقة التاريخية والتراثية والطبيعية والمساهمة في تسمية تشكيلاتها الصخرية المميزة لتصبح معالم ووجهات سياحية بارزة تجذب الزوار من أنحاء العالم، وهي مبادرة تساهم في إشراك أهالي العلا وزوارها في تشكيل فصل جديد بتعيين التشكيلات الفريدة وتحديد موقعها وتسميتها.
ومع اكتشافات الآثار، ونقوش العلا تدون تاريخاً في مختلف أمكنتها التي تمنحها حضوراً على خريطة الجذب السياحي العالمي، ومع أهالي المدينة الضاربة في أعماق التاريخ، تستمر حياة مختلفة تجعل الصور شاملة في حضورها لتكون بارزة وذات صيت كبير يتجاوز الجغرافيا.
قد يهمك ايضاً :