القاهرة - مصطفى ياسين
أكد السفير مُجْتَبَى أماني، رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في العاصمة المصرية القاهرة، أن الإيرانيين هم أول من دعوا للتقريب بين المذاهب وخصوصاً السُنّة والشيعة، وحرّم علماء الشيعة الإساءة لرموز أهل السُنِّة والجماعة، والسعي لتحقيق الوِحدة الإسلامية والتمسُّك في قضية المسلمين الأولى وهي فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، مُشيراً إلى أن الشعوب هي مصدر السُلُطات والشرعيّة للحُكّام ومانحة القوّة للتغلُّبِ على المِحَنِ والأزماتِ.
وأعلن, في تصريحات خاصة لـ"المغرب اليوم"، خلال حفل الوداع الذي أقامه المكتب بمناسبة انتهاء فترة عمل السفير أماني في القاهرة، عن وجود آفاق واعدة وبدء صفحة جديدة من التعاون المصري الإيراني في كل المجالات.
وأوضح أماني أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إطار تنفيذ سياساتها الخارجية الثابتة، المُهْتَمّة بالشعوب والمُؤمِنة بدورهم في تقرير المصير والمُشَجِّعَة لتوطيد العلاقات الطيّبة والمُتعاوِنة مع مصر كدولة، مُسْتَعِدّة لفتح آفاق واعدة وبدء صفحة جديدة في كل المجالات، كما أنها استقبلت في فترة مُهِمَّته الدبلوماسية، المليئة بالأحداث المُهِمَّة، مئات المصريين ضمن الوفود الشعبيّة كخطوة من أجل تعارف الشعبين وتقارُب البلدين، واتخذت إجراءاتٍ عديدة كإلغاء تأشيرات دخول المصريين وتجربة دخول السُيّاح الإيرانيين إلى مصر، فإن التجارب القيّمة للجمهوريّة الإسلاميّة الايرانيّة, قد أثبتت أن الشعوب الواعية والفاعلة, قادرة على تجاوز المِحَن والأزمة بفضل الإدارة والبصيرة والحكمة والدراية, وهذه التجربة الغنيّة لإيران ومكتسباتها الوطنيّة وإنجازاتها الوطنيّة مُتاحة للتبادل الصادق، اقتصادياً وثقافياً وإنسانياً ، والمسؤولية الكبيرة على عاتقنا توجب علينا التعاون الوثيق على المستويات الثُنائيّة والإقليمية والدوليّة لتوفير مصالح شعوبنا واستقرار أُمّتنا وازدهار عالمنا.
دعاوى الفتنة
وحذّر أماني من دعاوى الفتنة والصراع المذهبي قائلاً: إنني لا أستطيع أن أُخفى أسفى بما أسمعه بين الحين والآخر من مواقف وخلافات مذهبية وطائفية وغيرها والتي من شأنها إثارة الاحتقان والبغضاء والكراهية بين المسلمين، الشيعة والسنة، وبين الأديان السماوية الإسلامية والمسيحية، بالرغم من أننا بعد ظهور تيّارات تكفيريّة واتجاهات خشبية وأفكار تدميريّة، كُنّا نتوقّع من الأزهر الشريف مُراعَاة وتشجيع التسامح وقيام خطوات التقارب ومواجهة التحارب عملاً بالرسالة التاريخية لمشيخة الأزهر.
وأكد في هذا المجال أن إيران وقياداتها تعتبر نفسها مِن أقدم مَنْ قام بعرض مشروع التقريب بين المذاهب ومبادرة الوحدة الإسلامية والابتعاد عن الفتنة الطائفية، كما تدُل عليه الفتاوى الصادرة من سماحة الإمام علي الخامنئي، وسائر علماء الشيعة الإثْنى عشْريّة حول تحريم الإساءة أو الإهانة لأىٍ من رموز إخوتنا أهل السنة والجماعة.
وأضاف: إننا جميعاً نعرف ونحترم بإعزاز مكانة وسيادة مصر الحبيبة وشعبها العزيز في صُنع التاريخ والحضارة والثقافة, ودورها في الحصول على الحياة الطيّبة والإنجازات البشريّة، ولاشك أن هذا الشعب الواعي والصامد والقادر قد قام في فترات مصِيريّة من تاريخه بدوره البَنَّاء في توفير الأمن والأمان والاستقرار، وإنني على يقين واطمئنان من أن المصريين الكرام بكل الألوان والأفكار، بعد ثورتهم المجيدة ونهضتهم الواعية والتخلّص من الأيام العَصيبة، بإمكانهم مواجهة تحدّيّات المرحلة والغَلبة على الفترة الصَّعبة بالوحِدة الشعبيّة والرُؤى الصالحة وإرادتهم الحُرّة وإرادتهم الحكيمة, وإننا نعتقد أن هذا الشعب العظيم هو سَيّد قَرَارَه وصاحب أمْرِه، وهو بوجود بركات إلهية ونعمات واسعة وطاقات وطنيّة وقُوَىً بشريّة فائقة ودعم الأصدقاء المُخلِصة الحقيقيين، يستطيع أن يُقرِّر مصيره بنفسه ويضمن مستقبله بيده, ونحن من جانبنا في إيران الإسلامية نُسانِد هذا المَسار التَقَدُّمي لمصر الحبيبة بكل طاقاتنا وإمكانياتنا, وسنضع كل الخبرات والإنجازات الإيرانية تحت تصرّف إخوتنا المصريين.
أشار أماني إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتجربتها الانتخابية- والتي يصل مُعدّل الانتخابات الحرّة فيها كل عام، تجاوزت مشاركة الناخبين فيها 88 في المائة أحياناً، تستمد شرعِيّتها وقوّتها من آراء شعبها.
وإيران اليوم لها نصيب كبير في التقدّم في المجالات الاقتصادية والصناعية والزراعية والعسكرية والتكنولوجيا الحديثة، وتتقاسم هذه القوّة والمَنَاعة مع العالم الإسلامي بأجمعه ومع أصدقائها.
ولاشك في هذا المجال أن العلاقات الوُدِّيّة الأخَوَيّة بين الشعبين – الإيراني والمصري- ببركة الله وبفضل المُشترَكات الأصيلة والعريقة، التاريخية والثقافية والدينية، ستجعل قوّتها غير قابلة للمنافسة, وصالحة للدفاع عن حقوق الشعوب وتحقيق أحلامها.
وأعرب أماني عن سعادته بمخالطة المصريين قائلاً: إننا نحمد الله سبحانه وتعالى بما أكرمنا به من شرف المحادثة والمجالسة وأعطانا من فضله نعمة الصداقة والمحبّة، ووفّر لنا أواصر التعاون ومحاور الشراكة وبناء الأُطُر الجديدة المشتركة لتحقيق المصالح العامة، وخير دليل على ذلك، توفيق الزيارة الأخيرة للدكتور حسين أمير عبد اللهيان، مساعد وزير الشوؤن الخارجية الإيراني، إلى القاهرة للمشاركة في تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومضمون الرسالة الوُدّية التي حملها بهذه المناسبة، وأبدينا خلالها الرؤية الإيرانية الواضحة لدى مقابلته المسؤولين المصريين.
أكد أماني أن مفتاح النجاح والرُقِىّ يقع في يدِ الشعب المصري بشبابه وقياداته من رجاله ونسائه كي يُلْهِم العالم ويفضح نداءات بعض المُدَّعين بخصوص حماية الأنظمة الديمُقراطيّة ودعم الحُرّيّة والحقوق والتعدّدية، لأنهم لا يرضون بخير للشعوب الأخرى، والبعض الآخر لا يُؤمن بالديمقراطية إطلاقاً، كما أثبت الاستكبار العالمي عداوته في التعامل مع أحداث بلاد منطقتنا ودوره السيئ في نسيان ومحو قضيّتنا الأساسية والوجودية وهى فلسطين، والقدس الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، ومصير المُعتقَلين والمُشَرَّدين والمُضرِبين عن الطعام بسبب مظالم الصهاينة عن قاموس الساسة والحقوق المشروعة في المواثيق الدولية، ولهذه الأسباب فعلى شعوبنا المؤمنة وحُكّامنا القيام بواجب المسؤولية التاريخية بإرادتهم القوية والثقة التامّة من أجل توفير الاكتفاء الذاتي واكتساب المكانة المناسبة بين الشعوب الرائدة والأمم المُتَقَدِّمة، وهذه العزّة والرِفْعة لن تتحقق إلا بالجهد الخالص والعمل الصالح والتآلف الوطني والتضامن الشعبي ومعرفة وتمييز العدو من الصديق.
وختم أماني قائلاً: إنني عشتُ في مصر أكثر من 4 سنوات في أيام عُسْرٍ ويُسْرٍ، وشاركت في أفراح المصريين وأحزانهم، وأدركتُ الثورة المصرية العظيمة من 25 يناير وحتى 11 فبراير 2011 وهذا فخر وشرف، كما جلستُ جنب طاولتهم وأكلتُ من مائدتهم وتناولتُ من أحسن الأطعمة والأشربة المصرية، وشربتُ من مياه النيل وأحمل معي إلى بلدي ذكريات حُلوة ولا توجد عندي ذكريات مُرَة لأنه لا شكوى لمن دخل حُبُّ مصر وأهلِها في قلبه، وأتمنى النُصرة والنجاح لكلا الشعبين الباسلين الإيراني والمصري في هذه الفترة المصيرية، وأسأل الله العلى القدير اكتمال فوزِ ثورتهما المُظَفَّرة الخالدة.