الرباط - الدار البيضاء اليوم
كثيراً ما يقترن التسامح والتعايش بالعديد من المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية في المجتمع الصحراوي، ذلك لأن التسامح عموما يمثل حجر الأساس في بناء المجتمعات الآمنة والمطمئنة.المجتمع الصحراوي كغيره من المجتمعات المغربية، استطاع منذ القدم التعايش مع كافة الديانات وممارسة الشعائر الدينية بحرية بعيداً عن التعصب، متخذا من التسامح الديني والاحترام الذي يطال حرية التعبير وتقبل الاختلاف في الرأي والتحلي بالآداب العامة، سبيلا للحوار مع الآخرين.
ومما لا شك فيه أن مجتمع الصحراء يتبنى قيما راسخة مبنية على التسامح وتعزيز التعايش والتواصل بين الأفراد لبناء مستقبله على علاقات إنسانية ناجحة ليحقق الهدف الأسمى للإنسان، وهو عمارة الأرض وسعادة الناس وهناء معيشتهم.وبهذه البقعة من أرض الله المحصورة جغرافيا بين الوديان الثلاثة، واد نون والساقية الحمراء ووادي الذهب، حافظ الصحراويون على وسطية دينهم وتراثهم وعاداتهم، واستنبطوا الدروس والعبر من تاريخهم، وتشبثوا بإسلامهم المعتدل نقيا ناصعا دون شوائب.
ورغم سيادة قيم البداوة والترحال منذ القدم وامتدادها لفترات زمنية، وما عرفه الصحراويون من صراعات بينية قد تتجاوز الخلافات الفردية البسيطة، كان الإسلام الوسطي المتسامح نهجهم وسبيلهم لفك الخلافات وفض الاشتباكات.المجتمع الصحراوي كغيره من المجتمعات البدوية، شهد تطورات متلاحقة على مستوى الانتقال من البنية التقليدية إلى العصرية تزامنا مع تسارع حركة التمدن؛ فقد كان الاعتماد على تمثيليات الشيوخ والأعيان حجر الزاوية لحل الخلافات بين الأفراد والمجموعات القبلية وعقد الاتفاقيات حول مناطق النفود والرعي ومصادر المياه ومحاور التجارة.
وكان لتجمع شيوخ "أيت أربعين" وشيوخ "الجماعة الصحراوية" إبان مرحلة الاستعمار الإسباني الدور الأبرز في الحفاظ على تماسك وتعايش المجتمع، ونال الشيوخ والأعيان مكانتهم المحترمة عند كافة الفئات، نظرا إلى دورهم الإصلاحي والتوعوي المساهم بشكل واضح في استمرار لحمة وتعايش الصحراويين.وقد شهدت منطقة الصحراء المغربية منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي تطورات متلاحقة على مجموعة من المستويات، ساهمت في تغيير نمط العيش بالانتقال من الترحال إلى الاستقرار، ومعها تغيرت آليات وتراتبية السلطة داخل المجتمع، مع الدمج بين البنية التقليدية، حفاظا على مفهوم العُرف بين مكونات مجتمع يتشبث بأصالته، والانفتاح على القوانين المنظمة للمجتمع المدني، التي فرضت وجود هيئات تمثيلية على مستوى الجماعات الحضرية والقروية والجهات، تسهر على توفير متطلبات الساكنة وتدبير مرافقها العمومية.
الهيئات المنتخبة على مستوى الجماعات الحضرية والقروية ومجالس الجهات لها التمثيلية الشرعية التي تزكيها صناديق الاقتراع المباشر، وهو ما جعل قراراتها تنال ترحيب وإعجاب أغلب أطياف الساكنة، نظرا إلى ارتباطها بالمصلحة العامة، واتصالها بمختلف مناحي الحياة اليومية لتشمل قطاعات الصحة والتعليم، والتهيئة والأشغال العمومية، ومراقبة المنتجات وحفظ الصحة، وإدماج المرأة في المجتمع والعناية بالفئات الهشة.ولأن المجالس المنتخبة تُعد المجس المباشر والأقرب لحاجيات الساكنة، فقد شددت الخطابات الملكية على دورها البارز في العناية بالمواطنين والإنصات إلى مطالبهم، بما يؤهلها للدفع بعجلة التنمية المحلية، ويضمن الولوج والدمج الأمثل للمرأة في الحياة السياسية من خلال تمثيلها في هذه المجالس، ومشاركتها في تدبير الشأن العام.
الهيئات المنتخبة، عكس التقليدية، غالبا ما تكون محط الأنظار باعتبارها جزءا لا يتجزأ من آليات التشريع والتقرير والتنفيذ، وهو ما يعرض القائمين عليها لنقد بعض الأقلام لدواع غالبا ما تكون أبعد عن المهنية، والانكباب على تصيد الأخطاء والزلات من طرف مكونات أخرى لأسباب سياسية بحثة أو مصلحية (نفعية( ضيقة.فالنقد والتوجيه بالصحراء يعد ظاهرة صحية من خلاله يتطور عمل المؤسسات وتسعى إلى تقديم خدمات بجودة عالية، شريطة أن يكون نقدا بناء لا يتجاوز حد الاحترام والتقدير للشخصيات الاعتبارية المختارة من خلال الاقتراع الحر والمباشر، ويحافظ قبل هذا وذاك على قيم المجتمع الصحراوي المتمثلة في الاحترام والتسامح والتعايش، المؤطرة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
للمنطقة خصوصيتها في الأدبيات السياسية راكمتها عبر عقود من التدبير والتسيير، ولها في السياسة صراع محتدم هناك منْ أتقنَ السير على حباله يصلُ، ووضع تنموي هش راكمته عقود من الخيبات وما زال في مهده يستنشق أنفاسه الأولى عبر رئتي مشروع النموذج التنموي الجديد عوامل عديدة تجعل القائمين عليه أمام تحديات تفرض السير على الأشواك، وفتح ملفات شائكة وأخرى حارقة سنحاول الخوض فيها مستقبلا عبر حلقات متنوعة بجريدة هسبريس الإلكترونية.
قد يهمك أيضــــــــــًا :
تنصيب الكاتب العام لعمالة طنجة بحضور مسؤولين قضائيين
"العدل والإحسان" تشكك في نسبة المشاركة في الانتخابات الجماعية والجهوية