الرباط - الدار البيضاء
ديوان زجل جديد يغني خزانة الأدب المغربي، وقعه الفنان والباحث والزجال عبد الواحد الشرايبي بعنوان “عقلي طارْ”، وقدمه الأكاديمي والناقد الأدبي نجيب العوفي.ويضم هذا الديوانُ، المكتوبَةُ جل قصائدِه بالدارجة المغربية، أزيد من سبعين قصيدة زجل بالخط المغربي، ترافقها رسوم بريشة عبد الواحد الشرايبي.وفي زجل الشرايبي حضور بارز للسلالة الشرايبية، وكتابات عن الجنة التي “بالوصال”، والأم، ونظم لحزن فراق صديقه التشكيلي عبد الباسط بندحمان، وشخصيات أخرى، وتغنٍّ بتاريخ البلاد والأجداد، وأناس فاس ومراكش. وفي “عقلي طار” أيضا أبيات عن الزمان وتقلباته، وحِكم العيش، وطبعا حديث عن الحَجر الصحي وقيوده المرتبطة بالجائحة.
ويتذكر الشرايبي، في مقدمة نظمه، مصاحبة “أصحاب الكلام المرصع” في طفولته زمن الستينيات، لما كانت سيدة من عائلته حريصة على الاستماع إلى قصائد الملحون في الإذاعة عشية كل يوم، ثم لما كان يصادف حلقات شيخ الملحون، الراحل حديثا، الحاج أحمد سهوم.
ومن بين ما يقرؤه القارئ في هذا الديوان الجديد: “عَقلي طارْ وُ لَرياحْ هَزّاتْ جْناحو.. الكَسْدَة فتطوان والقلب فْتَمْراحو.. بينْ زْقاق فاس وُ مراكش وصلَّاحو.. يَنْسَج خْيالْ صُورتو وُ يَنظَمْ مْداحُو/ هْنا ذاتي تَتغَنّى بْلا روحْ لْقات لَهْنا.. تَمْشي فوقْ الأرض لا شْغُل لا مَحْنة.. فينْمّا راحْ الليل تروحْ ياكْ بْلادْنا جَنّة.. وُ القلب المَغرومْ تَايَهْ جْريحْ فَالمَعْنى/ آشْ مَنْ عَطْرَة بْقاتْ فَالوَرْد لا مَن يَسْقيهْ.. آشْ مَن نَظْرَة وُلّاتْ فَالبْدَرْ لا مَنْ يَحْلَمْ بِهْ.. وَانَا الرَّاوي فْجامَعْ الرْبَح لا مَنْ يَسْمَعْ لِهْ.. بُوهالي هَكْذا حالِي فْتَجْوالي الله يْشَافِيهْ”.
كما يقرأ القارئ: “بوهالي جوّال نَبْحَت فالأصالة.. ديالْ احبابي وُاهلي زينْ وفعالة.. نجول بحور وصْحاري وبْحمْدالة.. نرفَعْ راية اجدودي نكتب امْقالَة/ مَنْ صغري جوّال لا حَرْ لا قَرْ نهيبو.. أصْل وُنَسب عِلم وأدب لفْقَر ما نْعيبو.. ناقَصني لَهنا تحت الثّرى يَمْكَن نصيبو.. تَمّا قلبي يَتْسَلّى بْشْدى زين حْبيبو/ مَن لا جال خْلا وُ اقفار ما يعرف اقْدار.. صْنايَع مولانا وخيرو كْثير شوف الأسرارْ.. البسمة ديما تتبع غَمّة وُ بَعْد الظلمة أنوارْ.. وَانا نحمد بْديع الأكوان جْعَل فْصحاري أزهارْ”.
ويقرأ كذلك: “نقول حكمة ونزيد سمعوا يا وُلْداني.. “دير الخير تَلْقَاهْ” ماشي غيرْ فرمضان/ لله الحمد عْليها عيشة خْتَمْتْها ديما فرحان.. خُبْزْ وُعديسة بْ لَهْنا ولا تَلْفَة بَمْوال وُ فَدان.. هادي تربية الوالدين هُمَ اليومْ فجنة رضوان.. مْعَ الصالحين بْجَنْب سيدْ الرسول العدنان”.
وفي تقديم بعنوان “في عشق اللسان المغربي” كتب الناقد نجيب العوفي أن الزجل كان “حاضرا باستمرار” في أعمال “الزاجل” الشرايبي “على لسانه وناضِحا من وجدانه، بنبرة مراكشية وفاسية في آن، وببلاغة مغربية راقية”، مضيفا “عِلْما بأنه ينظم خواطره وخوالجه في الفصيح أيضا. ولكنّ لسانه إلى الزجل أمْيل.”
وعاد العوفي إلى أول تعرف له على الشرايبي لمّا “كان مُنهمكا بكلّيته في الحفر الأركيولوجي في ذاكرة وشجرة أنساب آل الشرايبي قديما وحديثا”، قبل أن يخرج في هذا المجال “أعمالا ومنشورات أنيقة وراقية بحسّ المبدع وبصيرة المؤرخ – النسّابة ومهارة الإعلامي وصَنعته.”
وتابع العوفي “كان الزجل المغربي الجَزْل حاضرا باستمرار في أعمال الشرايبي (…) كانت زجليات الشرايبي تنمّ عن عشقه المكين لهذا الفن الإبداعي والتاريخي العريق. ولقد نُظر إلى الزجل في الأغلب الأعمّ، كذيل للفصيح وهامش له. إلى أن نَفَضَت عنه الغبار وأعادت إليه الاعتبار الأجيال الجديدة من المبدعين الزجالين.”
وبعد تعبيره عن تفضيله صفة (الزاجل) بدل صفة (الزجّال)، كتب العوفي “كانت مبادرة أحمد لمسيح في هذا الصدد جريئة وحاسمة حين تحوّل من كتابة النص الفصيح في عنفوان السبعينيات (الرياح التي ستأتي) إلى الإبحار في النص العامي – الزجلي عبر أعماله الكثيرة اللاّحقة”. وزاد موضحا “هذا الكلام ينأى تماما عن أية نزعة تفاضلية – شِقاقية بين الفصيح والعامي، ويصدر عن رؤية تكاملية – وِفاقية بين القُطبين.”
واستحضر المقدم “رأي ابن خلدون الجريء أيضا في الزجل العامي، حين تحدث في مقدمته عن بلاغة العامية مُشِيدا بها ومُنافحا عنها. لأن البلاغة لا تنحصر في الإعراب وإنما هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال. والرافضون للشعر العامي حسب رأيه لا يتذوّقون جماله وإنما يقيسونه على الشعر الفصيح.”
ويقدر العوفي أن الميزة الأساسية لزجل الشرايبي هي: “توْليفه الجمالي بين العامية والفصحى في زجل مغربي أصيل وجميل، يُعيد للّسان المغربي الدارج جزالته وبلاغته وأناقته، على غرار مُبدعي ومُجدّدي الزجل المغربي الأصَلاء الوازنين”. ويواصل قائلا: “ينْضاف الخط المغربي الجميل كمُتعة بصرية، ليعزّز هذا الزجل المغربي الأصيل كمُتعة صوتية وبلاغية. هذا في الوقت الذي يُلاحظ فيه انْحدار وهُجْنة وسُوقية الدارجة المغربية الراهنة والزجل الغنائي – الشبابي الجديد.”
كما يذكر العوفي بأن “السياق التاريخي الذي يأتي فيه زجل الشرايبي، هو سياق سوسيوثقافي ملغوم وملتبس قامت فيه الدعوة إلى تكريس العامية، جهارا نهارا”. ثم يسترسل قائلا: “ولعلّ الشرايبي بنمط زجله الراقي يُومىء إلى المخرج أو المدخل الوسَط. وهو ما اصْطُلح عليه باللغة الثالثة، أو «الفُصْعامية» حسب عبارة توفيق الحكيم. ذلك أن الشرايبي جاء إلى الزجل بعد أن اكتنزت ذاكرته وصقلت أداته وارْتوى معجمه.”
وقرينة على كلامه، ختم العوفي تقديمه بزجل للشرايبي هو مثال به “يتضح المقال”: “يا السائل بين حين وحين/ شْحال فْعمري فهادْ واحد وعشرين/ زين الصورة فعيون العاشقين/ ما كسبتها بأموال سوى رضاة الوالدين/ سليل «تجار أهل الله» العابدين/ شرايبي هاكْدا سمّاونا دُوك السابقين/ وأنت يا الناظر صورتي بين/ شُوفة أمحبّة صادقة وقلب حنين/ لازم تعلم باللّي الدار دارين/ الدنيا خدّاعة هي سعْد ذو وجهين/ الناس للمال تذوب مع السنين/ وانا حامد الله قريب من السبعين.”
قد يهمك أيضا :
تتويج عدد من المتفوقين بملتقى للكتابة الإبداعية السردية في تطوان