تونس ـ أزهار الجربوعي
أكد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، الخميس، أن بلاده أصبحت مهددة بالإرهاب، داعيًا شيوخ السلفية إلى إدانة العنف، وذلك في خطاب ألقاه لمناسبة افتتاحه للجولة الثانية من الحوار الوطني، فيما أعلن وفد حركة "النهضة" الإسلامية الحاكمة، قبوله اعتذار الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي،
وعاد لاستكمال ما تبقى من جلسة الحوار الوطني، بعد أن غادر رئيس الحركة راشد الغنوشي ورئيس المكتب السياسي عامر العريض، احتجاجًا على اتهامات وجهها الأمين العام لحزب "الوطنيين الديمقراطيين" زياد الأخضر، لـ"النهضة" بالتورط في اغتيال المعارض شكري بلعيد.
وقال المرزوقي في كلمة ألقاها لمناسبة انطلاق الجولة الثانية من الحوار الوطني، إن السلفية ظاهرة مجتمعية يجب إدماجها في النسيج الوطني التونسي، مطالبًا زعماء السلفية بإدانة العنف والإرهاب، قائلاً "أنتظر من شيوخ السلفية في بلادنا إدانة واضحة للإرهاب، وتحقيق الأمن والوحدة بين أبناء الشعب التونسي بمختلف مكونات وإيديولوجياته للوقوف صفًا واحدًا أمام تفاقم ظاهرة التشدد الديني التي قادت البلاد نحو العنف".
وأكد الرئيس التونسي، ضرورة تقديم تنازلات للحفاظ على الوحدة الوطنية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، مضيفًا "إن التونسيين ينتظرون 3 ضمانات مهمة من الحكومة، تتلخص في التقليص من ظاهرة الاحتقان السياسي والاجتماعي، الإسراع في إنهاء المرحلة الانتقالية، وتوفير أكبر قدر ممكن من الأمن".
وقال زياد الأخضر، خلال كلمة ألقاها في الجولة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني، "إن أطرافًا سياسية حاضرة في المؤتمر، مسؤولة أخلاقيًا وسياسيًا عن اغتيال بلعيد"، في إشارة إلى حزب حركة "النهضة"، وهو ما دفع وفد الحركة برئيسها راشد الغنوشي إلى الانسحاب قبل أن يعودوا إلى مواصلة المؤتمر، بعد أن قبلوا اعتذار الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، الذي تعهد بألا يتكرر التهجم على "النهضة".
ويُحمل حزب "الوطنيين الديمقراطيين" و"ائتلاف الجبهة الشعبية" اليساري المعارض، حركة "النهضة" المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد، الذي قُتل رميًا بالرصاص أمام منزله في 6 شباط/فبراير 2012، على اعتبار أنه الحزب الحاكم والمشرف على وزارة الداخلية، في حين تذهب أطراف أخرى من اليسار التونسي إلى اتهام "النهضة" بقتل بلعيد باعتباره أحد خصومها السياسيين ومن أشد المناوئين لسياساتها، إلا ان زعيم الحزب الحاكم راشد الغنوشي توعد بمقاضاة كل من يتهمه بدم بلعيد، معتبرًا أن الرصاصات التي وجهت لـصدر الأمين العام لحزب "الوطنيين الديمقراطيين"، إنما وجهت إلى "النهضة"، لهدف الانقلاب على الشرعية الانتخابية، وإسقاط حكمها في البلاد.
وشدد رئيس الحكومة التونسية، علي العريض، خلال مشاركته في فعاليات الجولة الثانية من الحوار الوطني، على "أنه يتوجب على جميع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المشاركة في مقاومة الإرهاب"، داعيًا إلى مكافحة العنف في الأوساط الاجتماعية والسياسية إلى جانب القضاء على أشكال التمييز كافة في الأوساط الثقافية، في حين أكد رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي "البرلمان" مصطفى بن جعفر، ضرورة التصدي بكل حزم للإرهاب، وأن المسار الديمقراطي على المسار الصحيح.
وقال بن جعفر، "قادرون على احترام الرزنامة والانتخابات ستكون قبل نهاية هذا العام"، معلنًا أنه سيتم عرض مشروع إنشاء محكمة دستورية في جلسة عمومية في حزيران/يونيو المقبل في المجلس التأسيسي.
ودعا الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي إلى عقد مؤتمر وطني لمقاومة العنف في أقرب الآجال، وتأجيل كل ما من شأنه أن يُفرق وحدة التونسيين والتركيز على ما يُوحد، من ذلك الإجماع على نبذ العنف والتعهد بمقاومة كل من يأتيه ومن يُحرض ويُشجع عليه.
وركز رئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، عبدالستار بن موسى، مداخلته على ضرورة تجنب الوقوع في فخ معارك وهمية حول الإيمان والكفر، مشددًا على الثورة التونسية قامت من أجل الحرية والكرامة والحق في التنمية وتوزيع الثروة بشكل عادل.
وتأتي الجولة الثانية من الحوار الوطني، بعد اختتام الجولة الأولة منه التي دعا إليها الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في قصر الضيافة في قرطاج، بحضور ممثلين عن أحزاب ائتلاف الترويكا الحاكم (النهضة، التكتل، المؤتمر)، إلى جانب أحزاب المعارضة على غرار حركة "نداء تونس" التي يتزعمها رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي، إلا أن الجولة الثانية من الحوار قد شهدت حضور أحزاب محسوبة على اليسار، من ذلك حزب "الوطنيين الديمقراطيين" الذي رفض المشاركة في حوار قصر قرطاج.
وقد تُوجت الجولة الأولى من الحوار الوطني بتبني نظام سياسي مزدوج يجمع بين الرئاسي والبرلماني ويوازي بين صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
وكشف زعيم حزب حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، عن أن إمام أحد الجوامع أصدر فتوى تُحلل عملية قتل محافظ الشرطة في منطقة جبل الجلود (أحد ضواحي العاصمة التونسية)،بعد أن أخبره القتلة بالجريمة، مؤكدًا أن الإمام نفسه دعا قتلة رجل الأمن إلى إمضاء ليلتهم في الجامع لحمايتهم، مستنكرًا صمت التنظيمات الجهادية وعدم إدانتهم لهذه هذه الجريمة .
وأعلنت وزارة الداخلية، أخيرًا، العثور على جثة ضابط أمن تحمل جروحًا على مستوى الرقبة بواسطة آلة حادة، فيما انتقد الغنوشي وصف زعيم تيار أنصار الشريعة السلفي أبو عياض لرجال الأمن بـ"الطاغوت"، معتبرًا أن ذلك يعكس "استهتارًا بالدولة، وأن الطاغوت الحقيقي قد هرب من البلاد"، في إشارة إلى الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، مذكرًا بأن "تونس عاشت ثورة حقيقية، لا يجب التغافل عنها، أو تشبيه الحكومة الحالية بعهد الاستبداد الذي سبقها".
وندد الغنوشي "بالدعوات المتكررة لقتل المسلمين"، وقال "على الإنسان أن يختار بين العمل في إطار القانون وبين التمرد عليه، وإن أسوأ أنواع العنف ما استظهر باسم المقدس وباسم الدين"، داعيًا تيار أنصار الشريعة السلفي، وجميع المواطنين، إلى احترام القانون، معتبرًا أن "ذلك ليس ذلاً أو مهانة وليس تنازلاً عن مبادئ، وإنما رعاية للصالح العام في مجتمع منظم، وولا أحد في دولة القانون فوق القانون"، مشددًا على أنّ "دولة القانون راسخة في تونس منذ سنين، وأنّ تطبيق القانون في حدّ ذاته على جميع المواطنين مهما كانت اتجهاتهم هو العدل بعينه، وأن الحركة ضد العنف أي كان مأتاه"، داعيًا رابطات حماية الثورة (تنظيم جمعياتي تأسس بعد الثورة لهدف حماية الممتلكات العامة زمن الانفلات الأمني) إلى الانتظام بشكل قانوني، حتى لا تتعرض للحل تطبيقًا للقانون".
وقد أثارت مواقف راشد الغنوشي، زعيم أكبر حزب إسلامي في تونس الذي اعتلى عرش السلطة بعد فوزه في انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011، جدلاً واسعًا لسبب ما اعتبره مراقبون "ضبابية وازدواجية" في خطاب "النهضة" والغنوشي، الذي رغم تأكيده على مناهضة العنف وعلى تبنيه منهج الإسلام المعتدل، إلا أنه ما انفك يدافع عن روابط حماية الثورة ويصرح بـ"أن السلفيين هم أبناؤنا".