واشنطن - الدار البيضاء اليوم
رصدت ورقة بحثية تراجعا في الاعتقاد بتفكك الحزب الشيوعي الصيني، بعدما بدأت الصين تسيطر بشكل أفضل على الانتشار الوبائي لفيروس كورونا داخلها، وقد تزامن ذلك مع الانتشار السريع للفيروس في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ونتج عنه تصاعد نبرة التصريحات الغاضبة بين واشطن وبكين؛ ففي حين تتهم الأولى الثانية بأنها تكتمت على ظهور الفيروس، ما ورَّط العالم في هذه الجائحة، تؤكد الثانية أن واشنطن تُحمِّلها نتيجة فشلها في إدارة الأزمة بشكل فعَّال كما فعلت هي.وأضافت ورقة لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة أنه يمكن استقراء ثلاثة تداعيات رئيسية لجائحة "كوفيد–19" على الصين، يتعلق أولها بالحزب الشيوعي الصيني الذي أدى تفشي الفيروس إلى انشقاق سياسي كبير داخله، من خلال توجيه الانتقادات لقياداته حول كيفية إدارة الأزمة، وقد وصل الأمر إلى حد توجيه اللوم لأسلوب القيادة المركزية للرئيس "تشي جين بينغ".
وانعكس ذلك، وفق المصدر ذاته، في عدد من التعليقات شبه الرسمية التي تم تسريبها بشكل غامض إلى بعض وسائل الإعلام خلال شهر أبريل، خاصةً في ضوء الجدل الداخلي حول عدة موضوعات أهمها العدد الدقيق للضحايا والمصابين داخل الصين، ومخاطر تفشي موجة ثانية من الفيروس تزامنًا مع إعادة فتح البلاد ببطء، وكذلك التوجه المستقبلي للسياسة الاقتصادية والخارجية للدولة.
ويتمحور ثانيها حول الاقتصاد الصيني الذي خلفت الأزمة ضررًا هائلًا عليه؛ فعلى الرغم من ضخ النظام حزمات تمويلية ضخمة لتحفيز الاقتصاد الصيني والعمل على إعادة الشركات والمصانع لممارسة أنشطتها الإنتاجية في ظل التدابير الاحترازية، وذلك لرفع مستوى الإنتاجية خلال النصف الثاني من عام 2020، إلا أن ذلك لن يعوض الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها بكين في الربعين الأول والثاني من العام الحالي.
أما ثالث تداعيات الجائحة على الصين، فيتعلق، بحسب الورقة، بالمكانة الدولية للصين؛ حيث تضررت مكانة بكين وصورتها الدولية كثيرًا، نتيجة كونها كانت أول بقعة جغرافية لظهور الوباء، فضلًا عن أنها أخفقت خلال الأشهر الحاسمة الأولى لانتشار الوباء، ما ساعد على انتشاره عالميًّا.
كما أن القوة الناعمة للصين تشهد تراجعًا ملحوظًا نتيجة انتشار حالة من العداء والعنصرية تجاه الصينيين في عدد من الدول، منها الهند وإيران وإندونيسيا، علاوة على أنها ستشهد تراجعًا بشكل أكبر نتيجة الصعوبات الاقتصادية التي قد تجعل من الصعب على بكين التوسع في تقديم المساعدات الخارجية التي تعد من أهم أدوات قوتها الناعمة.
ويشير التحليل إلى أن الإدارة الفوضوية للرئيس ترامب تجاه جائحة "كوفيد–19" تركت انطباعًا لا يمحى عن أن الولايات المتحدة غير قادرة على التعامل مع الأزمات. فقد ساهمت هذه الأزمة في إلحاق ضرر كبير بصورة واشنطن كزعيمة للعالم الحر؛ فبدلًا من أن ينظر إليها كأنها هي الدولة القادرة على مساعدة العالم للخروج من هذه الأزمة، وجد العالم أنها لا تستطيع أن تساعد نفسها حيال أزمة انتشار الفيروس، فضلًا عن وجود تقارير تفيد بمحاولة ترامب السيطرة الحصرية على لقاح يتم تطويره في ألمانيا، ناهيك عن التدخل الفيدرالي لوقف بيع معدات الحماية الشخصية لكندا، كأن العالم قد شاهد عمليًّا ما يعنيه ترامب بشعار "أميركا أولًا".
مستقبل العلاقات الأميركية–الصينية
تتوقع الورقة أن تشهد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين-في حال فوز "ترامب" بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في نوفمبر المقبل-توترًا وتصادمًا أوسع، مدفوعًا بالغضب الشعبي الأميركي تجاه الكشف عن أصل فيروس كورونا المستجد. أما إذا فاز المرشح الديمقراطي "جو بايدن"، فمن المرجح أن تتميز العلاقات الثنائية في ظل إدارته بمزيج من التعاون والتنافس؛ فقد تتعاون إدارة "بايدن" مع بكين حيال بعض الملفات مثل المناخ والأوبئة والاستقرار المالي العالمي.
لكن الورقة تستدرك بأن الصين تفضل إعادة انتخاب "ترامب" لرغبته في كسر التحالفات التقليدية، والانسحاب الأميركي من الاتفاقيات متعددة الأطراف، ما يضعف القوة الأميركية ويتيح فرصة أكبر لبكين للصعود وتعزيز قوتها ومكانتها في النظام الدولي.
أما على الصعيد الصيني، فتجدر الإشارة إلى أن بكين بدأت في مراجعة سياستها تجاه الولايات المتحدة منذ بدء الحرب التجارية عام 2018، ولكن تكثفت عملية المراجعة الدقيقة في ظل أزمة فيروس كورونا، ومن المتوقع ألا تنتهي هذه المراجعة إلا قبيل المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني المقرر عقده عام 2022.
وتؤكد الورقة أن عملية المراجعة للتوجه الصيني نحو الولايات المتحدة جزء من نقاش داخلي أوسع في بكين حول ما إذا كانت السياسات الداخلية والخارجية لبكين، في هذه المرحلة من تطورها الاقتصادي والعسكري، قد أصبحت في السنوات الأخيرة لا تقدم إصلاحات داخلية بالقدر الكافي، فضلًا عن كون سياستها الخارجية حازمة أكثر مما ينبغي.
وقبل صعود "تشي" إلى سدة الحكم، ارتكزت السياسات الخارجية الصينية، حسب المصدر ذاته، على عدم السعي نحو إحداث أي تغييرات رئيسية على النظام الإقليمي والدولي، بما في ذلك القضايا المتعلقة بتايوان، والنزاع في بحر الصين الجنوبي، والوجود الأميركي في آسيا. بمعنى آخر، كانت السياسات الخارجية الصينية محكومة بمبدأ "الانتظار" إلى حين تحول ميزان القوى الاقتصادية والعسكرية لصالحها، ما سيمكنها من إحداث التغييرات التي تسعى إليها.
ولكن مع صعود "تشي" تغيرت هذه الرؤية كليًّا، وأصبحت بكين أكثر حزمًا حيال القضايا الإقليمية والدولية بهدف إحداث بعض التغييرات لصالح تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، واتضح ذلك من خلال إطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، تكمل الورقة.
ورغم أن توجهات الصين الخارجية مع صعود "تشي" لم تقابلها ردود فعل عدائية من قبل الولايات المتحدة، إلا أنه بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا من المؤكد أن يكون هناك توجه أميركي مختلف تجاه الصين.
لذا، ترى الورقة أن السياسة الخارجية الصينية بعد الجائحة قد يسيطر عليها واحد من توجهين: أولهما يقضي بأن يسعى الرئيس الصيني إلى تخفيف التوترات مع الولايات المتحدة حتى يتم فقدان الوباء من الذاكرة السياسية، ما يعني استعادة بكين لجزء من مكانتها وصورتها الدولية. أما ثانيهما فهو أن يقوم "تشي" باتباع سياسات خارجية عدائية، وذلك لكسب مزيد من التأييد الداخلي لكي ينقذ حزبه من أي مخاطر للانشقاقات، وبما يجعل المواطنين يلتفون حوله خوفًا من المخاطر الخارجية.
وفي كل الأحوال، يبدو أن العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين ستتجه نحو مزيد من التوتر. وتعد تايوان من أهم القضايا الخلافية التي ستعمل على تكريس هذا التوتر بين البلدين.
ويعتقد الكاتب أن بكين ستبذل جهودًا كبيرة لتقليص حضور تايوان على الساحة الدولية والدبلوماسية، في حين إن ذلك ستقابله جهود أميركية مكثفة لتأمين إعادة انضمام تايوان إلى منظمة الصحة العالمية، علاوة على تعزيز مستوى التمثيل الدبلوماسي بين واشنطن وتايبيه، ما سيعني انهيار الالتزام الأميركي بسياسة الصين الواحدة التي تم الاعتماد عليها كركيزة أساسية لتطبيع العلاقات الأميركية–الصينية في عام 1979. لذا، لا يستبعد الكاتب حدوث شكل من أشكال المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة والصين حيال تايوان.
تداعيات على النظام الدولي
ترى الورقة أن إدارة ترامب أضافت مشكلات جديدة للنظام الدولي من خلال إضعاف هيكل التحالف الأميركي الذي يمثل عنصرًا محوريًّا للحفاظ على توازن القوى ضد بكين، كما عمد "ترامب" إلى نزع الشرعية عن المؤسسات متعددة الأطراف بأسلوب منهجي، ما خلق فراغًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا وأتاح الفرصة لبكين لملئه.
وتضيف الورقة أن الحديث عن وجود حرب باردة بشكل كامل بين الصين والولايات المتحدة الأميركية كان دائمًا يشار إليه بأنه أمر سابق لأوانه، بسبب ارتباط الاقتصادين الأميركي والصيني، وعدم وجود حروب بالوكالة بين البلدين في بلدان ثالثة، وهي سمة ميزت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق. لكن التهديدات الجديدة التي يقوم بها كلا الجانبين، مع تزايد التوترات في ضوء الأزمة الحالية، قد تقلب موازين الأمور رأسًا على عقب، وتؤدي إلى زيادة حدة التوترات بين البلدين.
وخلصت الورقة إلى نتيجتين رئيستين، تتمثل أولاهما في أنه بسبب الضرر الشديد متعدد المستويات الذي تعاني وستعاني منه الصين والولايات المتحدة نتيجة الأزمة الحالية، فقد أصبح لا يوجد هناك "مدير للنظام الدولي" وفقًا لتعبير جوزيف ناي، ما قد يعني دخول البلدين في حرب باردة كاملة أو حتى بعض المواجهات العسكرية المباشرة في ظل الفوضى التي سيتسم بها النظام الدولي نتيجة ضعف الصين والولايات المتحدة.
أما ثانيتهما فتتعلق بأن تجنب هذا السيناريو الفوضوي مرهون بثلاثة عوامل: العامل الأول يتمثل في حدوث تغيير جذري في سياسات الولايات المتحدة، والثاني يرتبط بحدوث تغير في توجهات الصين نحو مزيد من الإصلاح والاندماج العالمي، ما يسمح للبلدين بالعمل على تطوير بنية جديدة لحدوث انفراج في علاقتهما الثنائية، في حين إن العامل الثالث يتعلق بجهود الدول الأخرى للحفاظ على المؤسسات الدولية متعددة الأطراف من الانهيار إلى حين عودة الاستقرار الجيو-سياسي إلى النظام الدولي مجددًا.
وقد يهمك ايضا:
ترامب لن يُعيد التفاوض بالاتفاق التجاري مع الصين ويُعلن انتهاء "عصر العولمة"
ترامب يغضب من سؤال ويقطع لقاءه بالصحافيين ويغادر المكان بشكل مفاجئ