الرئيسية » التحقيقات السياحية
الحج

مكّة المكرمة ـ المغرب اليوم

اختار عدد كبير من الرحالة الشرقيين والغربيّين مكة المكرمة وجهة لهم، في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين (الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين)، لدوافع متعددة، لكن يظل الحجّ من أعظم بواعث الرحلات، لاسيّما الشرقية، نظرًا إلى أنَّ الآلاف من الحجاج يتجهون من بلاد الشرق كل عام صوب الحرمين الشريفين، لتأدية الفريضة عبر الطرق البرية والبحرية.

ولما ترجمت الرحلات الأجنبية، وانتشرت بين الناس، ولقيت استقبالاً جيدًا من الباحثين، سارعوا إلى الاقتباس منها، والاستشهاد بها، ودَحْض بعض ما فيها من معلومات خاطئة، مقصودة كانت أم غير مقصودة.

ويلاحظ متتبع الحركة الثقافية في هذا المجال أنَّ الاهتمام انصبّ على الرحالة الأوروبيين في المقام الأول، لاسيّما البريطانيين، لاعتبار أنهم كانوا السباقين في ذلك، بحكم وجودهم على سواحل الجزيرة العربية.

ولم يقتصر الاعتماد على المصادر البريطانية في الرحلات، بل إن الذين كتبوا عن تاريخ إقليم جبل شمر، في القرن 13-14هـ/ 18 و19م، جلهم اعتمدوا على وثائق الأرشيف البريطاني، والأرشيف العثماني، والأرشيف المصري، وبعض الرحلات الفرنسية المترجمة، وقليل جد من المصادر الروسية والألمانية.

وهناك إعراض شبه كامل عن مصادر الرحلات الشرقية كالهندية والفارسية والبخارية والأفغانية من طرف المؤرخين، ليس فقط في منطقة مكة المكرمة، بل في الجزيرة العربية عمومًا.

ويمكن تقسيم الرحلات الشرقية إلى ثلاث مراحل زمنية، الأولى أدب الرحلات الجغرافية، التي كتب بعضها بالعربية مثل كتاب "المسالك والممالك" لابن خرداذبة، و"الأعلاق النفيسة" لابن رستة (القرن الرابع الهجري)، و"مسالك الممالك" للاصطخري (القرن الرابع الهجري)، و"سفرنامة" لناصر خسرو (القرن الخامس الهجري)، و"آثار البلاد وأخبار العباد" للقزويني في القرن السابع الهجري.

وتشمل المرحلة الثانية القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر والنصف الثاني من القرن الرابع عشر للهجرة، وأكثر أدب الرحلات الشرقية، لاسيما الفارسية المخطوطة، يعود إلى هذه الفترة.

وأولى أدباء الشرق، لاسيما الإيرانيين اهتمامًا كبيرًا للتأليف في أدب الرحلات، لانفتاح إيران على الثقافة الفرنسية، كنتيجة مباشرة لسفر كتابها وأدبائها وإطلاعهم على الحضارة الغربية وتأثرهم بها.

وتضم المرحلة الثالثة الرحلات المعاصرة في النصف الثاني من القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر للهجرة إلى مكة، فقد ظهرت مجموعة من الرحلات في القرن الأخير، كرحلة جلال الأحمد، والدكتور علي شريعتي، وغيرهما، ويغلب عليها الطابع الفكري والنظري، في تفسير فلسفة الحجّ وتأثيراتها المعنوية، أكثر مما تتطرق إلى ذكر المعلومات الجغرافية أو الاجتماعيّة.

ويغلب على أكثر الرحلات الفارسية الطابع القصصي، كالرحلات العربية التي تجمع بين الواقع والخيال، فتصور كتب الرحلات الحقيقة حينًا، فيما ترتفع إلى عالم الخيال أو التصورات المختلقة حينًا آخر، في وصف المدن التي زاروها وشعبها وطرقها الصحراوية وملامح الحياة البدوية ومعلومات عن الطعام؛ والشراب؛ والأزياء؛ والأخلاق وغير ذلك.

وتضمّنت كتب الرحلات الشرقية كثيرًا من المعلومات والمعارف، حيث تشكّل مادّة جيدة في الجوانب التاريخية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية، ومن فوائد أدب الرحلات، القيمة التعليمية التي تختزنها، فهي تثقف وتثري الفكر بالمعلومات عن منطقة ما أو مجتمع ما، وذلك حين تصوّر ملامح حضارة المنطقة في عصر محدد، حضارةً تكون مصدر ثقافة ذلك المجتمع.

ويبقى الاختلاف واضحًا بين رحّالة وآخر، والفروق الفردية واضحة بين كاتب وآخر، فالقدرات والخبرات والممارسة الكتابية لعبت دورًا في تلك الفروق بين الرحّالة، لكن الملاحظ أنَّ غالبية الرحلات الدينية ومنها الهندية والفارسية اتخذت طابع الوصف اليومي، والكتابة عن كل موقع بصورة مستقلة، حيث اهتم الرحالة بوصف الطرق التي سلكوها ووسائل السفر والانتقال التي استخدموها، كما قاموا بوصف الأماكن التي زاروها وصفًا دقيقًا.

ومن أهم ما عُني به الرحالة موضوع المياه لشدة الحاجة إليها في بعض المواضع، وحاولوا وصف طعمها بدقة، كما سجل آخرون بعض المعلومات عن النباتات التي تنمو في بعض المناطق التي زاروها.

وتكمن أهميّة الرحلات الشرقية في عدم وجود اهتمام بوصف طرق الحج في كتب الرحالة الغربيين في القرن الثالث عشر الهجري، وهي من النقاط التي أخذها هوغارت على الرحالة جورج أوغست فالين، في عدم استفاضته في وصف الحج وطرقه، وهنا تأتي أهمية الرحلات الفارسية في أنها المصدر الرئيس في وصف منازل الحج العراقي، وطرقه، في القرن الثالث عشر الهجري.

وما يميّز أساليب كتابة هذه الرحلات أنها كانت بسيطة في الغالب، بعيدة عن التكلّف والتصنّع، وتضمنت مجموعة من الأبيات الشعرية، فضلاً عن آيات من القرآن وأحاديث نبوية يستشهد بها في مواضع مختلفة.

يذكر أنَّ الكثير من الرحالة عمدوا إلى تخصيص الجزء الأعظم من يومياتهم؛ لبيان الصعوبات والمشاكل الكبيرة في زمن رحلتهم، ولا يخفى ما لذلك من أهمية كبيرة، لاسيما بعد مقارنة تلك الحالات مع الواقع الموجود في الوقت الراهن.

وتوضح تلك الكتابات نظرة الفرس إلى العرب، لاسيما سكان نجد والحجاز، وانطباعات النخب الفارسية والشيعية المثقفة عن المنطقة، ويلاحظ القارئ للرحلات الشرقية حالة "الحنق" على العرب عمومًا.

ومع تلك الفائدة والأهمية التي تقدمها تلك الرحلات، إلا أنه لا يمكن الجزم بأنّها تنقل إلينا صورًا محايدة، لأنَّ الخيال والهوية الثقافية للرحالة، التي يحكم عبرها، يمكن أن تؤثر في الحقيقة التاريخيّة، وذلك لما للعواطف والانفعالات من تأثير في كتابات أصحابها ومواقفهم، ومع ذلك يمكن اعتبار الرحلات وثيقة غير مسلم بها، لكن يستطيع أن يستفيد منها المؤرخون والأدباء والجغرافيون وعلماء الاجتماع على حدٍّ سواء.

View on casablancatoday.com

أخبار ذات صلة

الكنفدرالية المغربية للسياحة تُؤكد الانخراط الكامل في طموحات "رؤية…
وزيرة السياحة المغربية تؤكد أن "رؤية 2030" تُخطط لمضاعفة…
فاطمة الزهراء عمور تُؤكد أن المملكة تَطمح لمُضاعفة عدد…
انتقادات لغلاء أسعار الفنادق والإقامات السياحية خلال الصيف في…
مطار الحسن الأول في العيون يسترجع 76% من حركة…

اخر الاخبار

"الحرس الثوري الإيراني" يعيد انتشار فصائل موالية غرب العراق
الحكومة المغربية تُعلن أن مساهمة الموظفين في صندوق تدبير…
روسيا تُجدد موقف موسكو من الصحراء المغربية
الأمم المتحدة تؤكد دعمها للعملية السياسية لحل نزاع الصحراء

فن وموسيقى

أشرف عبد الباقي يتحدث عن كواليس "جولة أخيرة" ويؤكد…
وفاة الفنانة خديجة البيضاوية أيقونة فن "العيطة" الشعبي في…
كارول سماحة فَخُورة بأداء شخصية الشحرورة وتستعد لمهرجان الموسيقى…
شيرين عبد الوهاب فخورة بمشوارها الفني خلال الـ 20…

أخبار النجوم

أمير كرارة يحافظ على تواجده للعام العاشر على التوالى
أحمد السقا يلتقي جمهوره في الدورة الـ 41 من…
أنغام تستعد لطرح أغنيتين جديدتين بالتعاون مع إكرم حسني
إصابة شيرين عبدالوهاب بقطع في الرباط الصليبي

رياضة

أشرف حكيمي يوجه رسالة للمغاربة بعد الزلزال المدّمر
الإصابة تٌبعد المغربي أشرف بن شرقي عن اللعب مع…
المغربي حمد الله يقُود إتحاد جدة السعودي للتعادل مع…
كلوب يبرر استبدال محمد صلاح في هزيمة ليفربول

صحة وتغذية

فوائد صحية مذهلة مرتبطة بالقلب والمناعة للأطعمة ذات اللون…
النظام الغذائي الأطلسي يخفف من دهون البطن ويحسن الكوليسترول
بريطانيون يطورُون جهازًا جديدًا للكشف المبكر عن أمراض اللثة
اكتشاف مركب كيميائي يساعد على استعادة الرؤية مجددًا

الأخبار الأكثر قراءة