بيروت - الدار البيضاء اليوم
في عام 2007 خصصت محمية أرز الشوف 175 غرسة لشهداء الجيش اللبناني الذين قضوا في معركة مخيم نهر البارد بشمال لبنان. فحملت كل واحدة منها اسم عنصر لتكون بمثابة ذكرى لا تُنسى لمن قدّم نفسه على مذبح الوطن.
اليوم التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذه المرة من خلال تخصيص جزء من الغابة لاستضافة نصب من نوع آخر يعود لمن قضوا في انفجار بيروت في 4 أغسطس (آب) الجاري. فقد أعلنت محمية أرز الشوف أنّها قررت إقامة لفتة تكريمية لضحايا انفجار بيروت من خلال غرس أشجار الأرز للعدد الإجمالي لهم. حالياً يصل عددهم إلى نحو 181 شخصاً. وقد جُهّزت غرسات الأرز لزرعها في أرض المحمية. وتقول سارة نصر الله المسؤولة الإعلامية في المحمية إنّ عدد هذه الغرسات يمكن أن يشهد تعديلاً في المستقبل في حال اكتُشف ضحايا جدد للانفجار. وعن أهمية هذه المبادرة تقول نصر الله: «لقد ارتأينا ضرورة تخليد ذكرى شهداء الانفجار أسوة بالشهداء في الجيش اللبناني. وستعرف هذه الغابة بـ«غابة شهداء انفجار بيروت».
وعن طبيعة المبادرة وسير أعمالها تقول سارة نصر الله في سياق حديثها : «لقد بدأنا التحضير لغرسات الأرز التي سنزرعها على أرض غابة المحمية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وسنُنظّم حفلاً بالمناسبة ندعو إليه أهل الضحايا وحشداً من أهل الإعلام. وسيضع كل من أقرباء الضحايا صفيحة معدنية، تحمل اسم فقيدهم وتُغرس بقرب كل شجرة أرز مزروعة في هذه الغابة».
وتشير المسؤولة الإعلامية إلى أنّ الغابة في حالة تأهب دائمة لزراعة غرسات أرز جديدة في مناسبات مختلفة. وتعلّق: «لدينا غابة خاصة أقمناها ضمن مبادرة تحمل عنوان (برنامج تبنّى أرزة). وهي تفتح أبوابها لكل شخص يرغب في إهداء أحد أقاربه أو أحبائه شجرة أرز تحمل اسمه. وفي عام 2019 استطعنا أن نزرع نحو 500 شجرة لأشخاص من لبنان وخارجه، رأوا في هذه المبادرة عربون محبة يهدونه إلى عزيز». وتؤكد سارة نصر الله أن غرسات الأرز الصغيرة هذه في استطاعتها أن تنمو بشكل سريع بمعدّل 7 سنتميترات في العام الواحد. وتضيف: «هناك أشخاص كثيرون يزورون الغابة أقله مرة في السنة للاطمئنان على غرستهم، والاطلاع عن كثب عن مدى نموها». وعادة ما يدفع الشّخص الرّاغب في زرع غرسة أرز نحو 300 ألف ليرة. وفي المقابل تزودهم المحمية ببطاقة عضوية دائمة للمحمية تخولهم زيارتها في أي ساعة من وقت الدوام الخاص بالمحمية. «إننا نفتح أبوابنا أمام الجميع من العاشرة صباحاً لغاية السادسة مساء. ونزود أصحاب كل غرسة تحمل أسماءهم شهادة بالشجرة التي يملكونها في المحمية».
وعن غابة «شهداء انفجار بيروت» تقول: «هي بمثابة لفتة تكريمية للضحايا في استطاعتها أن تبلسم جروح أهاليهم وتخفف من وطأة المصيبة التي وقعت عليهم بفقدان أحد أعزائهم. هي مهمة صعبة سيما وأن جميع اللبنانيين من دون استثناء تأثروا بانفجار بيروت وطبع ذاكرتهم. فانفجار بهذه الضخامة نتج عنه عدد كبير من الشهداء، قد تكون شجرة الأرز التي تحمل أسماءهم بمثابة وسيلة تعزية تعوض لنا خسارتهم من خلال هذه الشجرة التي تتصدر العلم اللبناني وتعد أحد رموز الوطن الرئيسية والمشهورة في العالم أجمع».
ويتولى فريق من عمال المحمية إضافة إلى مهندسين زراعيين وخبراء بشجر الأرز الاهتمام والاعتناء بأشجار الأرز المغروسة في هذه الغابة. «إنّنا نوليها اهتماماً كبيراً فنعتبرها وكأنّها واحدة من أبناء وطننا الخالد برمزية الأرزة. فهذه المبادرة كما سابقتها الخاصة بضحايا الجيش، تحمل معاني إنسانية كثيرة. فغابة أرز الشوف تشكل 5 في المائة من مجمل مساحة لبنان. ومن الطبيعي أن نولي هذه المساحة من أرضنا كل اهتمام وعمل يصب في مصلحة تطورها ونموها».
تعتبر محمية أرز الشوف الطبيعية الأكبر من نوعها في لبنان، وهي آخر امتداد للأرز اللبناني جنوباً، وموئل مهم للطيور المهاجرة. تبلغ مساحتها نحو 160 كلم2 وتحتوي على 30 في المائة من غابات الأرز المتبقية في لبنان، وهي تضم: غابة أرز عين زحلتا - بمهريه، غابة أرز الباروك، وغابة أرز معاصر الشوف. أنشئت هذه المحمية في عام 1996. وفي عام 2005، أعلنتها منظمة اليونيسكو مع القرى الـ«22» المحيطة بها، محمية محيط حيوي تغطي مساحة 500 كلم2. أي نحو 5 في المائة من مساحة الوطن.