باريس _ الدار البيضاء اليوم
ليس من الشائع أن تقيم مؤسسة فنية شهيرة معرضاً استعادياً لفنان ما زال على قيد الحياة. لكن هذا هو ما يقترحه علينا القائمون على مؤسسة «فويتون» من خلال احتفائهم بسيندي شيرمان في متحفهم الرائع في غابة بولونيا في باريس. وسيندي مصورة أميركية ما زالت في ربيعها السادس والستين. وهي قد نالت شهرة في موطنها، وفي كثير من العواصم الغربية بفضل التباس الفن الذي تقدمه. هل هي رسامة أم مصورة؟ مصممة أم خبيرة «غرافيك»؟
يقدم المعرض جولة في أعمال سيندي شيرمان على مدى السنوات الممتدة من 1975 وحتى اليوم. أي أن الزائر الذي لم يشاهد أعمالها رؤية العين من قبل يستطيع أن يأخذ فكرة شاملة عن إبداعها خلال 45 عاماً. فما هو كنه هذا الإبداع؟ إن الموسوعات الفنية تختلف في تقديم شيرمان، رغم أنها ليست الوحيدة التي استغلت ملامحها الخاصة في أعمالها. إنها مصورة تستفيد من لقطات مأخوذة لها لكي تتدخل في تكوين اللقطة وتتلاعب بالألوان والأزياء والزينة، لكي تنتج عدة شخصيات تتشابه في ملامحها الأساسية التي هي ملامح الفنانة نفسها. لكنها ليست مصورة فحسب، بل رسامة تشكيلية، تبرع في التلوين وفي تكوينات اللوحة وإضافة خلفيات طبيعية من أشجار وغيوم وأنهار للشخوص الظاهرين في الصورة.
قبل هذا المعرض كانت عدة متاحف عالمية قد احتفت بشيرمان. لكنها المرة الأولى التي تستقدم فيها باريس هذا العدد من لوحاتها. 170 عملاً يتألف بعضها من لقطات متكررة للوجه نفسه مع تنويعات في التلوين والثياب بحيث يمكن إحصاء 300 صورة في المعرض. إن الفنانة تتنكر في ثياب نساء ورجال ومهرجين ونجوم سينما وفتيات استعراض. فالعجينة الأساس التي تشتغل عليها هي صورتها. وهي تتولى تشكيلها حسب إلهامها. وهناك لقطات تعيد إلى الأذهان أعمال المصور آندي وارهول وتكراره الوجه ذاته لعدد من المشاهير ولكن بألوان وطبعات متعددة.
تمنح أعمال المصورة والرسامة الأميركية المعاصرة الإحساس بأن هناك بحثاً عن الهوية. أو أن الذات الفنانة تنبش في طبقات ذاكرتها لاستكشاف كل المكونات التي ساهمت في تشكيل شخصيتها. إن الناظر إلى اللوحة يرى سيندي شيرمان ولا يراها. ذلك أن طرائق التنكر متعددة وغريبة وشديدة الإيحاء. وهنا لا يتردد الزائر في أن يطرح على نفسه السؤال: «هل يمكن لهذا النوع من الموهبة أن يشق طريقاً له في أوروبا أو اليابان أو الشرق الأوسط؟ إنه فن أميركي بامتياز. وهو ثمرة أرض ازدهرت بفضل الهجرات وتلاقحت فيها شعوب من عروق مختلفة. وبعبارة مختصرة: هذا فن لا يمكن أن يظهر وينمو وينال حظه من الشهرة إلا في الصالات الفنية لنيويورك وميامي.
ولدت شيرمان في ولاية نيوجيرسي، وتلقت دراستها الفنية في جامعة بافالو، حيث تقيم حالياً في نيويورك. وكانت مهتمة في بداياتها بالرسم قبل أن تتجه إلى الفوتوغراف كنوع من الفن التصويري أو التشكيلي. وحال إنهائها الدراسة استقرت في حي مانهاتن وبدأت تنتج باكورة أعمالها، عام 1977. وكانت سلسلة من الصور سمّتها: «لقطات فيلم من دون عنوان». وبعد سنتين قدمت أول معارضها في «هالوولز»، وهي صالة للفنانين المستقلين أنشأتها مع اثنين من زملائها. إنها واحدة من أكثر الفنانين تأثيراً في جيلها. وعلى مدى سنوات من المثابرة أصبحت واحدة من الأغلى في الولايات المتحدة.
تعود علاقة الفنانة بمؤسسة «فويتون» الباريسية للصناعات الجلدية إلى ستينات القرن الماضي، حين كانت سفيرة للدار. كما جاءتها فرصة حقيقية للانتشار في عام 2011 عندما طلبت شركة معروفة لمستحضرات التجميل استعمال صورها في إعلاناتها. ولأن موهبتها ذات عدة أوجه، فقد أدت سيندي شيرمان دور البطولة في فيلم بعنوان «بريما دونا»، كان يرافق استعراضا أوبرالياً لروفوس وينرايت.
اللافت للنظر أن شيرمان تعتبر فنها ذا رسالة اجتماعية. فهو يشكل انتقاداً للمجتمع المعاصر الذي يقوم على «الإخراج» وعلى الاعتماد على صور النساء الأميركيات كما كن محصورات في أدوار محددة خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي. كما ترى أن لوحاتها تحثّ على التفكير في علاقة الفوتوغراف بالرسم، وكذلك موقع المرأة في تمثيلها للمجتمع المعاصر. ولهذا فإنها تستخدم صورتها كنموذج أو «موديل» لأعمالها لكي تثبت أن الشخصيات تتغير وفق أنماط تقديمها، أي بحسب ذهنية المخرج. ولهذا السبب تفضل أن تترك لوحاتها من دون عناوين. لكن الفنانة ترفض أن يقال عنها إنها تنتمي للحركة النسوية أو أن لفنها دوراً سياسياً.
كان مقدراً لهذا المعرض أن يُفتتح في الربيع الماضي لكن «كورونا» دفعت به إلى الخريف، مثل العديد من الفعاليات الفنية. وهو يحتل طابقين من مبنى متحف الفن المعاصر لمؤسسة «فويتون»، ويتضمن ندوات وأفلام مرافقة، ويستمر حتى نهاية يناير (كانون الثاني) 2021.
وقد يهمك ايضا:
زوّار “قصر البارون” تجذبهم مقتنيات “مصر الجديدة” والتماثيل الهندية