دمشق ـ جورج الشامي
وجهت الحكومة السورية رسالتي احتجاج متطابقتين إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بشأن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على أراضيها، فيما دافع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الثلاثاء، عن حق إسرائيل في منع "المنظمات الإرهابية" مثل "حزب الله" من الحصول على أسلحة، في الوقت ا
لذي توجه فيه وزير الخارجية جون كيري، إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أعقاب قيام كل من الحكومتين الروسية والصينية بإدانة الغارات الإسرائيلية على سورية.
ووجه المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، رسالتين متطابقتين إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيس مجلس الأمن، قائلاً "بناء على تعليمات من الحكومة السورية، أحيطكم علما بما يلي:
في الساعة الواحدة وأربعين دقيقة بتوقيت دمشق من صباح الأحد الموافق 5/5/2013، قامت طائرات حربية إسرائيلية بعدوان جوي وصاروخي من إسرائيل ومن جنوب لبنان بإتجاه ثلاثة مواقع تابعة للقوات المسلحة السورية تقع في شمال شرق جمرايا وفي ميسلون، وفي مطار شراعي في منطقة الديماس في دمشق وريفها، وقد أسفر العدوان الإسرائيلي عن سقوط العديد من الشهداء والجرحى في صفوف المواطنين السوريين، وأدى إلى تدمير واسع في هذه المواقع وفي المناطق المدنية القريبة منها، ونعتبر هذا العدوان الإسرائيلي السافر يأتي تأكيدًا للتنسيق بين إسرائيل والمجموعات الارهابية والتكفيريين التابعين لـ(جبهة النصرة) أحد أذرع (القاعدة)، لهدف تقديم دعم عسكري مباشر للمجموعات الإرهابية بعد فشل محاولاتها أخيرًا في تحقيق سيطرة على الأرض، الامر الذي لا يدع مجالاً للشك بأن إسرائيل هي المستفيد والمحرك، والمنفذ في بعض الأحيان، لما تشهده سورية من أعمال إرهابية تستهدفها دولة وشعبًا، سواء بشكل مباشر أو عبر أدواتها في الداخل".
وأكد الجعفري في رسالته، "بطلان المزاعم التي أطلقتها إسرائيل في الآونة الأخيرة لتبرير أعمالها العدوانية بذريعة نقل أسلحة إلى خارج الحدود السورية، وأن إستمرار إسرائيل بأعمالها العدوانية من شأنه زيادة التوتر في المنطقة وجرها إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، تهدد السلم الأمن الدوليين في المنطقة وفي العالم"، معتبرًا أن "التصريحات الأميركية التي سبقت وأعقبت شن الغارات المذكورة، شجعت إسرائيل على القيام بعدوانها ووفرت غطاءً سياسيًا لها لخرق السيادة السورية، في انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي"، مضيفًا "سورية لها الحق في الدفاع عن نفسها وأرضها وسيادتها، وعلى مجلس الأمن الدولي أن يتحمل مسؤولياته تجاه وقف العدوان الإسرائيلي على سورية ومنع تكراره والحيلولة من دون تدهور الوضع في المنطقة وخروجه عن السيطرة، وإن استمرار بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بتوفير الغطاء لاستمرار إسرائيل في عدوانها واحتلالها الأراضي العربية، بما في ذلك الجولان العربي السوري المحتل، يحملها المسؤولية الكاملة عن التبعات التي يمكن أن تنجم عن الاعمال العداونية الاسرائيلية.
وتوجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلى موسكو للاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، في أعقاب قيام كل من الحكومتين الروسية والصينية بإدانة الغارات الإسرائيلية على سورية، والتي أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 100 جندي سوري الأمر الذي زاد من حدة التوتر في المنطقة.
وأعادت كل من بريطانيا والولايات المتحدة التأكيد أن روسيا تملك مفتاح أي حل دبلوماسي للأزمة السورية، وذلك في ظل ارتفاع أسعار النفط إلى 105 دولار للبرميل، وقيام إسرائيل بنشر المزيد من بطاريات الدفاع الجوي في المناطق الشمالية من حدودها.
ونسبت صحيفة "ديلي تلغراف" إلى مصدر رسمي في الخارجية الأميركية قوله، في أعقاب سفر وزير الخارجية إلى موسكو، "نحن بالتأكيد نحاول أن نفعل شيئًا في هذا الصدد، لأن الأحداث على أرض الواقع تزداد سوءًا، وأن تزايد أعداد الخسائر البشرية والقتلي في أعقاب الغارات الإسرائيلية والوضع الراهن لأزمة يزيد من عدم استقرار الإقليم، وعلى الرغم من أن اجتماع كيري مع بوتين يُعد بمثابة خرق للبروتوكول، إلا أنه يعكس مدى الحاجة إلى بذل جهود دبلوماسية عاجلة من أجل الحيلولة من دون خروج الأزمة السورية عن السيطرة، حيث يأمل الدبلوماسيون في إحياء للخطة السياسية التي تم الاتفاق عليها في جنيف في حزيران/يونيو حزيران من العام 2012، والتي لم تدخل حيز التنفيذ.
وقال المصدر الرسمي الأميركي، "إنه في هذا الوقت بالتحديد ينبغي التحدث إلى الروس كي يدركوا أننا من جانبنا لانزال ملتزمين، وأنهم إذا كانوا ملتزمين مثلنا فإننا بحاجة إلى التفكير في كيفية التصرف عمليًا لتحقيق هذا الإنجاز، ولا أدري ما إذا كان بمقدورنا الحصول على اتفاق في هذا السياق أم لا، ولكننا بالتأكيد نرى أن ذلك يستحق التجربة ومحاولة العثور على سبل لتحقيق إنجاز".
وأجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو في طريقه إلى زيارة الصين، حديثًا هاتفيًا مع الرئيس بوتين، بعد ساعات من تحذير موسكو من أن الغارات الإسرائيلية على قواعد عسكرية خارج دمشق يزيد بشدة من مخاطر عدم استقرار كل من لبنان وإسرائيل.
كما حذرت الصين أيضًا من اللجوء إلى القوة العسكرية، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، "ضرورة احترام سيادة سورية" في إشارة واضحة إلى الغارات الإسرائيلية على أراضيها، وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن رسميًا عن تلك الغارات، إلا أن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية قالوا الثلاثاء، إن الغارات كانت تستهدف منع "حزب الله" من الحصول على صواريخ حديثة موجهة من سورية، وأنها لا تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومة السورية.
وحاول الجيش الإسرائيلي التقليل من مخاطر قيام سورية برد فعل انتقامي، حيث قال قائد القوات الإسرائيلية على الجبهتين السورية واللبنانية، الجنرال يائير غولان، في تصريحات للصحافيين، "لا وجود لرياح الحرب، هل ترون توتر في الأفق؟ لا يوجد أي توتر، هل تروني متوترًا؟"، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي، بعد ساعات من تلك التصريحات، عن سقوط صاروخين من سورية على مرتفعات الجولان المحتلة، مشيرًا إلى أن الصواريخ ربما تكون على الأرجح قدر عبرت الحدود من دون قصد.
ودافع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي كان يمارس رياضة الغولف مع ثلاثة من نواب الكونغرس، الثلاثاء، عن حق إسرائيل في منع "المنظمات الإرهابية" مثل "حزب الله" من الحصول على أسلحة، ولكنه رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل بشأن ما إذا كان يعتزم الاستجابة للضغوط المتصاعدة من أجل قيام الولايات المتحدة بدور قيادي دولي في المسألة السورية، في حين وعد المسؤولون في الإدارة الأميركية باتخاذ قرار في هذا الشأن في غضون أسابيع، عما إذا كان من الممكن ان تقوم أميركا بتسليح المقاومة السورية وإمكان فرض منطقة حظر طيران في الأجواء السورية، حيث لا تحظى هذه الخطوة بدعم الرأي العام في أميركا، كما أن قيادات الجيش تقول علنًا بعدم وجود الكثير من الخيارات العسكرية الطيبة.
وقد تأكدت الصعوبات التي تواجه إدارة أوباما في هذا الشأن، في الوثيقة التي أعدها المحلل في وزارة الدفاع الأميركية جوناثان بانيكوف، والتي تحذر من أن رحيل الرئيس الأسد، كما ترغب القوى الغربية منذ زمن، سيسفر عن مزيد من الفوضى، حيث جاء في التقرير الذي بلغ عدد كلماته ستة آلاف كلمة، أن الفوضى الحقيقية ستبدأ بمجرد سقوط النظام في سورية، كما تنبأ التقرير بنشوب صراع طائفي يشبه في طبيعته وعلى نحو أوسع الصراع الطائفي الذي أعقب الغزو الأميركي في العراق عام 2003، وقد نشر هذا التحليل في دورية تحمل اسم الحروب الصغيرة.
وقال أحد أعضاء لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سورية، "إن مقاتلي المقاومة السورية وليس جنود الأسد كما تلمح بريطانيا وأميركا، هم من استخدموا غاز السارين القاتل، إلا أن الولايات المتحدة سرعان ما أعلنوت بأنه لا يوجد دليل دامغ يثبت تورط أي من الطرفين".
وأفاد المتحدث باسم الخارجية الروسية، أن "لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الأسلحة الكيمائية التي منعت من دخول سورية، لا ينبغي أن تصبح حجة أو ذريعة للتدخل العسكري الخارجي ضد سورية".
وكشفت مصادر من المعارضة عن أنها ستبحث تغيير رئيس الحكومة الموقتة الحالي غسان هيتو، وتعيين بديل له تتوافق عليه جميع القوى المعارضة، وذلك في اجتماعات الهيئة العامة للائتلاف السوري، التي ستعقد في إسطنبول يومي 11 و12 أيار/مايو الجاري.
ورجحت مصادر المعارضة السورية، أن يكون الأوفر حظًا في خلافة هيتو هو الدكتور أحمد طعمة, الذي يشغل منصب أمين سر المجلس الوطني في إعلان دمشق الذي وقع 2005 ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، فيما أوضح مصدر آخر في المعارضة في تركيا، لـ"الشرق الأوسط"، في اتصال هاتفي أجرته معه من القاهرة، أن "منصب رئيس الحكومة الموقتة منصب حساس، ولابد من أن يلاقي التوافق من جميع القوى، وأنه رغم نشاط وفاعلية هيتو، لم يكن هناك نوع من التوافق على تكليفه منذ البداية، وأن الحل الأنسب هو إيجاد شخصية توافقية ترضي جميع القوى، لرأب الصدع بين القوى السياسية والثورية".
واتهمت عضو لجنة التحقيق الدولية، كارلا ديل بونتي، الثوار السوريين، باستخدام السلاح الكيميائي، حيث استخدموا غاز الأعصاب القاتل "السارين"، استنادًا إلى شهادات الضحايا, لكنها قالت "لا يوجد بعد دليل قاطع، لكن ما خلصنا إليه حتى الساعة هو أن معارضي دمشق هم من يستخدمون غاز السارين"، فيما نفى الجيش الحر "المعارض" ذلك, مؤكدًا عدم امتلاكه هذا النوع من الأسلحة التي ينحصر وجودها في أيدي الحكومة السوري، ووصف معلومات بونتي بـ"غير المنطقية".
وأكد المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، أن "سلوك الرئيس السوري بشار الأسد أثبت أن الدعم الروسي له لم يؤد إلى نتائج مقبولة، ولقد أوضحنا بأننا لابد لنا أن نصل إلى حل سياسي في سورية، وهذا يعني أنه على الأسد الرحيل"، وأنه من مصلحة المنطقة التخلص من الأسد".
ورأى كارني، أن "مستوى العنف الذي تقترفه الحكومة السورية يدل على مدى احتقاره لشعبه، وأن اللغة التي تستخدمها حكومة دمشق لا يمكن قبولها، وهو تقدم على تصرفات مروعة وغير مقبولة، ولا يمكن لها أن تستمر في الحكمه"، مشددًا على أن "بلاده عززت مساعدتها للمعارضة السورية، وستبقى على دعمها لها"، مطالبًا دمشق بدعم لجنة التحقيق الدولية بشأن استخدام الكيميائي، مضيفًا "يجب التروي قبل اتخاذ أي موقف من الغارات الإسرائيلية على سورية".
وأعلنت مصادر سياسية فرنسية، أن "مشكلة باريس أن لديها كثيرًا من الأفكار والمشاريع، لكن أدوات تنفيذها غائبة، حيث اقترحت ممرات إنسانية ولم تتحقق كما ارتأت مناطق حماية للاجئين السوريين، وبقيت الفكرة حبرًا على ورق، والآن يبدو أنها تراجعت عن استعجالها تسليح المعارضة السورية لسبب انقسام المعارضين، وبروز (جبهة النصرة) وإعلان ولائها لزعيم (القاعدة) أيمن الظواهري، ولمخاوفها من ذهاب السلاح إلى الأيدي الخطأ، وبخاصة لغياب الضمانات المطلقة التي أخذت تطالب بها، والتي لا يبدو أن أحدًا في المعارضة قادر على توفيرها بهذا الشكل".
وأعربت روسيا عن قلقها من الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع عسكرية في سورية، "واحتمال عن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة".
وقد جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره السوري وليد المعلم، داعيًا إلى "التحلي بضبط النفس"، مؤكدًا "ضرورة احترام السيادة السورية".