الرباط - الدار البيضاء اليوم
أحال المكتب المركزي للأبحاث القضائية، المعروف اختصارا بـ"البسيج"، على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في مدينة الدار البيضاء، زوال الإثنين، ثمانية أشخاص يشتبه في ارتباطهم بشبكة إجرامية منظمة لها امتدادات عابرة للحدود الوطنية في كل من المغرب وأوروبا والمملكة المتحدة، وينشط أفرادها في تزوير الوثائق والعقود التي تدخل في إعداد طلبات الحصول على التأشيرة بغرض استخدامها في تنظيم عمليات الهجرة غير النظامية.
وقررت النيابة العامة في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء متابعة الأشخاص الموقوفين في حالة اعتقال بتهم جنائية ثقيلة، من بينها تكوين عصابة إجرامية والتزوير في محررات ووثائق رسمية، وتنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر، وحيازة وصنع أختام وطوابع رسمية مزورة.كان المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أعلن في بلاغ عممته وكالة المغرب العربي للأنباء، صباح يوم السبت المنتهي، تفكيك شبكة إجرامية منظمة تنشط في كل من الدار البيضاء والرباط وخريبكة وأغادير، ولها ارتباطات بشبكات إجرامية عابرة للحدود الوطنية، متخصصة في التزوير واستعماله بغرض تنظيم عمليات الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر.
شبكة تقدم خدمات إجرامية مندمجة!
اللافت في هذه الشبكة الإجرامية التي أطاح بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، على ضوء المعلومات التي وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أنها كانت تعتمد بنية إجرامية منظمة، وتنتهج أساليب إجرامية غير مألوفة إلى حد الساعة في مجال تنظيم الهجرة غير النظامية؛ فضلا عن ارتباطها إقليميا ودوليا بعدة وسطاء ومساهمين في كل من المغرب ودول غرب أوروبا، علاوة على المملكة المتحدة، بما فيها جبل طارق وإنجلترا.على مستوى البنية الهيكلية لهذه الشبكة الإجرامية، تشير وثائق الملف المعروض حاليا على أنظار القضاء إلى أنها كانت تتميز بالتنوع وتكامل المهام بين عناصرها، إذ ينهض المشتبه فيهم الرئيسيون بمهام تنسيق وتنظيم عمليات التهجير غير المشروع مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 40 ألفا و70 ألف درهم للمرشح الواحد، بينما تتوزع باقي المهام بين وسطاء في المغرب يقومون بعمليات صنع الأختام وتزوير العقود والمحررات واستقطاب الراغبين في الهجرة؛ في حين تسند إلى الوسطاء في الخارج مهام استقبال المرشحين للهجرة في بلدان الوجهة النهائية، وتمكينهم من الإرشادات التدليسية والمساعدات اللازمة للاندماج في المحيط الاجتماعي الجديد.
بل إن أفراد هذه الشبكة الإجرامية كانوا يلقّنون المرشحين للهجرة نصائح وإرشادات حول كيفية التعامل والحديث مع المستخدمين العاملين في الوكالات الخاصة التي تتلقى طلبات الحصول على التأشيرة، وكيفية الرد على استفساراتهم وأسئلتهم تفاديا لاكتشاف أمرهم، كما كانوا يدربونهم في شكل تمارين محاكاة على كيفية اجتياز إجراءات المراقبة الحدودية في المطارات الأجنبية، خاصة في إنجلترا وجبل طارق.
أسلوب إجرامي متفرد
كشفت أبحاث وتحريات المكتب المركزي للأبحاث القضائية أن عناصر هذه الشبكة الإجرامية كانوا يستقطبون الأشخاص الراغبين في الهجرة السرية "غير المنذورين للموت"! كيف ذلك؟.. هذه الشبكة الإجرامية لم تكن تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة عبر المسالك البحرية أو من خلال اجتياز الحدود غير المحروسة، الأمر الذي قد يجعل المرشح معرضا دائما للموت، إما عن طريق الغرق أو السقوط العرضي في السياجات الفاصلة بين الحدود؛ بل إنها، وعلى النقيض من كل ذلك، كانت تنشط في تهجير الأشخاص انطلاقا من المعابر الحدودية الجوية وفق أسلوب إجرامي متفرد وغير اعتيادي!
ويتحدد هذا النهج الإجرامي في تسخير شركة متخصصة في الخدمات، كائن مقرها الاجتماعي بالدار البيضاء، لاستقطاب الراغبين في الهجرة مقابل مبالغ مالية مهمة. وبعد تحديد قائمة المرشحين والتوافق على مبلغ التهجير، يعمد أفراد هذه الشبكة الإجرامية إلى إعداد ملف متكامل لطلب الحصول على التأشيرة، في أسماء المرشحين، إذ يتم تزوير الشواهد الدراسية الجامعية، وعقود العمل، وكشوفات الحسابات البنكية، ورسوم الأصول العقارية والممتلكات المنقولة، بشكل يتم يقدم هؤلاء المرشحين على أنهم يتوفرون على وضعية اجتماعية تسمح لهم بالسفر والعودة إلى المغرب دون ارتياب من مخافة الإقامة غير المشروعة في بلدان الهجرة.
ولتسهيل هذه المهمة، قام أعضاء هذه الشبكة الإجرامية باقتناء آلة لصنع الأختام والطوابع الإدارية، إذ مكنت عمليات التفتيش التي باشرها المكتب المركزي للأبحاث القضائية في إطار هذه القضية من العثور بحوزتهم على 358 طابعا مزورا يحمل أختام عدة مؤسسات عمومية ووكالات بنكية ومهن ينظمها القانون، منها أختام في اسم المحافظة العقارية ومكاتب تصحيح الإمضاءات والموثقين وقضاة التوثيق والعدول والسلطات المحلية والمؤسسات البنكية ووكالات تحويل الأموال. كما تم ضبط أختام أخرى مزورة تحمل توقيعات مسؤولين ورؤساء مؤسسات للتكوين المهني والجامعات الوطنية ومعاهد الدراسات العليا ووكالات التأمين وغيرها.
أكثر من ذلك، كان أعضاء هذه الشبكة الإجرامية يعمدون إلى تزوير عقود زواج بين مرشحين للهجرة من كلا الجنسين، مستخدمين طوابع وأختام العدول وقضاة التوثيق المحرفة، وذلك لإعطاء مصداقية وحجية أكثر لطلب الحصول على التأشيرة، بدعوى أن الأمر يتعلق بـ"كوبل" له وضع اجتماعي متميز ويرغب في التأشيرة للسياحة فقط، كما أن أفراد هذه الشبكة الإجرامية كانوا يركنون إلى حيلة إجرامية متفردة، تتمثل في تزوير عقود عمل لفائدة الراغبين في الهجرة لتقديمهم كمستخدمين في الشركات التي تتوفر على شراكات أو علاقات تعاون مع غرف التجارة والصناعة والخدمات في بعض الدول الأوروبية، ثم يعمدون إلى التماس استصدار دعوات للحضور ضمن المعارض التي تنظمها تلك الغرف في بعض الدول الأوروبية، وهي الدعوات التي يستغلونها لتهجير المرشحين مقابل مبالغ مالية تقدر بعشرات الآلاف من الدراهم.
خدمات ما بعد الاتفاق الإجرامي
كشفت أبحاث وتحريات المكتب المركزي للأبحاث القضائية أن نشاط هذه الشبكة الإجرامية لم يكن يقتصر على إعداد الملفات المزورة لطلبات الحصول على التأشيرة، ولم يكن يقف أيضا عند استصدار التأشيرة الصحيحة بناءً على وثائق مزورة، بل كان نشاطها الإجرامي يتمدد في الزمان والمكان؛ فمن ضمن الخدمات التي كانت تقدمها، في عملية شبيهة بـ"خدمات ما بعد البيع" التي تشتهر بها شركات التجهيزات المنزلية، القيام بالحجوزات في الفنادق لفائدة المرشحين خلال الأيام الأولى من الوصول لبلد الهجرة، لتأمين اندماجهم تدريجيا وعدم اكتشاف أمرهم؛ كما تقوم بتلقين المستفيدين من خدماتها بعض الإرشادات الضرورية، من قبيل تضمين مبلغ الصرف بالعملة الأجنبية في جواز السفر، وارتداء ملابس أنيقة خلال السفر، وأيضا كيفية التجاوب مع عناصر الجمارك والشرطة في مطارات الاستقبال، لئلا يتم فضحهم وترحيلهم نحو المغرب.
ومن الخدمات الاستثنائية التي كان يوفرها عناصر هذه الشبكة الإجرامية للمرشحين المستفيدين تمكينهم من عقود طلاق مزورة، ومترجمة إلى اللغات الأجنبية، وذلك لتمكينهم من فرضية عقد "زيجات بيضاء" مع مواطنات في بلد الإقامة مقابل مبالغ مالية، لمساعدتهم على استصدار وثائق الإقامة بشكل نظامي في مرحلة لاحقة.ولعل أهم معطى دلالي على خطورة هذه الشبكة، وطابعها المنظم والعابر للحدود الوطنية، هو كمية ونوعية المحجوزات التي ضبطت بحوزة أفرادها، إذ تم العثور لدى واحد منهم على مبالغ مالية ناهزت 54 مليون سنتيم، بينما كشفت التحويلات المالية المنجزة في حسابات ثلاثة متورطين آخرين أنهم تلقوا في فترة وجيزة ما يناهز 200 مليون سنتيم، علاوة على العثور بحوزتهم على 358 طابعا مزورا، و41 ملفا مزورا لمرشحين يرغبون في تقديم طلب الحصول على التأشيرة، بالإضافة إلى ترسانة كبيرة من التجهيزات والمعدات المعلوماتية التي تدخل في عمليات التزوير واستعماله.
وأطاح المكتب المركزي للأبحاث القضائية، بفضل المعلومات الدقيقة التي وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، بتشكيل إجرامي يمكن اعتباره من أخطر الشبكات الإجرامية التي تنشط في مجال تنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر وفق أسلوب إجرامي يعتمد على منظومة متكاملة للتزوير والتحريف.
وقد يهمك أيضا :
اعتقال مغربي في الناظور للاشتباه في انتمائه إلى جماعة متطرفة
محكمة الاستئناف في الرباط توجه تهمة القتل العمد في حق “ولد الفشوش”