صنعاء - وكالات
في مطلع تسعينيات القرن الماضي شهدت الساحة الثقافية في اليمن ميلاد عشرات المؤسسات الثقافية الأهلية في مختلف المدن والمحافظات اليمنية، كثمرة من ثمار التعدد الفكري والحزبي الذي أقرته الوحدة اليمنية في دستورها عام 1990. وتحتفظ الأجندة الثقافية اليمنية بأسماء برزت في هذا المجال، كمؤسسة العفيف ومؤسسة باكثير، ومؤسسة الإبداع والنادي الثقافي بصنعاء ورابطة طيف ومؤسسة السعيد بتعز، ومنتدى العمري في الحديدة، ومنتدى الهيصمي في عدن وغيرها. وقد أحدثت هذه المؤسسات حراكا ثقافيا، وعملت بشكل كبير على محو آثار القطيعة غير المعلنة التي نشأت بفعل التمترس الأيديولوجي في واقع ما قبل الوحدة بين مختلف التوجهات الفكرية. ولم يكد يمضي عقد من الزمن على ميلاد هذه المؤسسات حتى بدأت تتآكل عدديا، وما صمد منها بدأ يعاني تراجعا كبيرا في الفعل، ومن بين عشرات المؤسسات التي أقرّتها وزارة الثقافة، لم يبق على أرض الواقع سوى ثلاث مؤسسات، لا تزال تسهم بشكل أو بآخر في تحريك المشهد الثقافي في اليمن، وهي "مؤسسة العفيف"، و"مؤسسة الإبداع" و"مؤسسة السعيد" ويرى المدير التنفيذي لمؤسسة العفيف عبد الباري طاهر أن هذه الكيانات الأدبية لم تعمل على مأسسة وجودها فعليا، بما يضمن لها استقلالا وجوديا وماليا، وإنما ارتبطت بشخصيات مؤسسيها، ومن ثم فإن هذه الشخصنة أفقدتها الاستقلالية والقدرة على الديمومة والاستمرار بعيدا عن مؤسسيها الذين انشغلوا عنها أو ماتوا. ويؤكد طاهر أن الحراك الثوري الذي شهدته اليمن عامي 2011-2012، أحدث انقطاعا في هذه المؤسسات بين المبدع والمتلقي، وأفقد هذه المؤسسات خاصية التواصل التي هي -حسب طاهر- العمود الفقري لاستمرار هذه المؤسسات. من جهته يرى المدير التنفيذي لمؤسسة الإبداع عبد السلام الشميري أن قطاعا كبيرا من المثقفين اليمنيين لا يهتمون كثيرا بالمنابر الثقافية الجماعية كالندوات والفعاليات الأدبية، وأن تلقيهم الإبداعي يتم بطرق أحادية، سواء عبر القراءة أو وسائط الاتصال الحديث، وهو ما أفقد هذه المؤسسات زخمها الجماهيري. ويلعب شح الإمكانات المادية وغياب الرؤية الإستراتيجية في عمل هذه المؤسسات دورا في هذا التراجع -وفق مدير مؤسسة السعيد بتعز فيصل فارع- الذي يؤكد أن غياب الاهتمام الرسمي بهذه المؤسسات يلقي بظلاله على هذه القضية، ويضرب على ذلك مثالا بمؤسسته التي قدمت حضورا فاعلا في 17 نشاطا ثقافيا متنوعا، ومع ذلك فليس لها أي وجود في إحصائيات وزارة الثقافة. وعلى صعيد الإنجاز يرى فارع أن هذه المؤسسات مثلت إضافة نوعية للمشهد الثقافي المتّسم بالركود، وأضفت على المناخ الثقافي شكلا جديدا بعيدا عن تلك الرتابة القاتلة التي ظلت المؤسسة الرسمية تدور في فلكها عقودا من الزمن، وأنها عملت إلى حد كبير على تفعيل دور المثقف، وإتاحة الفرصة له عبر منابرها لإيصال صوته، سواء عن طريق النشر أو عن طريق الفعاليات الأخرى. ومن جهته يرى عبد الباري طاهر أن أهم ما حققته هذه المؤسسات هو وجود تيارات مختلفة، نشأت فيها، وترعرعت، وأعلنت عن وجودها في مختلف مجالات الإبداع، أما الشميري فيرى أنّها -أي المؤسسات الثقافية- عملت على توسيع المشترك المعرفي والفكري بين التيارات المختلفة، وحققت تواصلا بينها، بعيدا عن الخطاب الرسمي الذي كثيرا ما يختزل الشرعية الفكرية في أطروحات تتسم بالحدية السياسية. ويرى عبد الباري طاهر أن مؤسسة العفيف رغم إمكانياتها المتواضعة فإنها رفدت المكتبة العربية بما يزيد عن ستين إصدارا، لعل أبرزها "موسوعة العفيف" التي تستعد المؤسسة الآن لإصدار نسختها الثالثة، إضافة إلى تلك البرامج المتنوعة التي حاولت أن تستوعب المشهد الثقافي إبداعا ومبدعين، ومنح جائزة العفيف في مجالات العلوم الإنسانية، والآداب والفنون، والعلوم التطبيقية، والتي توقفت بموت المؤسس (أحمد جابر عفيف المتوفى عام 2010). أما مؤسسة السعيد فقد استطاعت -حسب فيصل فارع- أن تؤسس لفعل ثقافي متميز في محافظة تعز خصوصا وفي المشهد اليمني عامة، عبر مكتبتها الواسعة التي تلبي رغبة القراء والباحثين في مختلف أفنان المعرفة وفنونها، إضافة إلى برامجها المتسمة بالاستمرار، ومنها جائزة السعيد التي تشمل ثمانية مجالات، قيمة كل مجال ثلاثة ملايين ريال (حوالي 14 ألف دولار) إضافة إلى برنامج المؤسسة السنوي الذي يشمل معرضا للكتاب، وحفل توزيع الجائزة. وعن "مؤسسة الإبداع" يتحدث الشميري عن ثلاثين إصدارا متنوعا أصدرتها المؤسسة، وعن برامج عديدة تبنتها المؤسسة، وعن مكتبة تعد الأكبر في صنعاء من بين المكتبات الخاصة، يرتادها كثير من القراء والباحثين لقربها النسبي من عدد من الجامعات اليمنية. غير أنه يرى أن "موسوعة أعلام اليمن" هي الإنجاز الأكبر للمؤسسة، وقد استغرق العمل فيه عقدا ونصف العقد، وجمعت بين دفتيها ما يقارب 15 ألفا من أعلام اليمن في مختلف المجالات، وقد دشنت هذه الموسوعة موقعها على الإنترنت، ويتوقع صدور الطبعة الأولى من نسختها الورقية قريبا.