نواكشوط - وكالات
اعتبر الباحث الموريتاني، حماه الله ولد ميابى، أن مجالس قراءة وختم صحيح البخاري تعد من ضمن المواسم الدينية الثقافية الضاربة في القدم ببلاد الغرب الإسلامي. وقال حماه الله، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط، في محاضرة تحت عنوان "قراءة صحيح البخاري بشهري رجب وشعبان في بلاد الغرب الإسلامي" ألقاها، مساء أمس الأربعاء بالمركز الثقافي المغربي بنواكشوط، إن موسم قراءة صحيح البخاري في مجالس مهيبة تقليد يكشف عن وحدة ثقافية ودينية كاملة بين كافة أقطار منطقة الغرب الإسلامي التي وصلها الجامع الصحيح في وقت مبكر من تأليفه في حدود منتصف القرن الخامس الهجري. وأبرز حماه الله، الحائز على الدكتوراه من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط عام 2011 في موضوع "وحدة المخطوط العربي"، المكانة الهامة التي يحظى بها الحديث النبوي الشريف في الإسلام، إذ يشكل المصدر الثاني للشريعة بعد القرآن الكريم، وتم بالتالي الاعتناء به رواية ودراية في فترة مبكرة من تاريخ الإسلام. وقال إنه فور اتساع النشاط العلمي، أوتي حظا أوفر من تلك العناية، فكثر المشتغلون به من الأئمة، وألفت فيه مؤلفات هامة، غير أن كتاب الجامع الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخاري أولي من العناية لدى المسلمين في كافة الأصقاع ما لم يول لغيره، بيد أن تلك العناية عرفت في بلاد الغرب الإسلامي أوجها لم تعرفها في باقي البلدان الإسلامية الأخرى بتخصيصه موسما احتفاليا سنويا مهيبا يحضره الشيوخ وعلية القوم ويؤمه طلاب العلم وعامة الناس من كل حدب وصوب. وذكر المحاضر بأن تلك المواسم أخذت صبغتها الرسمية في تونس على عهد الدولة الحفصية، وفي المغرب الأقصى على عهد الدولة الوطاسية، ذلك أن أول عالم قام بهذا العمل في العهد الوطاسي، هو الإمام الشهير محمد بن أحمد ابن غازي العثماني المكناسي المتوفى بمدينة فاس سنة 919 هÜ ، الذي كان يتولى سرد صحيح البخاري بنفسه في شهر رمضان من كل سنة حينما سكن بمدينة فاس ثم استمرت تلك السنة في عهد الدولة السعدية التي كان سلطانها العالم أبو العباس المنصور الذهبي السعدي، يتولى قراءة صحيح البخاري بنفسه، ويفسح المجال للعلماء في البحث والمناقشة. وأضاف المحاضر أن ملوك الدولة العلوية ساروا على نهج الدولتين الوطاسية والسعدية ولا زالت هذه السنة الحميدة قائمة حتى اليوم، لكنها عرفت تطورا جديدا بفضل الدروس الحسنية الرمضانية التي كانت تلقى في أول الأمر في حضرة جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه ومن بعده في حضرة وارث سره أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس. وذكر حماه الله ولد ميابي أن هذا التقليد عرف في مدن الساحل الإفريقي وبلاد شنقيط منذ القرن السادس الهجري تقريبا مع مجيء طلاب القاضي عياض ولا زال مستمرا ببعضها حتى اليوم، مشيرا إلى الاختلاف في الزمن الخاص بهذا الموسم، بحيث هناك من يخصص له شهري رجب وشعبان، وهذا هو الغالب في معظم مدن المغرب والجزائر والساحل وبلاد شنقيط، ويضيف إليهما بعضهم شهر رمضان، وفي بعض المدن الأخرى لا يقرأ إلا في شهر رمضان فقط، كما هو الشائع في تونس. كما اختلف في الوقت المخصص له أيضا، فبعضهم يبدأه بعد صلاة الصبح، وبعضهم خلال وقت الضحى والبعض الآخر بعد صلاة الظهر. وأشار المحاضر إلى أن يوم بدء قراءة الصحيح ويوم ختمه يعتبران يومي احتفال كبير في أغلب هذه المدن، فيما يقتصر الاحتفال في بعضها على يوم الختم فقط، ويتمثل ذلك في إقامة حفل بهيج يحضره العلماء والوجهاء وجماهير غفيرة من عامة الناس الذين يتزينون بالملابس الجديدة كما هو الحال في الأعياد الأخرى، وتلقى القصائد للتنويه بالفقيه الذي تولى الختم، وبكتاب البخاري المختوم، ويحمل هذا الفقيه في بعض المدن على الأكتاف في موكب ضخم إلى داره وتقدم إليه بعض الهدايا. وذكر بأن المغاربة تنافسوا في وقف أملاك وعقارات ومخطوطات من نسخ البخاري وشروحه على كرسي سرد البخاري بأغلب المدن، واشتروا نسخ البخاري وشروحه بأثمان باهظة، مشيرا إلى أنه توجد ضمن الأوقاف المحبسة على قراءة صحيح البخاري بمسجد جامع النجارين بمدينة مكناس، نسخة خطية، كان المولى سليمان يعتمدها في قراءته للصحيح، وهي تقع في أربعة أجزاء، من الحجم الكبير، حبستها فطومة بنت أحمد العبدي على المسجد المذكور، بينما العقارات المحبسة لا تعد ولا تحصى.