القاهرة ـ أ ش أ
شهدت الساحة المصرية في الآونة الأخيرة نقاشات مكثفة وجادة ومتنوعة حول "الثورة الثقافية" فيما تعكس هذه النقاشات شعورا بأهمية تلك الثورة والحاجة الملحة "لثقافة تكفل ترسيخ قيم ثورتي 25 يناير و30 يونيو فى كل مناحى الحياة المصرية وتفاصيلها .
وكان الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل قد دعا في مقابلة تلفزيونية مؤخرا "لثورة ثقافية مفرداتها تقديم صحيح الدين وصحيح التاريخ وصحيح العلم" وهو مااستدعى تعليقا في عدة مقالات بجريدة الأهرام من جانب المفكر السيد يسين الذي يرى "اننا بحاجة ملحة لثورة ثقافية ترسخ جذور الدولة الحديثة والمواطنة وتقضي على منابع التطرف واتجاهات الارهاب".
وبحس المؤرخ لايحبذ الدكتور محمد عفيفي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة تعبير "الثورة الثقافية" نظرا لحمولته من الذكريات التاريخية السيئة والخبرات السلبية في دول اخرى ومن ثم فهو يفضل تعبير "المشروع الثقافي القومي".
واوضح الدكتور محمد عفيفي مايعنيه بالمشروع الثقافي القومي بقوله ان "التحدي في مصر ثقافي في المقام الأول" مؤكدا على انه "لااقتصاد بلا ثقافة ولانهضة اقتصادية دون ثقافة تفضي لهذه النهضة" كما لفت لأهمية هذا المشروع في مجابهة الارهاب وحشد المصريين على قلب رجل واحد للتصدي لهذا الخطر وهزيمة القوى التي تغذي الارهاب ولاتريد خيرا لمصر والمصريين.
وفى اللحظات الكبرى والفاصلة فى حياة الشعوب عادة ماتظهر بشائر ثقافة جديدة للمرحلة الجديدة مثلما حدث فى المانيا بعد الحرب العالمية الثانية بابداعات مثقفين مثل الأديب الألمانى الراحل هاينرش بول والحاصل على جائزة نوبل فى الأدب عام 1972والذى يوصف بأنه "كاتب هز ضمير امته وانقذ لغتها من الضياع".
وبقدر ما سعى هاينرش بول لهز ضمير الأمة الألمانية وابرز عبثية الحرب ومحنة الاخلاق لم يكف عن ادانة مجتمع مابعد الحرب الذى شغل نفسه بالاستهلاك بدلا من محاسبة النفس وتجديدها بالأخلاق ليكون احد اصوات الثورة الثقافية وهى بالضرورة ثورة اخلاقية.
والروائي ورئيس التحرير الجديد لمجلة "ابداع" محمد المنسي قنديل يقول ان تعبير ثورة ثقافية هو تعبير جميل ولكن هذا التعبير تاريخه سيء معيدا للأذهان ان هذا المصطلح ظهر في الصين واستخدم كآداة من ادوات التطهير والقمع والتنكيل بالمعارضين ومن ثم "فنحن لانريد الثورة الثقافية بهذا المفهوم الانتقامي"..
والمراد من مصطلح "الثورة الثقافية" حسب الدكتور يوسف زيدان هو" الحركة المجتمعية الرافضة والهادفة الى تغيير مااستقر في المجتمع من افكار عامة وامور اعتقادية ورؤى عامة للكون" موضحا ان التغيير المنشود منها لايقع على المدى القريب لأنه يتم على مستوى البنية العميقة للعقل الجمعي ولاتنطوي بالضرورة على صخب علني او مواجهات عنيفة كتلك التي تعرفها الثورات السياسية.
واذا كانت الثورة الثقافية التي قادها الزعيم الصيني ماو تسي تونج نحو منتصف ستينيات القرن الماضي قد اقترنت بكثير من العنف والمظالم فان الصينيين يسترجعون الآن بالتقدير ثورتهم الثقافية التي قامت عام 1919 وقضت على الازدواجية الأخلاقية والاستعمار الأجنبي كما تقول مثقفة مصرية كبيرة هي الدكتورة نوال السعداوي في سياق تأكيدها على ان "النهضة لن تحدث الا بثورة ثقافية واخلاقية".