واشنطن ـ وكالات
يعتبر "اكتئاب ما بعد الولادة" مرض شائع بدرجة كبيرة بين النساء. والمصابات به ربما يشعرن بالحرج من الشعور بالاكتئاب، في فترة يفترض بها أن تكون من أسعد فترات حياتهن, ونتيجة لذلك ترفض الكثيرات طلب المساعدة، ولا يقدم بعضهن على العلاج، مما يؤثر سلباً في صحتهن النفسية، وفي نمو أطفالهن. وفي بعض الحالات، يعاني أبناء الامهات المصابات بأي نوع من الاكتئاب الذي لم يتم علاجه من تأخر في النمو المعرفي، ويحتاجون وقتا أطول للنضج العاطفي، أو قد يصابون بالاكتئاب. ولحسن الحظ، ثمة أنواع عديدة من العلاج لاكتئاب ما بعد الولادة. أسباب وعوامل خطر الاصابة باكتئاب ما بعد الولادة: يعتبر اكتئاب ما بعد الولادة نوعا من أنواع الاكتئاب الرئيسي. وينشأ هذا النوع من الاكتئاب بسبب مزيج من العوامل البيولوجية والنفسية وضغوط الحياة. وأثناء تقييم الحالة المرضية، من المهم بالنسبة للطبيب استبعاد المشكلات الطبية الأخرى التي يمكن أن تسبب أعراضا مماثلة لأعراض اكتئاب ما بعد الولادة ومن هذه المشكلات: - الأنيميا وهي تمثل إحدى المشكلات الصحية المحتملة التي قد تؤدي الى اكتئاب ما بعد الولادة ، وهي من المضاعفات الشائعة التي تحدث بعد الولادة نتيجة النقص في كريات الدم الحمراء الحاملة للأكسجين, وربما تؤدي الأنيميا إلى الإصابة بالإجهاد والاكتئاب، ولكن من السهل علاجها بإدخال تغييرات على النظام الغذائي أو اللجوء إلى مكملات الحديد. - الإصابة بقصور الدرقية ربما تكون هي السبب في حدوث أعراض اكتئاب ما بعد الولادة. وأحيانا تؤدي الولادة إلى جعل الغدة الدرقية لا تعمل بكامل طاقتها، مما يترتب عليه تدهور الحالة المزاجية وانخفاض مستويات الطاقة, وعادة ما يشمل العلاج أخذ مكمل هرموني يومي لإعادة مستويات الطاقة إلى وضعها الطبيعي. وبعيدا عن المشكلات الطبية الأخرى، فربما تسهم العوامل التالية في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة: التقلبات الهرمونية: أثناء الولادة، ترتفع مستويات هرموني الأستروجين والبروجسترون بدرجة هائلة, ويساعد هذان الهرمونان في تمدد الرحم والحفاظ على غشائه، كما يساعدان أيضا في الاحتفاظ بالمشيمة (العضو الذي يزود الجنين بالمغذيات). وعلى الرغم من ذلك، فإنه في خلال 48 ساعة من بعد الولادة، تنخفض مستويات الأستروجين والبروجسترون. ونظرا لأن هذه الهرمونات التناسلية تتفاعل مع أنظمة ناقلات عصبية تؤثر في الحالة المزاجية، فإن الخلل الهرموني ما بعد الولادة يمكن أن يسبب حالة عدم استقرار عاطفي لدى السيدات بحيث يجعل تركيبهن البيولوجي أكثر عرضة لهذه التغيرات. إضافة إلى ذلك، فإن تنظيم هرمونات الضغط ربما يتعطل أثناء الولادة وفي فترة ما بعد الولادة، مما يزيد من المحنة التي تعاني منها النساء. حالات الاكتئاب السابقة: ان النساء اللواتي أصبن بأي نوع من الاكتئاب أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة من غيرهن, وعلى سبيل المثال، تصاب نسبة 10 في المائة من النساء اللاتي لم يصبن باكتئاب من قبل مطلقا باكتئاب ما بعد الولادة، مقارنة بنسبة 25 في المائة من النساء اللتي قد أصبن باكتئاب من قبل, وتعاني نسبة 50 في المائة على الأقل من النساء اللاتي يتعافين من أحد أعراض اكتئاب ما بعد الولادة من انتكاس للأعراض بعد ولادة أخرى. الإجهاد: تنام أمهات الأطفال حديثي الولادة ساعات أقل من المعتاد، لكن ربما النساء اللواتي يصبن باكتئاب ما بعد الولادة هن الأكثر حرمانا من النوم, ومن الصعب تحديد ما إذا كانت أعراض اكتئاب ما بعد الولادة ناتجة عن عدم النوم أو الاكتئاب أو أنها مزيج من الاثنين معا. وهناك عبارة وردت في أحد الأبحاث حول الموضوع وهي: «هل النساء كسولات أم كثيرات البكاء؟»، ربما تكون الإجابة ممثلة في الأمرين معا. وكشفت دراسة عن أن اضطراب النوم وحده - حتى بعد السيطرة على عوامل خطر أخرى - يزيد احتمالات إصابة النساء باكتئاب ما بعد الولادة. فقدان الدعم: تزيد الخلافات الزوجية والعزلة الاجتماعية من احتمالات إصابة الأمهات باكتئاب ما بعد الولادة. كذلك، تكون الآمهاتاء اللاتي ليست لديهن حلقة من الأصدقاء وأفراد الأسرة لدعمهن عاطفيا -أو مساعدتهن في رعاية الطفل- عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة. الوقاية: يمكن تقليل فرص الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة, من الخطوات الجيدة لتحقيق ذلك الهدف : -اللجوء إلى الأصدقاء أو الأسرة أو غير ذلك من شبكات الدعم الأخرى (مثل المؤسسات الدينية أو قنوات التواصل الاجتماعي) قبل موعد الولادة. وبتلك الطريقة، بمجرد ولادة الطفل، سيتعين على الوالدين طلب المساعدة العملية أو الدعم في ما يتعلق برعاية الطفل. -التمتع بنوم جيد أثناء الليل لذا من المهم اتخاذ أية خطوة من أجل زيادة فرص تمتعهم بالقسط الكافي من النوم. ومن احدى الاستراتيجيات العملية التي قد تساعد الام: سير الأم كل صباح مع جر الطفل في عربة الأطفال، بحيث تتعرض الأم والطفل للضوء الطبيعي، الذي يمكن أن يساعد في ضبط إيقاع الاستيقاظ والنوم اليومي, ويجب أن تحاول الأمهات أيضا النوم بعض الفترات أثناء النهار كلما أمكن لتعويض حرمانهن من النوم ليلا بسبب اضطرارهن للاستيقاظ لإرضاع الطفل. وربما ترغب االنساء المعرضات بدرجة كبيرة لخطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة - مثل هؤلاء الواتي قد أصبن باكتئاب ما بعد الولادة في الماضي- في اتخاذ خطوات إضافية لوقاية أنفسهن من الإصابة به مرة أخرى وهي وتشمل العلاج النفسي والدوائي، باستخدام الوسائل العلاجية نفسها التي استخدمت في علاج أي اكتئاب سابق وذلك بعد استشارة الطبيب, العلاج: تعتمد خيارات علاج اكتئاب ما بعد الولادة على مدى حدة الأعراض وأيضا على التفضيل الشخصي: -العلاج النفسي: حينما تكون أعراض اكتئاب ما بعد الولادة خفيفة، ربما يساعد العلاج النفسي وحده في تحسين المزاج, وربما يساعد العلاج السلوكي المعرفي في تعلم كيفية تغيير الطريقة التي يفكرن بها في تجربة ما بعد الولادة - ربما بتغيير توقعاتهن - بهدف التقليل من الضغوط وتحسين المزاج. -مضادات الاكتئاب: تساعد مجموعة من مضادات الاكتئاب في تخفيف أعراض اكتئاب ما بعد الولادة الخفيف إلى الحاد. وبالنسبة النساء اللاتي لا يرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية، فهنا يعتمد اختيار الأدوية على الأعراض والتفضيل الشخصي والآثار الجانبية: مثبطات امتصاص السيروتونين (Serotonin reuptake inhibitors – SSRIs): مثل السيرترالين أو الفينلافاكسين إلى حالة خمول (ضرورة إضافية بالنسبة للامهات اللاتي يجدن صعوبة في الاستيقاظ أثناء النهار بسبب حرمانهم من النوم ليلا)، ولكن يمكن أن تسبب مشكلات جنسية، مثل فقدان الشهوة الجنسية أو صعوبة في الوصول إلى ذروة اللذة الجنسية أثناء العلاقة الحميمة. مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات: مثل الإميبرامين أو النورتريبتيلين تؤدي الى النعاس، ولكن هذا ربما يكون أمرا مرغوبا فيه بالنسبة لمن يعانون من الأرق كعرض من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة. البوبروبيون: وهو نوع جديد من أنواع مضادات الاكتئاب يعمل بطريقة مختلفة عن أنواع مضادات الاكتئاب الأخرى وربما يجدي نفعا إن لم تفد الأدوية الأخرى. وبإمكان السيدات اللاتي يرغبن في إرضاع أطفالهن أخذ مضادات الاكتئاب أثناء فترة ما بعد الاكتئاب, وعلى الرغم من أن جميع العلاجات النفسية تترسب في حليب الأم، فإن بعضها لا ينتقل إلى الطفل الرضيع، أو ينتقل بمستويات منخفضة يعتبرها الأطباء آمنة نسبيا. وتشير الأبحاث إلى أن أكثر الخيارات أمانا بالنسبة للأمهات اللاتي ترضعن أطفالهن رضاعة طبيعية هو السيرتالين المثبط لامتصاص السيروتونين ومضاد الاكتئاب ثلاثي الحلقات، النورتريبتيلين. ويمكن وضع خطة تتبعها الأم المرضعة في بدء تناول أحد مضادات الاكتئاب بأقل جرعة ممكنة وزيادة الجرعة عند الضرورة، مع متابعة الرضيع للكشف عن أي إشارات دالة على ردود فعل عكسية، مثل الاهتياج والترنح وانعدام القدرة على اكتساب الوزن أو التغيرات في مواعيد الرضاعة. الأطفال الرضع الأكثر عرضة لتفاعلات الأدوية هم الاطفال الذين تقل اعمارهم عن ثمانية أشهر، الذين ولدوا قبل الأوان، وأيضا المصابون بمشكلات صحية أخرى. -الصدمات الكهربائية: حينما تكون أعراض اكتئاب ما بعد الولادة حادة، وعند حدوث إصابة بذهان ما بعد الولادة أو حينما يكون هناك احتمال للانتحار، ربما يكون العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT) اختيارا معقولا لأنه فعال وتأثيره أسرع من الأدوية.