سلفيت – صفا
لا تقتصر انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي على الإعلان عن بناء مئات الوحدات الاستيطانية على أراضي الضفة الغربية والقدس لقضم آلاف الدونمات وتقطيع أوصال القرى والمدن، بل يتعدى ذلك إلى سرقة التاريخ أيضا. مستوطنة "ليشم" الواقعة غرب مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية، والمقامة على أراضي بلدتي كفر الديك ودير بلوط بدأت بالوحدات الاستيطانية الجديدة تحاصر حول أشهر موقع أثري، والمسمى بخربة دير سمعان. ودير سمعان هو موقع أثري قديم منحوت بالصخور، وجزء كبير منه يقع تحت الأرض، يعود تاريخه إلى 1600، ويتبع للحضارة البيزنطية، ويحوي معاصر للزيتون والعنب وآبار مياه وأقواس وفسيفساء ويضم كنيسة رومانية. ومنذ اليوم الأول لبناء المستوطنة الجديدة في 2013 يسابق المستوطنون الزمن في توسيعها لسرقة المزيد من الدونمات الزراعية والسيطرة على الموقع. ويقول الباحث في شؤون الاستيطان خالد معالي لوكالة "صفا": "إن الحكومة الإسرائيلية قررت بناء مئات الشقق السكنية في هذه المستوطنة، من بين 23 مستوطنة مقامة على أراضي محافظة سلفيت، و"ليشم" ثالث مستوطنة على أراضي بلدتي كفر الديك ودير بلوط بعد "بدوئيل" و"عالي زهاف". ويوضح أن "المستهدف هذه المرة هي آثار دير سمعان، وفي كل يوم تقترب جرافات الاحتلال من ثلاثة اتجاهات نحو الموقع، ولم يبق سوى طريق واحد لدخول الفلسطينيين إليه، وخلال الأشهر القليلة القادمة سيغلق الاحتلال المنطقة بالكامل في حال استمرت وتيرة البناء اليومي بهذه الصورة". ويضيف "يسرق القائمون على المستوطنة الحجارة والقطع الأثرية من دير سمعان إلى المستوطنة لبناء الجدران ورصف الشوارع وإقامة الحدائق، وينظمون رحلات سياحية دورية لتعريف المستوطنين بيهودية الدير وملكيتهم له، كما يضعون حارسا لمراقبة الموقع في بعض الأحيان، وفي أية لحظة يغلقون الطريق الوحيد أمام أصحابه الحقيقيين". صلاحيات مقيدة ويؤكد معالي أن سهولة السيطرة على المواقع الأثرية تعود لعدم قدرة الجانب الفلسطيني على التحكم بأملاكه ومقدراته في المناطق المصنفة (ج) حسب تصنيفات اتفاقية أوسلو عام 94. وفي ذات السياق، يقول مدير بلدية كفر الديك موسى قصول لـ"صفا": إن "بلديته مقيدة ولا تستطيع عمل أي شيء لمنع زحف البناء الاستيطاني في محيط الدير، بسبب انحسار صلاحية البلدية داخل المخطط الهيكلي للبلدة، وبذلك يصبح الدير عرضة للسرقة". ويقول: "قدمنا أوراقا ثبوتية بملكية الأراضي للارتباط الفلسطيني، ورفع أصحابها قضايا لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية، وطالبنا وزارة السياحة والآثار بعمل سياج حول الموقع ووضع حارس لحماية الآثار الموجودة بداخلة، وخلال وقت قصير زار الموقع وفد من الوزارة للاطلاع على إجراءات الاحتلال الاستيطانية، إلا أن الرد على مطالبنا اصطدم بحائط تصنيفات (أ، ب، ج)". ويوضح أن البلدية تبذل مساع حثيثة لتثبيت الحق الفلسطيني لملكية الدير بكافة السبل، من خلال مطالبة الوزارة والمؤسسات بإدراج الموقع على قائمة الآثار في منظمة الأمم المتحدة للتربة والعلوم والثقافة "اليونسكو" باعتباره موقع أثري فلسطيني قديم". ودعا قصول الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات لزيارة الدير لفضح ممارسات المستوطنين قبل فوات الأوان، لوجود كنيسة مسيحية بداخله، كما وجه رسالة للرئيس محمود عباس يطالبه فيها بطرح القضية خلال المفاوضات، داعيا المؤسسات الحقوقية لرفع قضايا قانونية للمحاكم الإسرائيلية والدولية ضد مصادرة أراضي الموقع". شكاوى دون جدوى وتستمر جرافات الاحتلال بتفتيت المعالم الفلسطينية دون الالتفات للأعراف والمواثيق، وانتهاج سياسة أمر واقع قائمة في السيطرة والتوسع. ويقول مدير دائرة الآثار في سلفيت منتصر موسى لـ"صفا": "خلال الأسبوع الماضي زرنا الموقع وقدمنا توصيات لوزارة السياحة والآثار لرفع شكاوى لليونسكو، إلا أن الاحتلال لا يعترف بالقانون الدولي ويضرب بعرض الحائط جميع القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة". ويؤكد أن قرابة 90% من الأراضي المحيطة بالدير سيطر عليها المستوطنون وجرى تجريف قسم كبير منها، لافتا إلى أن الاحتلال سيغلق المنطقة جميعها خلال الشهرين القادمين. وعن إمكانية حشد التضامن الدولي من خلال المتضامنين الأجانب يقول موسى: إن" أغلب السياح الأجانب الذين يأتون لزيارة المواقع التاريخية مرتبطين بمكاتب سياحة ومرشدين سياح إسرائيليين، ويتم تعريفهم بالأماكن الأثرية من وجهة نظر إسرائيلية، وتندر زيارتهم للمواقع الفلسطينية المعرضة للمصادرة". بينما يدعو خبير الآثار عبد الله كلبونة في حديث لـ"صفا" إلى وضع برنامج لحماية المواقع الأثرية المستهدفة بالتعاون مع جميع المؤسسات الرسمية والحقوقية والشعبية. ويلفت كلبونة إلى أن حماية الآثار تبدأ أولا بالحفاظ على الأراضي وتوعية المواطنين بضرورة الاهتمام بها، وملاحقة تجار الآثار وكل من يبيع القطع الأثرية للاحتلال". ويدعو إلى عمل رسمي وجماهيري من خلال تنظيم رحلات جامعية ومدرسية وبحثية على مدار الوقت لجميع المواقع المهددة، ورصد مبالغ مالية لإعادة ترميمها وتسييجها ووضع حراس دائمين فيها.