الرباط - الدار البيضاء
يوسف إيدي: ثقة المغاربة في السياسة لا تسترجع فقط بالوعود الانتخابية لكن أساسا بالوفاء بتلك الوعودموقفنا الاصطفاف في المعارضة، وهي معارضة مسؤولة، واعية برهانات المرحلة، وشرسة في مناهضة كل السياسات الماسة بأمل الشعب وطموحه في العيش بكرامة وعزة نفسp مستعدون بكل ثبات ونكران الذات، وفاء لقضايا الوطن ومصالح المواطنين ولمواجهة التحكم والإقصاء والهيمنة
السيد رئيس مجلس المستشارين المغربي المحترم
السيد رئيس الحكومة المغربية المحترم
السيدات والسادة أعضاء الحكومة المحترمين
السيدات والسادة أعضاء المجلس المحترمين
يشرفني أن أتناول الكلمة بصفتي رئيسا للفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين وبصفتي أيضا ممثلا وبرلمانيا عن الفدرالية الديمقراطية للشغل.
وأؤكد في البداية على موقفنا القاضي بالاصطفاف في المعارضة الوطنية التي خبرها حزبنا لعقود من الزمن، وهي معارضة مسؤولة، واعية برهانات المرحلة، يقظة ومتيقظة في الدفاع عن مصالح وتطلعات الشعب المغربي، وشرسة في مناهضة كل السياسات الماسة بأمله وطموحه في العيش بكرامة وعزة نفس. وهو موقف اخترناه بكل وطنية ووضوح في الرؤية، بعد بروز توجه هيمني يسعى إلى إفراغ الديمقراطية التمثيلية وصنوتها التشاركية من عمقهما، والاستقواء بأغلبية عددية دون امتداد سياسي أو مجتمعي حقيقي. وأيضا، وهذا هو الأخطر، إلى التطبيع مع المواقف الملتبسة والتحالفات الهجينة التي تجعل مصلحة الفئة أوالحزب أقصى طموحاتها.
السيد رئيس الحكومة المحترم،
لقد استمعنا بإمعان لتصريحكم الحكومي وسجلنا غياب خطوط الربط بين المنطلقات والنتائج المتوخاة، ولنا في ذلك ملاحظات كثيرة لا يسع الوقت المخصص لفريقنا أن نتحدث عنها تفصيلا، وسأكتفي ببعض الإشارات الدالة فقط.
السيد الرئيس، وأنتم تعلنون عن معدل النمو المتوقع والذي حددتموه في 4 بالمائة، فهو رقم يقل عما زفه صاحب الجلالة للشعب في خطاب افتتاح البرلمان بخصوص هذه السنة، وهل بهذا الطموح المتواضع ستتمكن الحكومة من إحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل، كما جاء في تصريحكم؟
وعن مناصب الشغل التي ستحدثونها والأوراش ومبادرات التشغيل التي تعهدتم بإطلاقها وغيرها من الوعود التي قدمتم دون تشخيص موضوعي لواقع بلادنا ومجردة عن مصادر تمويلها، والحال أن المديونية الخارجة تستنزف 60 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ودون جدولة زمنية ولا خطة عمل مؤيدة تجعل من تلك الوعود برنامجا قابلا للتطبيق.
لقد أكدتم السيد الرئيس في تصريحكم أن المغاربة صوتوا على البرامج الواقعية، وهو ما نتمناه، لكننا لا نجد في تصريحكم ما يعكس تلك البرامج التي وصفتموها بالواقعية والطموحة، فثقة المغاربة في السياسة لا تسترجع فقط بالوعود الانتخابية لكن أساسا بالوفاء بتلك الوعود.
كما سجلنا غياب قطاعات وازنة ومهمة عن برنامجكم كالقطاع البحري والقطاع البنكي الذي تشكل قوته قاطرة لاقتصاد بلدنا وتشجيع الاستثمار وقطاع المعادن والمناجم بموارده المهمة وفي مقدمتها الفوسفاط وقطاع العدل الذي لا زال يتلمس طريق تعاون السلط وتوازنها بعد إقرار استقلال السلطة القضائية مع ما يستلزمه الأمر من دعم ومواكبة وتخصيص الموارد المالية اللازمة لهذا الإصلاح المؤسساتي العميق.
كما غاب عن تصريحكم دعم الفئات المجتمعية في وضعية هشاشة وفي مقدمتها الشباب والنساء اللاتي اقتصر تصريحكم الحكومي بخصوصهن على رفع مستوى نشاطهن الى 30 بالمائة مهملا ما هو أهم من ذلك وأساسا تعزيز آليات مناهضة العنف ضد النساء وإقرار مؤسسات الدعم النفسي والمساعدة الاجتماعية لهن و تعزيز المشاركة السياسية للنساء. وفي هذا الإطار نعتز في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بكون التاريخ يسجل لنا أن حكومة أخينا الفقيد عبد الرحمان اليوسفي هي الحكومة الوحيدة في تاريخ المغرب التي قدمت خطة عمل وطنية متكاملة لفائدة المرأة المغربية.
قلتم السيد الرئيس، إن برنامجكم «يقدم إجابات واقعية وطموحة للخروج من الأزمة» فعن أي أزمة تتحدثون؟ وحزبكم شارك في كل الحكومات المتعاقبة منذ تأسيسه.
إن ما قدمتموه كبرنامج لدعم ركائز الدولة الاجتماعية يظل دون مستوى الطموح المعبر عنه من طرف جلالة الملك للتصدي لمختلف أنواع الإقصاء الاجتماعي للفئات الفقيرة والهشة والمناطق الأشد خصاصا. ولم يعط أجوبة شافية وواقعية للحد من مظاهر العجز على مستوى التفاوتات المجالية، والفوارق الاجتماعية سواء بمقياس الدخل أو بالنظر إلى مؤشرات الولوج إلى الخدمات العمومية وسد الحاجيات الضرورية للعيش الكريم.
كنا ننتظر منكم إجراءات عملية للتقليص من الفوارق المتعددة الأبعاد، سواء التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين الجهات، أو بين القرية والمدينة، أو الفوارق بين الجنسين، وغيرها من أشكال العجز عن كسب رهان العدالة الاجتماعية والإنصاف المجالي. وهو ما لم نجد له أي أثر في برنامجكم.
كنا ننتظر برنامجا محكما لإرساء منظومة للحماية الاجتماعية أكثر إنصافا وفعالية، قادرة على الصمود اقتصاديا واجتماعيا في وجه التقلبات البيئية والمخاطر الاجتماعية، لكن أملنا خاب مرة أخرى.
كنا ننتظر برنامجا قويا لتجاوز كل العوائق التي حالت دون وضع المغرب على السكة تنمية قوية دامجة ومستدامة، لكننا لم نجد أي شيء يذكر سوى كلام في كلام.
السيد الرئيس المحترم
إن المغرب الذي انخرط بشكل طوعي في العديد من الاتفاقيات الدولية والإرادة السياسية المعبر عنها من طرف أعلى سلطة في البلاد، وما يتضمنه الدستور من مبادئ عامة شكلت مرتكزات تنهض عليها هيئات الحكامة الجيدة، مُطالب اليوم باستثمار الفرصة الزمنية وكل العوامل المحفزة لإدماج جميع الفئات الاجتماعية في عملية خلق الثروة واقتسام ثمارها، وتحقيق الحماية الاجتماعية للجميع وفق مبادئ العدل والإنصاف وتكافؤ الفرص، والحد من مختلف أشكال الهشاشة والإقصاء الاجتماعي وتحسين ظروف عيش المواطنين طبقا للمبدأ العالمي «عدم ترك أي أحد خلف الركب». غير أنكم السيد الرئيس استنكفتم عن الحديث عن الحوار الاجتماعي، سواء من حيث مأسسته أو أجنداته. ولكم أن تعلموا أن كل الدول المتقدمة تنظر إلى الحوار الاجتماعي ليس كوسيلة لدعم الحقوق الأساسية في العمل فحسب بل أيضا لتعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي. كما تعتبر غيابه أو ضعفه كعائق للتنمية الاقتصادية. وأتمنى أن تتداركوا هذه الهفوة وتعلنوا عن استعدادكم لفتح باب الحوار مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين.
السيد الرئيس المحترم،
تحدثتم عن «استرجاع ثقة المواطن في العمل السياسي، وتحصين مكتسبات دولة الحق والقانون..» وإننا نقول لكم بملء أفواهنا وأفئدتنا بأن استرجاع الثقة تقتضي أولا، العمل بكل الوسائل الممكنة من أجل تجفيف بؤر الفساد وتطهير الاقتصاد من شوائب الريع والاحتكار والامتيازات ووضع حد لاختلاس المال العام والاستيلاء على الثروات الوطنية ونهبها خارج القانون وخارج مقتضيات المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص. وهي الخطوة الأولى في اتجاه إعادة الثقة للمواطن في المؤسسات من جهة، ومن جهة ثانية دعم تطوير القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني والرفع من الإنتاجية.
حديثكم السيد الرئيس عن تحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل لا يجب أن يكون مبررا لشيوع العمل غير اللائق وخلق مزيد من الهشاشة في سوق الشغل. وفي هذا الإطار لم نسمع منكم إجراءات لتصحيح الوضعية الاجتماعية لمئات الآلاف من العمال والأجراء والمستخدمين (نتحدث هنا عن حوالي مليون ونصف من الأجراء غير مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ولا يستفيدون من نظام الحماية الاجتماعية). لم نسمع منكم إجراءات لإعمال قواعد المراقبة والزجر لإلزام المشغلين بالتقيد بأحكام القانون ومحاربة البؤر ذات المخاطر الكبيرة للتهرب مما تفرضه المسؤولية الاجتماعية والتصدي لكل الممارسات المنتهكة لأحكام تشريع الشغل، والعمل على استرداد ديون الضمان الاجتماعي التي تقع على كاهل المقاولة وإلزامها بتطابق تصريحاتها مع الواقع.
لم يتطرق البرنامج الحكومي لإجراءات إدماج القطاع غير المهيكل، وتحفيز انتقال الأنشطة والأفراد الفاعلين فيه على الاندماج في النسيج الاقتصادي المهيكل حتى تتمكن من الاستفادة من المزايا القانونية والاجتماعية والجبائية والولوج إلى التمويلات المتاحة. كما لم نجد أثرا لإجراءات لمحاربة الأنشطة الكبرى للقطاع غير المهيكل ذي المداخيل العالية وتشديد الإجراءات الزجرية تجاه هذا النوع من الأنشطة والذي يضر بالاقتصاد الوطني بسبب غياب مساهمته في المداخيل الضريبية (الضريبة على الشركات، الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية) بالإضافة لما ينتج عنه من هشاشة في الأجور وغياب الحماية الاجتماعية للمشتغلين فيه.
تحدثتم السيد الرئيس عن «مواكبة الحكومة لمسار الإصلاح الضريبي» في حين كنا ننتظر الإعلان عن إقرار إصلاح ضريبي شامل، يقلص من الضغط الجبائي على الملزمين، ويضمن توزيعا عادلا للتكاليف الضريبية ومطابقة النظام الضريبي مع المعايير الدولية والتجارب الفضلى في السياسات والحكامة الضريبية، وتقوية آليات محاربة الغش والتملص الضريبيين.
السيد الرئيس
السيدات والسادة
إن السياق الوطني العام كان يتيح فرصا ثمينة من شأنها إذكاء دينامية قوية، ونقلة نوعية نحو أفق جديد لدولة الحقوق والحريات، مؤطرة برؤية استراتيجية شاملة ومتكاملة، ومتعددة الأبعاد تتغذى من روافد التكامل المؤسساتي، وتتقوى باستثمار ناجع للرصيد التراكمي المنجز والذي ساهم فيه حزبنا بكل وطنية، ومشفوعة برزنامة من البرامج والاستحقاقات لتنزيل مضامينها على أسس صلبة، بوضوح تام في الرؤية وكثير من الجرأة في الاختيارات. وكانت الفرصة مواتية لتحقيق التقدم المنشود وتحدي كل الكوابح التي تحول دون تحقيق الأهداف وإرساء أسس تعاقد جديد. غير أن تقلبا وقع على هذه المنهجية، وتحولا طارئا وقع في هذا المسار.. نتمنى ألا تضيع المزيد من الفرص عبر فرض الهيمنة على القرار العمومي، وإرساء ثقافة التهميش والإقصاء البغيضة..
السيد الرئيس
في البناء نحن مستعدون دائما بكل ثبات وجد ونكران الذات، وفاء لقضايا الوطن ومصالح المواطنين. ولمواجهة التحكم والإقصاء والهيمنة فنحن الأشداء المدافعين عن الفلسفة التي انبنى عليها دستور 29 يوليوز 2011، والتجسيد الفعلي لمقتضياته التي جعلت من مبدأ إعلاء كرامة المواطن أحد مقومات الدولة الديمقراطية التي يسودها الحق والقانون.
قد يهمك ايضا:
عزيز أخنوش يعلن عن بدأ مشاوراتة لتشكيل الحكومة المغربية
عزيز اخنوش يؤكد أنة سيتم فتح مشاورات مع الأحزاب السياسية لتكوين أغلبية حكومية