باريس ـ الدار البيضاء اليوم
يعدّ مِن الصعب أن تكتب عن أهمية رجل بعينه في وقت يمر فيه العالم بمأساة لا يمكن وصفها، وقد يبدو الاهتمام بشكل خاص بشخص توفي بعد الإصابة بفيروس "كورونا" تعسفياً أو قاسياً في الوقت الذي يموت فيه عشرات الآلاف الآخرين في جميع أنحاء العالم بسبب تفشي هذا الوباء، ومع ذلك، يستحق باب ضيوف كل الثناء والتقدير.
ولد ضيوف في تشاد لوالدين سنغاليين، وانتقل إلى مدينة مرسيليا الفرنسية وهو في الثامنة عشرة من عمره، لكي يلتحق بالجيش في البداية، لكنه كان حريصاً على شق طريقه الخاص والاستفادة القصوى من كل الفرص التي قد تتاح أمامه في فرنسا. ولسوء حظ والديه، بدأ ضيوف العمل في مكتب بريد، وتخلى عن دراسته من أجل تولي منصب يحصل من خلاله على عائد مادي أكبر. وقد ساعدت هذه الرحلة الشاقة في تشكيل شخصيته الصارمة والحادة. وعندما أصبح وكيلا للاعبي كرة القدم، لم يصبح شخصية مؤثرة وفعالة فحسب، لكنه أصبح يتمتع بعلاقات كثيرة ومتشعبة أيضا.
عمل ضيوف لسنوات كصحافي في جنوب فرنسا، حيث كان يغطي أخبار نادي مرسيليا لصحيفة «لا مرسيليا»، في البداية كصحافي مستقل، ثم كمراسل، قبل أن ينتقل للعمل في صحيفة «لو سبورت» المحلية. وبعد أن أشهرت «لو سبورت» إفلاسها، استغل ضيوف علاقاته مع لاعبي مرسيليا للعمل كوكيل للاعبين. وواصل ضيوف العمل في هذا المجال حتى تحول إلى شخصية مؤثرة في عالم الرياضة، ورائد حقيقي في وقت لم يكن فيه وكلاء اللاعبين بنفس القوة التي هم عليها الآن.
وكان باسيلي بولي وجوزيف أنطوان بيل، اللذان لعبا لمرسيليا في ذلك الوقت، أول لاعبين يعمل معهما ضيوف. وكان هذان اللاعبان على وشك قيادة النادي لتحقيق أكبر إنجاز في تاريخهما، وهو الحصول على بطولة دوري أبطال أوروبا عام 1993، وأكبر خزي في تاريخهما أيضا، حيث تم تجريد النادي من لقب الدوري الفرنسي في ذلك الموسم، بعدما ثبت أنه قدم رشوة لنادي فالنسيان لتفويت إحدى المباريات.
وكان بولي هو بطل نهائي دوري أبطال أوروبا الذي حقق فيه مرسيليا الفوز على ميلان الإيطالي. وساهم هذا النجاح الكبير الذي حققه بولي، بعدما جاء من ساحل العاج في سن مبكرة، في أن يبدو ضيوف وكأنه الأب الروحي لهذا المدافع المميز. وقال بولي عندما سمع أن ضيوف قد توفي بعد إصابته بفيروس «كورونا»: «لا يمكنني حتى أن أتحدث. إنه لم يكن صديقا فحسب، لكنه كان أخا كبيرا بالنسبة لي. كل أطفالي ووالدي ووالدتي كانوا يعرفونه ويحبونه».
وفي ظل النجاح الكبير الذي حققه وكلاؤه من اللاعبين في مرسيليا - كان اللقب الذي سحب من النادي في عام 1993 سيكون هو اللقب الثالث على التوالي لمرسيليا - ارتفع نجم ضيوف بسرعة كبيرة. وسرعان ما عيّنه غريغوري كوبيه ومارسيل ديساييه وبرنارد لاما كوكيل لهم. وكان ضيوف يتميز بالذكاء الحاد والشخصية الجذابة، وهو ما ساعده على أن يحتل مكانة كبيرة بين وكلاء اللاعبين في فرنسا. لقد أدرك ضيوف أن كرة القدم أصبحت لعبة عالمية، وزاد تأثيره ونفوذه بالخارج، وخاصة في إنجلترا، بعد النجاح الكبير الذي حققه لاعبون مثل ديدييه دروغبا، ولوران روبرت، وديساييه بالخارج، وبعد النجاح الكبير الذي حققه المدير الفني الفرنسي آرسين فينغر في الدوري الإنجليزي الممتاز ورغبته في جلب المواهب الفرنسية إلى إنجلترا.
وفي عام 2004، عين مالك مرسيليا، روبرت لويس دريفوس، ضيوف كمدير رياضي للنادي، بفضل اتصالاته الواسعة وقدراته الكبيرة في إبرام الصفقات الجديدة. وعندما استقال المدير الفني لمرسيليا، خوسيه أنيغو، في وقت لاحق من ذلك العام، تم تعيين ضيوف رئيساً للنادي ليحل محل كريستوف بوشيه. وفي صيف عام 2004، باع مرسيليا النجم الإيفواري ديديه دروغبا إلى تشيلسي الإنجليزي، وعانى النادي الفرنسي كثيرا في النواحي الهجومية بعد ذلك ومر بفترة عصيبة للغاية. وهيمن نادي ليون على مجريات الأمور في تلك الفترة، وهو الأمر الذي جعل مرسيليا يبدو في وضع أسوأ. وعلى الرغم من معاناة مرسيليا في ذلك الوقت، تمكن ضيوف من أن يجعل الأمور تسير في صالحه، حتى في الوقت الذي أطاح فيه النادي بثلاثة مديرين فنيين في نهاية ذلك الموسم.
وفي الموسم التالي 2005 - 2006 لم تكن النتائج أفضل بكثير، حيث أنهى الفريق الموسم في المركز الخامس للمرة الثانية على التوالي، لكن تعاقد النادي مع فرنك ريبيري ومامادو نيانغ، بالإضافة إلى ظهور سمير نصري (الذي كان ضيوف هو وكيل أعماله أيضا) كان ينبئ بمستقبل جيد لهذا النادي. وتعاقد النادي مع عدد من اللاعبين في ذلك الوقت، من بينهم ستيف مانداندا وهيلتون، وهو ما يؤكد على أن تأثيره على كرة القدم الفرنسية لا يزال مستمرا حتى اليوم.
كما تصدر اسم ضيوف عناوين الصحف في ذلك الموسم بعد المباراة التي جمعت مرسيليا وباريس سان جيرمان على ملعب «حديقة الأمراء»، حيث كانت المنافسة مشتعلة على أشدها بين الناديين في ذلك الوقت. وقرر ضيوف، الذي كان على خلاف مع رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بشأن الإجراءات الأمنية للمباراة وعدد المقاعد المخصصة للاعبي الفريق الضيف، أن يلعب مرسيليا تلك المباراة بالفريق الاحتياطي، الذي نجح في التعادل دون أهداف مع باريس سان جيرمان في عقر داره. صحيح أن ضيوف لم يكن محبوبا للمسؤولين عن كرة القدم في ذلك الوقت، لكنه أصبح أسطورة في نادي مرسيليا.
ومع ذلك، تزايدت الضغوط على مرسيليا في ظل فشل الفريق في الحصول على أي بطولة الموسم بعد الآخر، وقرر النادي قطع العلاقات مع ضيوف في صيف 2009، على الرغم من أنه ساعد النادي على احتلال المركز الثاني في جدول ترتيب الدوري الفرنسي الممتاز، بفارق ثلاث نقاط فقط عن حامل اللقب. ولا يمكن إنكار حقيقة أن ضيوف هو من وضع الأسس التي مكنت مرسيليا من الفوز بلقب الدوري الفرنسي الممتاز في العام التالي، ووصول الفريق إلى الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا عام 2012 بعد مسيرة مثيرة للغاية. وقد تم اتهامه في وقت لاحق (لكن تمت تبرئته) بإبرام تعاملات غير شرعية في انتقالات اللاعبين، لكن لا يوجد أدنى شك في أنه ترك بصمة واضحة على تاريخ النادي الأكثر شعبية في فرنسا.
وكان ماثيو فالبوينا، الذي فاز بالدوري الفرنسي مع مرسيليا عام 2010، معجبا للغاية بالطريقة التي يعمل بها ضيوف، وقال عن ذلك: «لقد كان يتمتع بحضور لا يُصدق. وبالنسبة لي، فهو أفضل رئيس في تاريخ مرسيليا الحديث. وعندما رحل عن النادي عام 2009، فإنه ترك النادي في حالة جيدة للغاية. لقد كان قريباً من اللاعبين والعاملين بالنادي، وكان يعرف كيف ينقل رسائله للآخرين». وبعد رحيله عن مرسيليا، عمل ضيوف في كلية للصحافة في مرسيليا وخاض الانتخابات المحلية في المدينة أيضاً. ورغم أن ضيوف مات ضمن عدد كبير من ضحايا فيروس «كورونا» في الوقت الحالي، لكن يجب التأكيد على أنه كان شخصية استثنائية لم يقف العرق أو الطبقية أو المكانة الاجتماعية عقبة في طريقه، ولم يكن أي خصم يبدو كبيراً بالنسبة له، كما لم يكن الخوف يعرف طريقا إلى قلبه، وكان يتمتع بالصراحة والطموح، وهي الصفات التي جعلته يترك بصمة كبيرة على تاريخ نادي مرسيليا وكرة القدم الفرنسية والأوروبية ككل.
وقد يهمك أيضًا:
"الريال " يُحقق فوزه الرابع على التوالي بعد اكتساح "سيلتا فيغو"
"برشلونة" يعطي الفرنسي ديمبلي فرصة أخيرة للاستمرار بين صفوف الفريق