القاهرة _ الدار البيضاء اليوم
أكثر من مائة سيارة قديمة، رغم مرور ما يقرب من قرن وربع قرن عليها، إلا أنها لا تزال تعمل بكفاءة، وتشارك في أشهر الأعمال الفنية... هذا الأسطول يحتفظ به الحاج سيد سيما، ملك السيارات الأنتيكة في مصر، جمعه على مدار ما يقرب من 60 عاما.
سجل حافل بالأعمال الفنية التي شاركت فيها أنتيكات الحاج سيد، بداية من الأفلام الروسية والأمريكية مرورا بالأعمال العربية الشهيرة، من سينما وتلفزيون, وتعد هواية جمع السيارات القديمة جزء من شغفه بالأنتيكات، لأنه لا يجمع فقط السيارات، بل يحب أن يحتفظ بكل ما هو تحفة ونادر.
سيد سيما، 70 عاما، يقبع في ورشته التي يُصلّح فيها سياراته، ويجهزها لتظل دائما مستعدة للمشاركة في أي عمل فني، أو أن تكون جاهزة لما يطلق عليه في مجال السينما في مصر "أوردر".
يقول سيما، "بدأ حبي بالأشياء القديمة منذ طفولتي، وكنت أرفض التصرف في أي أموال معي وأجمعها لكي أشتري أي شيء قديم، وعندما أصبحت شابا زاد شغفي بالسيارات، فقرر أن أتعلم الميكانيكا، واشتغلت بالفعل في هذا المجال، وكلما جمعت أموال من عملي كنت أشتري سيارة قديمة، وأول سيارة قمت بشرائها هي "أوستن" موديل 1936 بسعر 70 جنيها وقتها، وكان ذلك في عام 1969، وكانت هذه السيارة ملك لمدير شركة "أوستن" البريطانية في مصر وقتها، وأشترتها فقط لأتعلم بها ميكانيكا السيارات القديمة، وبالفعل حدث وأصبحت ملم بكل فنياتها".
ويضيف "عملت لدى كبار الحرفيين في مجال الميكانيكا، منهم المهندس محمد الشيمي، واثنان من الأجانب المقيمين في مصر – خواجات – وهما أنطون وأمانتي، وتلعمت الميكانيكا بطريقة صحيحة بسبب حبي للسيارات، وحتى السيارات التي أمتلكها، حتى الآن أقوم بتصليحها بنفسي، رغم وجود فنيين معي في المركز، وفي بعض الأحيات أتركهم يعملون في السيارات لكن بتوجيه مني".
رغم وجود العديد من الفنيين والمتخصصين لديه في الورشة، إلا أنه يفضل أن يعمل بنفسه في تصليح سياراته، ويؤكد "كل السيارات الأنتيكة التي لدي لا يمكن أن يقوم أحد بتصليحها في مصر غير، وممكن أن تتلف السيارة نهائيا إذا قام أحد غيري بالعمل بها، كل سياراتي توجد في مدينة الإنتاج الإعلامي، لأن هناك عقد مشاركة بيني وبين المدينة، وأنا أحتفظ بالسيارة بشكلها الأساسي، لتظل ذات قيمة، وأنشئت هذه الورشة فقط لتصليح أسطول سياراتي، ولا أقبل العمل في أي سيارة غير سياراتي".
تعتبر هذه السيارات نادرة وتوقف تصنيعها منذ عشرات السنوات، الأمر الذي يجعل الحصول على قطع الغيار لتصليح الأعصطا أمر صعب جدا ويصل أحيانا إلى المستحيل، وعن هذه المشكلة، يقول سيما "أنا عندي قطع غيار قمت بتخزينها منذ سنوات، وفي حالة عدم وجود قطع غيار أقوم بتصنيعها خصيصا، أو اضطر إلى أن أقوم بتعديل بعضها"، مؤكدا أن السيارات أصبحت قليلة جدا، ولا توجد سيارات أنتيكة الآن في السوق، وكلما مر الزمن كلما أنقرضت تلك السيارات".
ويستكمل سيد سيما حديثه عن تاريخ أسطوله النادر، قائلا "أقدم سيارة لدي هي "أوبورن" موديل عام 1900، وهي تصنيع أمريكي، وقبل القرن العشرين، كانت السيارات بها أخطاء كثيرة لأنها كانت ما زالت في طور التصنيع والتجريب، لذلك لا توجد سيارات في مصر من القرن التاسع عشر.
"على حسب السيناريو يكون نوع الأوردر"، هكذا تحدث سيما عن السيارات التي يدخلها العمل الفني، قائلا "لا يمكن أن أشارك بسيارة موديل عام 1960 في فيلم تدور أحداثه في الخمسينيات، لافتا إلى أنه شارك في معظم الأفلام المصرية ، مع كل الفنانين مثل رشدي أباظة وعادل إمام وفاروق فلوكس وأشرف عبد الباقي وأحمد ماهر ومحمود عبد العزيز، وفريد شوقي، وشارك في أفلام شهيرة مثل "الممر وحرب كرموز وسلام ياصاحبي ومولد يادنيا"، ومسلسلات معروفة أيضا مثل "زيزنيا".
وعن طريقة إختيار سياراته للمشاركة في التصوير، يقول الحاج سيد سيما "يأتي المخرج إلى الورشة أو المعرض الموجود في مدينة الإنتاج الإعلامي، ويختار السيارات المناسبة للعمل الفني والحقبة الزمنية التي تدور فيها أحداث الفيلم أو المسلسل، كما يتم تخصيص سيارة لأبطال العمل الفني، أي أنه يتم تحديد السيارة التي يقودها البطل أو البطلة من البداية، وأحصل منه على جدول بتواريخ الأيام التي ستشارك فيها السيارات لعدم وقوع أي لغط".
وعن أشهر سيارات المشاهير التي يمتلكها سيد سيما قال "أنا عندي سيارة الرئيس السادات، ومن الفنانين يحي شاهين وعماد حمدي وصباح وإسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي، وأشتريت عربية أمينة رزق وبعد ذلك إعادتها لأنها تعرضت لحادث خطير قبل أن أتسلمها، وأخذت أموالي مرة أخرى، واختلفت أيضا مع اُثار الحكيم بشأن سيارة والدها موديل عام 1930، ولم نتفق على السعر لذلك الصفقة لم تتم".
ويقول "أنا أعشق السيارات الروسية وأجمعها منذ عشرات السنوات، ولدي بعض الأنواع منها مثل "زايس"، موديل عام 1957، بالإضافة أني أمتلك مجموعة من السيارات الجيب الروسي، وشاركت بعض هذه السيارات في أعمال روسية، منذ 30 عاما".
ويضيف سيد سيما إن "أول عمل روسي شاركت فيه، كان فيلما رومانسيا، وطلب مني القائمون عليه وقتها سيارات قديمة جدا، وأحضرت لهم سيارات "زايس"، وبعدها شاركت في عمل آخر وسيارات " زيل " الروسية موديل السبعينيات والثمانينيات، لأنه أحداث الفيلم لم تكن قديمة، وللأسف لا أتذكر أسماء هذه الأعمال لأنها منذ زمن بعيد".
ويتابع "أنا شاركت في أعمال كثيرة جدا لا يمكنني حصرها، على مستوى العالم والدول العربية، منها الأمريكية والبريطانية والإيطالية، وأتذكر من هذه الأعمال، الفيلم الأمريكي "مالكوم إكس"، وهو فيلم تم إنتاجه عام 1992، وقد أخرجه سبايك لي، واستعانوا بسياراتي خلال إنتاجه، حيث قمنا بالتصوير في منطقة الأهرامات وسقارة"، مشيرا إلى أن "أي عمل فني أجنبي في مصر، كان يتم عن طريق مكتب المخرج العالمي الراحل يوسف شاهين".
ويستكمل سيد سيما "بالنسبة للأعمال الإيطالية، فقد شاركت بسيارتي في أفلام إيطالية كثيرة، وتوجهت إلى ليبيا وقت تصوير فيلم عمر المختار، لكني لم أشارك بسياراتي، وقام فريق العمل هناك بتجهيز سيارات مصنعة – هيكلية – عبارة عن جسم خشبي لتنقلب ولتنفجر بواسطة شداد، وأنا ذهبت إلى ليبيا وقتها لمشاهدة السيارات الموجودة وأستفيد بخبرتهم في تصوير مشاهد الحوادث، وأطبق الأفكار هنا في مصر، وبعدها بفترة تم إنتاج فيلم عن عمر المختار في مصر، وكان موجها للأطفال، وشاركت فيه بعدد من السيارات القديمة، كما شاركت في فيلم "داليدا" بمجموعة سيارات كلاسيكية من أسطولي".
ويؤكد الحاج سيد أن ابنه المهندس أيمن، يعشق أيضا السيارات القديمة، والمعروف في الوسط الفني باسم أيمن سيما، مشيرا إلى أن أيمن هو من يتابع العمل في مواقع التصوير بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، كما يذهب لمتابعة أعمال التصليح التي تتم أحيانا خارج الورشة والتي تتعلق بقطع الغيار وتصنعيها، متابعا "أيمن يحب السيارات الأتنيكة جدا وهو من سيكمل مسيرتي فيما بعد، لأن هذا تاريخ ويجب المحافظة عليه، والحمد لله أنه مهتم بهذا المجال".
وفي النهاية تحدث الحاج سيد سيما عن العقبة التي تواجهه في عمله، وهي ضغط المنتجين له أثناء تصوير الأعمال، مشيرا إلى أنه "في الماضي كان يذهب إلى العمل وينهي التصوير خلال ساعتين، وإذا حدث أي تعطيل للتصوير يعود مرة أخرى بسياراته، أما الآن فإن بعض المنتجين يقوموا بتغيير خطة العمل في حالة عدم حضور بطل العمل أو وقعت أي مشلكة، وذلك بتصوير مشاهد جديدة ليست ضمن الخطة، الأمر الذي يتسبب في تواجدي بمواقع التصوير لمدة وصلت أحيانا إلى 3 أيام، هذا بالإضافة إلى تعرض السيارات للحوادث خلال التصوير، الأمر الذي يكلفني الكثير من الأموال لإعادة تصليح السيارة".
وقد يهمك ايضا:
سائق سيارة قديمة يصف حال المواطن اللبناني برسالة بسيطة
سوق تأجير السيارات في المغرب يكافح للتعافي من تداعيات "كورونا"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر