يتوارث المغاربة جيلا عن جيل أنواعا كثيرة من الأعراف والعادات والتقاليد والفنون، على الرغم من اختلافها من منطقة إلى أخرى؛ وهو ما يجعلها حاضرة باستمرار بين أفراد المجتمع المغربي مهما توالت العصور، بفضل حرص الأجداد على نقل الموروث إلى الأبناء ثم الأحفاد، سواء كان ثقافيا أو فنيا أو فكريا…، لكي يبقى خالدا وقابلا للتطوير والتجديد عوض أن يطاله التراجع والاندثار.وفي هذا الصدد، يعمل الخطاطون المغاربة على إبراز خصوصيات الخط المغربي بين باقي الخطوط العربية، حيث يسلطون الضوء على أهميته الوظيفية والجمالية ويبذلون مختلف المجهودات رفقة المؤسسات المعنية بهذا المجال من أجل نقل هذه الرسالة الثقافية والتربوية والفنية من جيل إلى جيل، مستعينين في ذلك بالمهرجانات والمشاريع والتظاهرات المحلية والوطنية والدولية، إلى جانب الشغف الذي يبديه الشباب في تعلم الخط المغربي والتمكن من أبجدياته في عصر الرقمنة.
تفرّد مغربي وجهود متعددة
الخطاط محمد خروب قال إن “الخط العربي بصفة عامة يشمل مجموعة من الأنواع، كالثلث والفارسي المبسوط؛ لكن كما للمغاربة خصوصية في اللباس والأكل والتقاليد…، فهُم متفردون أيضا في الخط، من خلال اعتماد الخط المبسوط والمجوهر والثلث”، مشددا على أن “مجهودات كبيرة تبذل لتبليغ هذه الرسالة أو الفن أو الموروث الثقافي المغربي إلى الأجيال الشابة والمقبلة، سواء على مستوى المؤسسات أو من طرف المشتغلين في هذا المجال وذوي التجربة الطويلة.
وأوضح المتحدث ذاته أن “الخطيْن المبسوط والمجوهر يعتبران من الخطوط الوظيفية التي تستعمل في الكتابة الاعتيادية والتدوين والمصاحف والمراسلات السلطانية والعقود والمخطوطات القديمة…، في حين يستعمل خط الثلث المغربي في كتابة العناوين وغيرها، وقد اشتق من خط الثلث المشرقي لكن بطابع مغربي”، مضيفا أن “الخطاط المغربي حميد الخربوشي عمل على تطوير الخط المجوهر الدقيق وتجديده، باعتراف الخطاطين في العالم الإسلامي، حيث حوّل ذلك الخط الوظيفي إلى خط قابل للاستعمال كلوحة جمالية”.
وأكد محمد خروب، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “اهتمام الدولة بالخط المغربي يظهر من خلال المجهود الذي يقوم به المسؤولون بصفة عامة، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بشكل خاص، من خلال إحداث أكاديميتين؛ الأولى في الصهريج بمدينة فاس وهي تابعة لجامعة القرويين، والثانية بمسجد الحسن الثاني تسمى أكاديمية محمد السادس للفنون التقليدية التي تتوفر على شعبة للخط المغربي، إضافة إلى جائزة محمد السادس لفن الخط المغربي التي يشارك فيها خطاطون مغاربة ويتبارون على جوائز مالية”.
رسالة من السّلَف إلى الخلَف
وعن مجهودات “الجيل السابق” لتبليغ رسالة الخط المغربي إلى “الجيل الجديد”، قال محمد خروب إنه “على المستوى الوطني، يتم تنظيم مجموعة من المعارض والتظاهرات؛ كالمهرجان الدولي لفن الخط المغربي في فاس، ومهرجان آخر بمدينة إنزكان تنظمه جمعية اليراع لمريدي فن الخط والإبداع، إضافة إلى الأنشطة الكثيرة التي تقوم بها الجمعية المغربية لفن الخط بالدار البيضاء، لكن الأضواء لا تسلط على هذه التظاهرات بالشكل الذي يجعلها ذات إشعاع كبير يصل إلى جميع المهتمين أو المعنيين بهذا المجال”.
وعلى المستوى المحلي بخريبكة، أشار الخطاط إلى أن “السَّلَف حريص على توريث هذا الفن إلى الخَلَف، من خلال تسطير عدد من المشاريع؛ لكن جائحة كورونا عرقلت كل المبادرات، بعدما توقفت ورشة أسبوعية بالخزانة الوسائطية حول الخط المجوهر الجليل الذي استحدثه الأستاذ حميد الخربوشي”، مضيفا أن “هناك مشاريع قيد الدراسة؛ من بينها التواصل مع المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، من أجل السماح بتنظيم حصص تطوعية لفائدة تلاميذ جميع المؤسسات التعليمية، بهدف التعريف بفن الخط المغربي”
وعن أوضاع الخط المغربي في عصر الرقمنة، قال خروب: “شخصيا، أرى أن ما جاءت به الرقمنة والتكنولوجيا ساعد الخطاطين في التعريف بهذا الفن وتطويره. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في إبراز مجموعة من الخطاطين الذين كانوا مغمورين ويعيشون في طي النسيان، ليصبحوا قادرين على كشف مواهبهم وأعمالهم للعموم وتلقي التشجيع من الآخرين للاستمرار في العطاء، إضافة إلى أن الحاسوب وغيره من الأجهزة والآلات الإلكترونية ساعد الخطاط في أداء مهامه، خاصة إذا عرف كيف يستغلها”.
علاقة الشباب بالخط المغربي
وعن علاقة “الجيل الجديد” بهذا الفن المغربي، أوضح محمد خليل، وهو واحد من الشبان المهتمين بالخط المغربي، أن “الجيل السابق، الذي أرسى قواعد الخط المغربي، قد رسخ في الأجيال التي تليه محبة هذا الخط والاهتمام بجوانبه النظرية والتطبيقية، ويمكن ملامسة هذا في الملتقيات والتظاهرات التي تنظم احتفاء بهذا الضرب من الخطوط، وكذلك الورشات التي نؤطرها في عدد من المدارس والمراكز”…
وعن الدوافع التي تجعل فئة الشباب تقبل على الخط العربي عموما، والخط المغربي بشكل خاص، قال المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “أهم ما ساهم في تعلقنا بهذا الفن العريق هو ما يزخر به من مقومات جمالية تتجلى أساسا في بنياته المتنوعة وفي الأبعاد الروحية التي تستبطنها”.وبصفته شابا ممارسا لفن الخط المغربي ويشارك أيضا في نقله إلى غيره، قال محمد خليل إنه “من خلال تأطيرنا لورشات عديدة في الخط المغربي لفائدة فئات عمرية مختلفة تبين أن هذا الفن يحظى بقبول حسن لدى المستفيدين من هاتيك الورشات، ومرد ذلك في اعتقادنا هو الخصوصيات الجمالية التي تكتنزها هذه الأنساق الكاليغرافية في مختلف أشكالها (المفردات والمركبات، واللوحات الخطية…) القائمة على نظام التراكب والتداخل”.
قد يهمك ايضا
موسوعة فنية مصرية للاحتفاء بـ"شيخ الخطاطين" خضر البورسعيدي
رحلة فريدة من نوعها لعشاق الخط العربي في متحف الشارقة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر