موسكو - الدار البيضاء اليوم
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن وضع اقتصاد بلاده ليس مثاليا، وعبر عن قناعته بأن الاستقرار سيخلق أرضية للتنمية والتطور، وأكد أن روسيا تتخلص تدريجيا من الاعتماد على «الدولار النفطي»، لكنه أقر في الوقت ذاته بأن مسألة كهذه لا يمكن تحقيقها بسرعة. وذهب في حديثه عن معدل الفقر في البلاد إلى مقارنة ما بين الوضع قبل عقدين، وكيف أصبح الآن، لافتا إلى تراجع كبير على أعداد المواطنين الروس تحت خط الفقر، لكنه رأى أن هذا لا يكفي ويجب العمل تقليص أعداد الفقراء. في غضون ذلك حذرت غرفة الحساب الروسية من أن تدابير الدعم الاجتماعي، التي أعلن عنها بوتين أخيراً، قد لا تكون كافية لتحقيق هدف تقليص معدل الفقر في البلاد حتى 10.8 في المائة.
كان الاقتصاد موضوعا رئيسيا في حوار أجرته وكالة «تاس» مع الرئيس الروسي، ونشرته يوم أمس، ضمن مشروع أطلقته عبر منصتها على الإنترنت تحت عنوان «20 سؤالا لفلاديمير بوتين»، يتناول نتائج 20 عاما من حكمه البلاد. ولدى سؤاله حول أسباب التراجع المستمر لدخل المواطنين خلال السنوات الماضية، أقر بوتين أن الدخل الحقيقي للمواطنين يتراجع فعلا، وأحال ذلك بالدرجة الأولى إلى «تراجع أسعار الطاقة في السوق العالمية»، لافتاً إلى أن سعر برميل النفط كان حين توليه السلطة عام 2000 «أعلى من 100 دولار للبرميل، بينما تراجع أقل من النصف حاليا»، وقال إن هذا الوضع دفعه لإطلاق «المشروعات القومية»، بغية «تغيير بنية الاقتصاد الوطني، ودفع عجلة التنمية انطلاقا من قاعدة (اقتصادية) وطنية». وأكد أن الاقتصاد الروسي يتخلص تدريجيا من الاعتماد على إيرادات النفط والغاز، موضحا في الوقت ذاته أن تنفيذ هذه المهمة غير ممكن «بإشارة إصبع» ويتطلب وقتاً، وقال: «نريد فعلا أن نتخلص من هذا الاعتماد، ونحن نتخلص منه تدريجيا، لأن إيرادات القطاعات غير النفطية تنمو».
وفي تبريره «مراوحة الاقتصاد الروسي» مكانه منذ عام 2008، وعدم تحقيق وعوده التي أطلقها ذلك العام بأن يصل متوسط دخل المواطن عام 2000 إلى 2700 دولار، وأن تتوفر للأسرة من ثلاثة أشخاص شقة مساحتها 100 متر مربع، قال بوتين إن تلك كانت خطة أولية «لأننا كنا نخطط لمضاعفة حجم الناتج المحلي الإجمالي»، وأحال عدم إنجاز تلك الأهداف والوعود إلى الأزمة الاقتصادية عام 2008، مشددا على أنها «جاءت إلينا من الخارج، ولا نتحمل المسؤولية عنها»، وأضاف: «عندها برزت أمامنا مهام أخرى، وبالدرجة الأولى أن لا نسمح بانهيار الاقتصاد، وخسارة المواطنين مدخراتهم كما حصل عام 1998». ورفض تحميل «مسؤولية شخصية» لأي مسؤول عن زيادة أعداد الفقراء، وعبر عن قناعته بأن «أسبابا موضوعية» هي التي أدت إلى هذه النتيجة، وقال: «أجل ارتفع معدل الفقر (العام الماضي) من 13.4 حتى 13.5 في المائة يعيشون تحت خط الفقر»، وأضاف: «كيف يمكننا تحميل أحد مسؤولية شخصية عن هذا إذا كانت أسعار النفط تتراجع؟».
ومع تعبيره عن قناعته بأن «وضع الاقتصاد الروسي الآن ليس مثاليا»، ذهب إلى المقارنة بين ما كان عليه الاقتصاد حين توليه الرئاسة منذ 20 عاما، وكيف أصبح الآن، للتأكيد على نتائج إيجابية تم تحقيقها، وقال إن 42 مليون مواطن كانوا يعيشون حينها تحت خط الفقر، والدين العام بلغ 145 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الاحتياطيات الدولية لروسيا 12.5 مليار دولار في عام 2000، وأضاف: «منذ ذلك الحين حتى اليوم هناك نمو كبير على الدخل الحقيقي للمواطنين، والمعاشات التقاعدية، ولدينا الآن فقط 13.5 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، أي أقل بثلاث مرات مما كان عليه منذ 20 عاماً». رغم ذلك يرى بوتين أن «هذه المؤشرات لا تعني أن كل شيء على ما يرام، بل العكس»، موضحا أن «المواطنين لا يقارنون وضعهم اليوم مع ما كان عليه، وإنما مع ما يفترض أن يكون عليه»، وأضاف: «أنا أيضا أنظر للأمر بهذه الطريقة»، ووصف تراجع الدخل بأنه «واحدة من المشكلات الاجتماعية الرئيسية»، وشدد على ضرورة اتخاذ التدابير لمعالجة هذه المسألة، مؤكدا: «يوجد الكثير من الوسائل» لتحسين الدخل.
ويركز الرئيس الروسي في ولايته الرئاسية الحالية، بصورة أكبر من ولاياته السابقة، على الحد من زيادة معدل الفقر وتراجع دخل المواطنين. وأعلن أخيرا عن سلسلة تدابير دعم جديد موجهة بصورة خاصة للعائلات مع أطفال، وذوي الدخل المحدود، في إطار خطة تحسين المستوى المعيشي للمواطنين. ولتوفير تمويل تنفيذ تدابير الدعم التي أقرها بوتين، أدخلت الحكومة الروسية تعديلات على ميزانية عام 2020، وخطة الميزانية لعامي 2021 - 2022، حسنت فيها توقعاتها في مجال معدل الفقر، وعوضا عن توقعات سابقة بأن يتراجع العام الحالي حتى 11.8 في المائة، أشارت في التعديلات الجديدة إلى أن المستوى المستهدف تدني معدل الفقر حتى 10.8 في المائة.
إلا أن غرفة الحساب الروسية، المخولة بمراجعة الميزانية وأي تعديلات عليها، ورفع تقرير بهذا الصدد، شككت بإمكانية تحقيق المعدل الجديد المستهدف، وقالت إن تدابير الدعم المعلنة قد لا تكون كافية لإخراج مليون مواطن (الفارق بين التوقعات السابقة والمعدل الجديد المستهدف) من الفقر. وقالت ليلي أوفتشاروفا، مديرة معهد السياسة الاجتماعية في المدرسة الروسية العليا للاقتصاد، إن تدابير الدعم الموجهة للأسرة بدخل أدنى من المستوى المعيشي، وللأطفال من 3 حتى 7 سنوات، ستساهم في تقليص أعداد الفقراء، وكذلك الأمر بالنسبة لتدابير دعم ذوي الدخل المحدود، لكنها رأت أن هذا سيؤدي إلى تراجع معدل الفقر فقط بمعدل 1.5 نقطة، لافتة إلى أن معدل الفقر العام الماضي كان أعلى من التوقعات الحكومية، وأن وتيرة نمو الاقتصاد الروسي غير كافية لتراجع معدل الفقر في البلاد حتى 10.8 في المائة، هذا العام
قد يهمك أيضًا:
بوتين يؤكّد أنّ روسيا يمكنها التعامل مع الآثار السلبية لـ"كورونا" في الأسواق
تكتّم على المناقشات التي دارت بين بوتين ونتنياهو بشأن تفاصيل "صفقة القرن"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر