الدارالبيضاء ـ حاتم قسيمي
أكّد عضو المكتب السياسي لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، المتخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة، عبد الطيف بروحو أنَّ حماية المال العام تعتبر رهانًا أساسيًا في سياق الحديث عن الإصلاحات السياسيّة، مشدّدًا على ضرورة تفعيل الرقابة القضائية على المالية العمومية والمحلية، وتعزيز دورها وتوسيع مهامها، بغية ترسيخ مبادئ الحكامة المالية".
وأشار البرلماني عبد الطيف بروحو، في حديث إلى "المغرب اليوم"، تعليقًا على قرارات المجلس الأعلى للحسابات في المغرب الصادر حديثًا، إلى أنَّ "الحاجة تبدو ملحة الآن للقيام بمراجعة شاملة للقانون المنظم للمجلس الأعلى للحسابات، من أجل تمكينه من الوسائل القانونية والعملية الكفيلة بتطوير أدائه الرقابي".
وأبرز أنَّ "بعض المؤسسات الرئيسية تعتبر أهم الآليات المتاحة لمراقبة تدبير المال العام، وتتبع إعداد وتنفيذ السياسات العمومية، ومراجعة تكلفتها المالية، وتدقيق أهدافها وتأثيراتها على التدبير العمومي".
وأضاف "أما العلاقة مع المجلس الأعلى للحسابات، فتبقى بدورها مبهمة وعامة داخل أحكام الدستور، وعلى الرغم من أن الفصل 148 يتحدث عن المساعدة المقدمة للبرلمان في مجال المراقبة وتقييم التدبير المالي، فإن الأمر يحتاج بدوره أيضًا لتفاصيل تشريعية قد لا يكون مجالها متاحًا في هذا الشأن".
وتابع "تمثل المفتشية العامة للمالية إحدى أهم آليات الرقابة التابعة للحكومة بشكل عام، والموضوعة تحت تصرف وزارة المال، وتختص قانونًا بمراقبة مالية الدولة والجماعات المحلية ومختلف المنشآت والمؤسسات العمومية والشركات الوطنية، وتمارس رقابة بعدية على تنفيذ الميزانية، وبالنظر لوضعيتها القانونية يُفترض أن تكون من أهم هيآت الرقابة الإدارية، وإحدى أسس ترشيد التدبير العمومي ومحاربة الفساد والرشوة واختلاس الأموال العمومية".
ونبّه بروحو إلى أنَّ "الدستور الجديد أفرد حيزًا هامًا لهذه المؤسسة، التي تعتبر هيئة عليا للرقابة على المال العام، وخصها بمقتضيات تمنحها اختصاصات ذات طبيعة رقابية وقضائية حقيقية، لاسيما في الفصول من 147 إلى 150 من دستور 2011، وضمن استقلاليته، وخوله مهامًا جسيمة في مراقبة تنفيذ الميزانية، وبكيفية تدبير المالية العمومية في مجالاتها المتعددة، لاسيما إعداد وتنفيذ السياسات العمومية ذات الأثر المالي والميزانياتي".
وأردف "المجلس الأعلى للحسابات أصبح يكتسي أهمية كبرى على الرغم من عدد من الإشكالات التي تطبع عمله ومهامه، من غموض الوضعية القانونية ومحدودية الإمكانات المادية والبشرية".
وفي شأن أهمية حماية المال العام، أوضح أنَّ "حماية المال العام تعتبر في صلب الإدارة العامة، ومن أهم أولويات العمل الحكومي، على اعتبار أنَّ تعزيز الرقابة القضائية التي تضطلع بها المحاكم المالية وإعادة النظر في دور ومهام وهياكل المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات يعدُّ أحد الركائز الأساسية في سياق إقرار مبادئ الحكامة السياسية والمالية والإدارية".
واستطرد "عندما تم التنصيص خلال التسعينات على دسترة المجلس الأعلى للحسابات، اعتُبِر الأمر حينها نقلة نوعية، وتم الحديث عن دخول المغرب مرحلة تاريخية جديدة في إقرار الرقابة القضائية الحقيقية على التدبير المالي العمومي، وأُعطِي الانطباع حينها أن حماية المال العام قد تم ترسيخها في القانون الأساسي للمملكة، غير أنَّ وضعية هذه المؤسسات بقيت منذ ذلك الحين غامضة، على الرغم من صدور القانون المنظم لها، والذي قيد بشكل كبير من مهامها ضدًا على المنطق الدستوري الذي يقضي بتوسيع مجالات عمل المؤسسات الدستورية، لاسيما في مجال الرقابة وضبط الإدارة العمومية".
ولفت إلى أنه "تبدو الحاجة ملحة الآن للقيام بمراجعة شاملة للقانون المنظم للمجلس الأعلى للحسابات، بغية تمكينه من الوسائل القانونية والعملية الكفيلة بتطوير أدائه الرقابي، لاسيما أنه يعتبر هيئة مستقلة ذات فعالية واضحة، وذات مصداقية كبيرة لدى الرأي العام، مما يجعل التقارير الصادرة تحظى في العادة بالاهتمام السياسي والإعلامي الكبير، سواء تعلق الأمر بالتقارير السنوية أو بالتقارير الموضوعاتية، التي بدأ المجلس الأعلى للحسابات في إعدادها خلال العامين الأخيرين".
ورأى أنّ "حماية المال العام تعتبر رهانًا أساسيًا الآن في سياق الحديث عن الإصلاحات السياسية، وفي أفق تنصيب الحكومة الديمقراطية المنتخبة الأولى، التي يعرفها المغرب".
وشدّد عضو المكتب السياسي لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم عبداللطيف بروحو، في ختام حديثه إلى "المغرب اليوم"، على أنّه "دون تفعيل الرقابة القضائية على المالية العمومية والمحلية، وتعزيز دورها وتوسيع مهامها، لا يمكن الحديث عن اعتماد مبادئ الحكامة المالية؛ ودون هيئات عليا حقيقية للرقابة على المال العام، تفتيشية وقضائية، فسنجد أنفسنا أمام نظامين للتدبير العمومي، نظام خاضع لرقابة شكلية ومحدودة على تنفيذ الميزانية، وجزء خارج أية رقابة وتتم إدارته خارج رقابة البرلمان، والتي تضم ثلثي التدبير المالي العمومي، عبر الوكالات والمؤسسات العمومية والشركات الوطنية، ناهيك عن تدبير الملك الخاص للدولة، الذي يبقى أهم مجالات غموض التسيير العمومي، والذي تفوق قيمته الأسمية أكثر من 500 مليار درهم، دون احتساب الأملاك الزراعية، والأوقاف، وأراضي الكيش، وممتلكات الجماعات السلالية".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر