تونس ـ محمد صالح
أكد الناطق الرسمي لحزب "التحرير" التونسي رضا بلحاج، في مقابلة مع "مصر اليوم"، أنه كان على الأميركيين أن يعتذروا لنا بعد الفيلم المسيء للرسول محمد"، معربًا عن أسفه لما وصفه بـ"هرولة المسؤولين التونسيين للإعتذار للولايات المتحدة"، فيما قال أنّ "الدعاة القادمين من الخليج لهم أجندة خليجية للإستيلاء على الثورة في تونس وخلجنتها، وأن التيار السلفي فيه شق مخيف، وهو مدعّم من الخليج ونحن نختلف معه بخصوص قراءته للمرحلة".
وفي ما يلي نص الحوار كاملاً:
* ما هي رؤيتكم بخصوص ما حصل حول الفيلم المسيء للرسول الأكرم وأحداث سفارة أميركا؟
- الفيلم سيء الذكر ، فيه اعتداء على الإسلام والمسلمين، ولأن الفيلم تم اختيار تاريخ إصداره وهو 11 أيلول/سبتمبر، وهو بكل تأكيد يقصد من ورائه إثارة المسلمين، وبالتالي فإن ردود الفعل منتظرة، فكان الخروج للاحتجاج والتعبير عن رفض هذا الفيلم المسيء، وحول أحداث السفارة الأميركية فأنا استغرب من تطور الأحداث وما رافقها من تقصير في الجانب الأمني، إذ لا يعقل أن يقتحم أناس عزّل مبنى تلك القلعة المحصّنة، وأرى أنّ ما حصل لا يقبله أحد، ولكن قد يكون فيه تقصير أو استدراج من عناصر الأمن، لابد من إعادة هيبة الأمة لأننا نلاحظ بعض التهاون من الجهات المختصة، فالأمن كان بإمكانه أن يمنع حصول المواجهة، وأميركا مطالبة بالإعتذار ولكن تغيرت الأمور وأصبحنا نحن نهرول للإعتذار من الأميركيين .
* ما هو تقييمكم لأداء حكومة الترويكا ؟
– الواقع أن الوضع صعب جدًا، وبخاصة بعد الثورة هناك تسونامي من المطالب، ومن كل جهة بحكم الإرث الذي يحكمه الزيف في كل مجالاته، وخصوصًا حول التنمية في تونس، وبالتالي فإن كل حكومة في هذه الفترة ستجد نفسها مكبلة بالمطالب والاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات وغيرها من المشاكل التي تعقد الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، كما أن فترة العام ونصف العام للحكومة الحالية هذا فيه مغالطة كبيرة، وهو انتحار سياسي في ظل هذا الواقع، فحتى في ظل وجود النوايا الحسنة والمنهج الصحيح لا يمكن لهذه الحكومة أن تقوم بشيء يذكر في هذه الفترة المحددة، فضلا عن أنّ المنهج غير موجود حاليا لأن الحكومة تعتقد أن الحكم هو مجرد إجراءات، بينما الإجراءات تكون تتمة للمنهج من خلال رؤية واضحة في علاقة مثلا بالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي والبنك الإفريقي للتنمية وأوروبا وغيرها، وهذا بصراحة غير واضح حيث نلاحظ تهافتا على السلطة يولد إرباكا يجعل السياسة مجرد ترضيات و تسويات وإجراءات، الواقع يفرض جرأة في فتح الملفات والتعاطي معها يقابلها صبر من الشعب ولكن الواقع غير الواقع.
* كنتم من المنتقدين لدعوة بعض الدعاة إلى تونس على غرار عمرو خالد ووجدي غنيم.. فلماذا هذا الإنتقاد لدعاة يزورون تونس في إطار الصحوة التي يعيشها الشعب التونسي بعد الثورة؟
– لقد انتقدت فعلا الدعاة القادمين أساسًا من منطقة الخليج، لأننا متيقنون أنها تعمل من أجل أجندة خليجية للإستيلاء على الثورة في تونس وخلجنتها، فالحيوية المتوفرة في الإسلام من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناداة بالتغيير والثورة على الواقع الاستبدادي لا يريدها الخليجيون الذين يعملون على إقامة حزام ديني لفرض الاستقرار في الخليج والتخلص من الإسلام السياسي، الذي يدعو إلى الثورة والوحدة، وبالتالي فهم يرسلون بهؤلاء الدعاة للعب هذا الدور .
أما ما يخص وجدي غنيم فاحترازنا عليه منهجي فقط، ولسنا ضد زيارته إلى تونس وقيامه بالدعوة، فمنهجيته التي يعتمدها في تبليغ الفكرة مهم جدًا فالحديث عندما يكون دغمائيا وفوقيا يجعل المستمع لا يستوعبه، وبالتالي لا يأخذ به وعادي جدًا أن يحدث سوء التفاهم الذي استغلته جهات معينة لتحدث من خلاله وضعية للترهيب التخويف من وجدي غنيم، وهناك إسلام آخر مثله عمرو خالد هو "إسلام لايت" ولكن الأخطر من هؤلاء الدعاة هم الذين يأتون من منطقة الخليج وتم تمويلهم تمويلا مرعبا، التظاهرات حرام والاعتصام حرام، والذي يموت خلال التظاهرة ليس شهيدًا، وهذا غير معقول من شيوخ يأتون تونس وينشرون هذه الأفكار، وهذا يخيف فعلا ويدعو إلى الريبة، ومن ناحيتنا كل الأفكار التي تدعو إلى تخليص الناس من الإرتهان إلى الأجنبي ومن الظلم والقهر من الداخل نرحب بها أما خلاف ذلك فهي فعلا كارثة، والمسلمون في تونس اليوم على درجة عالية من الوعي، والخليج يلعب اليوم أجندة نحن نرفضها .
* موقفكم المنتقد لهؤلاء الدعاة جعلكم في لحظة ما تقفون في صف الليبراليين.. ما المغزى من ذلك؟ أم أنّ الأمر كان عفويا؟
– نحن نرسم الخط المستقيم عند الخط الأعوج ولا نقيس مواقفنا على نتائجها أو التقطاعات التي قد تحدث، ونحن لا نهتم بها، فهمنا من همّ الأمة التي نريد تخليصها من عديد الأعباء في مقدمتها الإرتهان للأجنبي ونعني به الغرب ثم الخليج الذي باع الأمة بأبخس الأثمان ومارس عليها دجلا دينيا رهيبا، وكانت نتائجه كارثية في احتلال العراق وتبرير ذلك والمصائب التي ترتبت عنه، والإسلام للأمة قاطبة وللمخلصين تحديدًا، وبالتالي نحن نريد خطابا إسلاميا يتبنى قضايا الأمة ويتقدم بها إلى الإزدهار، الآخرون يخوّفون من الإسلام ويريدون أن يأخذوا هؤلاء الدعاة كنموذج وهم في الواقع مرتهنون للأجنبي وأجنداته، وكذلك للسفارات الأجنبية وعندما يبيع مشروع ثوري نفسه إلى الغرب يتحول بالتالي إلى مشروع خيانة.
* البعض يتخوف من التيارات الإسلامية والحركات السلفية ودعوتها إلى تقليص بعض الحريات.. فهل ترون مبررًا لهذا التخوف ؟
– التيار السلفي فيه شق مخيف وهو مدعم من الخليج كما كنت بينت وهو الجهادي، فالإشكال في قراءته للمرحلة فنحن كلنا نريد تخليص الإحتلال عن فلسطين ورفع الظلم والإستعمار بمختلف أشكاله، ولكن في تونس وفي مختلف البلاد العربية والإسلامية لا مبرر لذلك، حتى بالإشارة أو التلويح، ومن جانبنا نحن نتبنى مقولة أن العنف في العمل السياسي مفسدة، وبالتالي لابد من تأصيل هذه المسألة شرعيا، والإشكال الكبير بالنسبة لهؤلاء هو عدم التنظم وهو ما سمح باختراقات مخابراتية، أما بالنسبة لحزب "التحرير" فلسنا حركة "النهضة" ولسنا سلفيين، وحزبنا معروف برؤيته ونشتغل بالسياسة والإسلام بالنسبة لنا هو مصدر لأخذ الأحكام ولا نكفر أحدًا ولا ننفر أحدًا ونحن منهج للتبشير .
* في هذا الإطار يدعو حزب التحرير إلى الخلافة الإسلامية.. ألا ترى أنّ هذه الدعوة هي في غير الفضاء الذي يمكن أن تنضج فيه؟
– الخلافة ليست فكرة لحزب "التحرير" بل هي فكرة إسلامية مثلما يقول ابن خلدون (لا يجوز أن يخلو عصر من الأعصار من الخلافة)، ومثلما يقول الطاهر بن عاشور الذي يصورونه علمانيا فهي نظام حكم وليست فوضى بل تبني مصالح الناس، وليست بالتالي مجرد لفظ بتلوينات الإستشراقية بل هي نموذج حياة قابلة للتطبيق، ولابد من الخروج من الشرذمة التي نعيشها، ومشروع الأمة ليس غير الوحدة والشريعة، والوحدة في النهاية هي الخلافة أو الرئاسة العامة، ونحن لسنا مستنكفين بل يكفينا شرفا أننا نمثل كاسحة ألغام نمهد للأمة الحديث في مثل هذا الأمر .
* كيف تقيمون علاقتكم بحركة "النهضة" خصوصًا أن وسائل الإعلام تحدثت عن خلاف قد يتحول إلى صدام ؟
– نحن لا نعادي أحدا بوصفه مشروعا فكريا أو سياسيا، وإنما نعارض أيا كان في الحكم أو صفة إسلامية أو غير إسلامية باعتباره راعيا وهو مسؤول عن رعيته ونحن نتبنى مصالح الناس ونبين فساد الرعاية ونذكر البديل الذي ليس غير الإسلام وهذا واجب إذا تحدثنا عن حركة "النهضة" باعتبارها حكما ولكن في إطارها حركة إسلامية لا مشكل لنا معها فنحن نتحاور مع الجميع ونرشد الخطاب ونحن لسنا من الذين يوظفون لا إعلاميا ولا سياسيا .
* وبالتالي فأنتم تنشطون في إطار المعارضة ؟
– نحن نعتبر أنفسنا ضمن الأمة ، وحتى في ظل وجود خلافة إسلامية التي ندعو لها سنظل نحاسب، وحزب "التحرير" ليس حزبا حاكما، بل حزب رعاية حتى لا يسقط مشروع الأمة، ولذلك نحن دائما في وضعية المحاسبة والإنكار والتغيير نحو الإتجاه الصحيح .
* مجلة الأحوال الشخصية وحقوق المرأة.. هل تطالبون بإعادة النظر في بعض فصولها ؟
– عندما نتحدث عن مطالبة فعملنا يصبح إصلاحيا ترقيعيا، أي نقبل بنظام كامل مع إدخال بعض الإصلاحات، نحن لا نرى الأمور هكذا بل إصلاحنا يكون منهجيا ولنا رؤية كاملة حول المرأة، يطالبوننا بتغيير القرآن حتى يتأقلم مع مجلة الأحوال الشخصية، ونحن نسأل من الثابت، ومن المتحول، من المقدس، ومن البشري، فمنهجيا هناك خطأ لا يغتفر فكأنما المجلة هي الأصل، وأنتم أيها الإسلاميون كيفوا قرآنكم حتى يتوافق مع مجلتنا، كما أنهم يقولون إن كل قانون وضعي فهو قابل للمراجعة ولا قداسة فيه، واليوم يمارسون القداسة باسم الوضعية، فلماذا هذا التهويل وإذا كان الأمر في حالة من الرشد فلماذا لا نطرحه على الشعب ليعرف حقيقة ما في مجلة الأحوال الشخصية، فهل هناك حكم التبني في الإسلام، والبنت تتزوج بدون ولي أم لا، والبنت عندما تبلغ الثامنة عشرة وتمارس الزنا لا يعتبر زنا لأنه بالتراضي، لابد من فتحها والنقاش حول فصولها وليس تحت مقولة حقوق المرأة كأنما هي مختطفة لصالح المشروع الغربي بينما المرأة مكرمة في الإسلام وهم متخوفون من فتح هذا الملف ولذلك يقدسونه ويصورون المجلة كأنما هي مقدسة وغير قابلة للنقاش.
* سجلنا في الفترة الأخيرة من خلال وسائل الإعلام ظهور الشيعة من جديد في تونس.. فكيف تنظر إلى هذه المسألة ؟
– كل ما ينبت طبيعيا في أي بلد علينا أن نعتبر وجدوده ونتعامل مع الوضعية الجديدة بينما سمعت قولا خطيرا من شيخ في برنامج تلفزيوني يطالب بطرد شيعة تونس إلى بلدانهم ، وهذا مرعب فإيران مثلا تطالب بطرد السنيين الموجودين في لديها وكذا بقية البلدان وهذا غير معقول وهو قول خطير وهو خطاب سلفي مرتهن للخليج ، ونحن بدورنا لنا خلافات كثيرة من الشيعة ولكن لا بد من فتح حوار معهم لكشفهم ومحاسبتهم وهذا ما ندعو إليه فبالحوار تظهر حقيقة كل طرف وساعتها سيحكم المجتمع عليهم وتونس قد رفضت التيار الشيعي عبر التاريخ ولا ندعو أبدا لآجتثاثهم بل كشفهم للرأي العام وكشف حقيقة نواياهم.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر