الرباط _الدار البيضاء اليوم
قبل أسابيع عاد 29 عاملا وعاملة إلى مقر عملهم "السري" بعد التوقف لما يقارب السنة بسبب تداعيات فيروس كورونا، ولا أحد منهم كان يتوقع أن الموت كان يتربص بهم ليسلب أرواحهم بطريقة مفجعة داخل قبو لإحدى فيلات بمدينة طنجة، شمال المغرب.وأعادت الحادثة المؤلمة التي راح ضحيتها 29 شخصا أغلبهم نساء، طرح إشكالية المصانع السرية إلى الواجهة والوحدات الصناعية غير المهيكلة التي تشغل عمال في الخفاء، ويتم استغلالهم مقابل تعويض مادي هزيل. ونجم الحادث حسب السلطات المحلية عن تسرب لمياه الأمطار، مما تسبب في محاصرة ووفاة عدد من الأشخاص اللذين كانوا داخل المصنع. هذا وفتحت السلطات المغربية المختصة بحثا للكشف عن ظروف وحيثيات الحادث.وأثارت هذه الفاجعة غضب وحزن المغاربة على مواقع
التواصل الاجتماعي واستغرابهم وجود مصنع "سري" يضم أزيد من 120 عاملا يشتغلون بالتناوب داخل حي سكني، فيما طالب نواب برلمانيون بتحمل الحكومة مسؤوليتها في هذا الحادث وفتح تحقيق ينتهي بمحاكمة كل من تبث تورطه في هذه الكارثة الانسانية. غضب واستنكار ونشرت البرلمانية عن حزب الأصالة و المعاصرة (معارض) لطيفة الحمود، على صفحتها بموقع "فيسبوك" تدوينة تساءلت من خلالها كيف لمرآب تحت أرضي أن يتحوّل إلى وحدة إنتاجية غير مرخص لها، والتي تواصل عملها لسنوات خارج القانون؟ معتبرة أن "هذا المعمل السرّي هو تمظهر علني للفساد ويصعب أن يتمّ التبرأ منه من قبل السلطات المحلية، خاصة وأنّه يوجد في قلب حي سكني آهل بالسكان". واستغرب الناشط الحقوقي عزيز إدامين من تعليق رئيس الحكومة على
الفاجعة بالقول " رئيس الحكومة يصف معمل الموت بطنجة غير القانوني، بكونه وحدة صناعية (ويقف)، بمعنى أنها قانونية، وأن السبب المباشر للوفيات هو تسرب الأمطار".فيما كتب الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عمر الشرقاوي، على حسابه بـ"فيسبوك": "سنغضب لحال معمل طنجة كما غضبنا لواقعة معمل روزامور، وضحايا حافلة طنطان وموتى فياضانات ملعب تيزيرت، وتدافع نساء الصويرة، سنلطم الخدود، ونطالب بالتحقيق، وننفجر حنقا، لكن بعد أيام سننسى ولن نستوعب الدروس ولن نحل المشكل من الاصل وسنعود للحياة الطبيعية في انتظار كوارث أخرى لنكرر نفس الأدوار". استغلال الأجراء تقول فاطمة، اسم مستعار لإحدى العاملات بوحدة صناعية غير مهيكلة بمدينة طنجة: " اشتغل منذ سنتين بدون عقد عمل ودون تصريح في
صندوق الضمان الاجتماعي، وأحصل أسبوعيا على راتب قدره 350 درهم (حوالي 35 دولار). مبلغ قليل لكنه يساعدني على تغطية بعض المصاريف الأساسية والعيش بكرامة". تضيف فاطمة : " أتمنى أن تلفت هذه الكارثة التي وقعت في طنجة الانتباه إلى مشاكلنا وتساهم في تحسين ظروف اشتغالنا غير الامنة وتمكيننا من الاستفادة من التغطية الصحية والحصول على جميع حقوقنا".ومن منطلق قانوني تقول إيمان نوري، أستاذة قانون الشغل بجامعة الحسن الاول بمدينة سطات، أن العمل في مثل تلك الظروف يعتبر مسألة مخالفة للقانون، لأنه يتنافي مع مجموعة من الضوابط و المعايير التي تنص عليها مدونة الشغل بكل وضوح و بصورة جلية. وتشدد الأستاذة المتخصصة في قانون الشغل ، على أن مدونة الشغل وضعت على عاتق المشغل مجموعة من
الواجبات في مقدمتها حماية الأجير و الحفاظ على سلامته الجسدية و كرامته أثناء أداءه عمله، الى جانب توفير جميع آليات ووسائل حفظ الصحة والسلامة، من تهوية في أماكن العمل، و منافذ خاصة في حالة الطوارئ وغيرها.وتضيف النوري، إلى أن الوحدات الصناعية السرية باتت ظاهرة لا يمكن التساهل معها أو التراخي ازاءها كونها تمثل جريمة مكتملة الأركان تتداخل بشأنها المسؤوليات تهرب ضريبي ويمنح المغرب مجموعة من الامتيازات لأصحاب المقاولات الناشئة من ضمنها الإعفاء الضريبي التام لمدة خمس سنوات الأولى من تاريخ بدأ إشتغالها مع تسهيل الإجراءات الإدارية المتبعة لخلق المقاولات.ورغم هذه التحفيزات فإن أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد ياوحي، يرى في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية"، أن "جشع" بعض
المشغلين يدفعهم إلى خرق القانون واستغلال العمال في ظروف مزرية تغيب عنها إجراءات السلامة وهو ما ينتج عنه بشكل طبيعي مثل هذه الحوادث المفجعة. ويلجأ البعض إلى إنشاء مصانع سرية ويرفض التصريح بالعمال حسب الياوحي، للتملص من دفع الضرائب و اشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وللتهرب من مراقبة مفتشي الشغل والقانون الذي يؤطر عملهم ويضمن حقوق العمال.ويشكل العمل السري يقول ياوحي: "مدخلا لاستغلال العمال عبر هضم حقوقهم ودفع أجور زهيدة لا ترقى إلى الحد الأدنى للأجور في المغرب، كما تمكن المشغلين من طرد العاملين بطرق تعسفية دون تعويض مادي، وهي ممارسات يجب القطع معها عبر المراقبة والزجر". المحاسبة وتشديد المراقبة وندد حقوقيون ونقابات عمالية بانتشار عدد من
المقاولات التي تشتغل خلسة و تفتقد لأدنى شروط الصحة والسلامة في أحياء مختلفة من مدن المملكة.واعتبر رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بن عيسى، أن مصنع طنجة مسرح الفاجعة، يشكل الشجرة التي تخفي الغابة التي تختبئ من ورائها عدد كبير من الوحدات الصناعية المشابهة، التي لا تتوفر على شروط السلامة كما لا توفر ظروف اشتغال آمن للعمال والعاملات، وتسلبهم حقوقهم القانونية التي تكفلها لهم مدونة الشغل. ويشير بن عيسى أن هذه الحادثة كشفت عن غياب دور السلطات المحلية في مراقبة الوحدات الصناعية التي تشتغل في مرائب البنايات السكنية، مطالبا بمحاسبة كل من تبت تورطه في الحادث مع تشديد المراقبة على مثل تلك المصانع حتى لا يتكرر سيناريو مأساة طنجة في مدن مغربية أخرى.
قد يهمك ايضا
فاجعة طنجة تحزن المغاربة والغالبية يحملون رئيس الحكومة المغربية المسؤولية
المغاربة يواجهون البرد الشديد في مدينة مراكش بـ"البيصارة"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر