تفاعلا مع اقتحام السياج الحدودي ببلدة بني أنصار المتاخمة لمدينة مليلية المحتلة، الجمعة الماضي، قال الخبير القانوني والناشط الحقوقي شكيب الخياري إن “المتتبع لملف الهجرة بين الضفتين يعي جيدا طبيعة الحدث ومختلف تطوراته التاريخية المرتبطة به، ويكون الأقرب إلى إعمال الموضوعية في فهم أبعاده ونتائجه، بعيدا عن إلصاقه بوقائع من نسج الخيال ربما تكون في أحيانا مجرد مبررات واهية تعكس بجلاء غياب أدوات فهم الظاهرة، وبالتالي تقديم تصور للتعاطي معها”.
وأضاف الخياري، في مقال له بعنوان “مأساة الجمعة تربك حزبيين وحقوقيين”، أن “المواقف المعبر عنها يمكن تفهمها حين يتعلق الأمر بأحداث لا تشكل ظاهرة، حيث تحير الأفهام في استيعاب ما يحدث، فتكثر التأويلات السلبية والاتهامات، في حين إننا أمام ظاهرة، ويتعلق الأمر بهجوم المهاجرين وبأعداد كبيرة على السياج المحيط بمليلية والسياج المحيط بسبتة، انطلقت أولاها في يناير 2005”. وورد ضمن المقال أن “الهجرة عبر العالم هي ظاهرة طبيعية، فيما الحواجز التي تضعها الدول في مواجهتها هي الظاهرة غير الطبيعية، فالمهاجرون وهم يقتحمون الحدود أو السياجات أو يشقون عباب البحر، يسعون بطرق غير قانونية للحصول على حقهم الطبيعي في الهجرة الذي تضمنه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، غير أنه لا يعني بالضرورة أن من ورائهم شبكات الاتجار بالبشر أو حتى شبكات تهريب المهاجرين”.
وهذا نص المقال:
شهدت بلدة بني أنصار المتاخمة لمدينة مليلية المحتلة عملية اقتحام للسياج السلكي الشائك المحيط بها من طرف ما يناهز 2500 مهاجر من بلدان جنوب الصحراء؛ حيث تمكن 400 منهم من العبور، وأسفرت إلى الآن في الجانب المغربي عن وفاة 23 مهاجرا، وبقي في المستشفى 18 آخرون وفرد من القوات العمومية من ضمن 140 كانوا قد أصيبوا بجروح، فيما في الجانب الإسباني فقد نتج عنها إصابة 49 من عناصر الحرس المدني و57 مهاجرا، 3 منهم تم نقلهم إلى المستشفى، بينما تمكن من الولوج إلى المدينة المحتلة 133 مهاجرا.
والمتتبع لملف الهجرة بين الضفتين يعي جيدا طبيعة الحدث ومختلف تطوراته التاريخية المرتبطة به، ويكون الأقرب إلى إعمال الموضوعية في فهم أبعاده ونتائجه بعيدا عن إلصاقه بوقائع من نسج الخيال ربما تكون أحيانا مجرد مبررات واهية تعكس بجلاء غياب أدوات فهم الظاهرة، وبالتالي تقديم تصور للتعاطي معها، وقد انتشرت هذه القراءات في فترات كانت الدولة تعتبر تواجد المهاجرين غير النظامين المتحدرين من بلدان جنوب الصحراء فوق التراب الوطني خطرا على البلد وعلى مصالحه مع أوروبا، قبل أن تأتي التوجيهات الملكية لتؤسس لعهد جديد من أجل التعاطي مع هذه الظاهرة.
وبالإطلاع على بعض ردود الفعل المتعلقة بحدث يوم الجمعة، يتبين حجم المشكل في التفاعل معه، حيث ذهب اتجاه حزبي إلى أن السبب فيما جرى إنما يرجع إلى شبكات الاتجار بالبشر، وهناك من أضاف إليها أيضا شبكات تهريب البشر، وهناك من اعتبره عملا مقصودا يرمي إلى التشويش على صورة المملكة ومقارباتها الإنسانية في تعاطيها مع ملف الهجرة، فيما رأى بعض الحقوقيين أن الخلل يكمن في الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء وفي فشل الدولة في توفير شروط الإقامة لهذه الفئة.
وأخطر ما عبر عنه في هذا الصدد ما جاء في بلاغ جمعية حقوقية، كان يفترض فيها التروي والتقصي بالنظر إلى الدور الذي يلزم أن تلعبه المنظمات الحقوقية غير الحكومية؛ إذ ادعت إجراء تحقيق، موردة أن “المعطيات الأولية التي تم التوصل إليها تؤكد أن الهجوم على السياج الحدودي كان سلوكا منظما ومدبرا من قبل عصابات الاتجار بالبشر”، في تماه مع بلاغات الحزبيين وبعيدا عن لغة حقوق الإنسان، فكما تقول القاعدة الأصولية، فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فهل صرح المهاجرون في محاضر رسمية بوجود تلك الجهات؟ الأكيد لا، لأن هذه الرواية ظهرت قبل أن تباشر الضابطة القضائية الاستماع إلى المهاجرين، فعلى أي أساس تم تحميل المسؤولية كاملة لهذه الشبكات؟
من جهة أخرى، فإن أرباب هذه التهمة لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء تحديد المفاهيم؛ فنحن أمام تجمع لمهاجرين إما قدموا إلى المغرب، وإلى السياج بالضبط، بمعونة من مهربي المهاجرين أو بدون خدماتهم، وفي الحالة الأولى فإننا نتحدث عن شبكات تهريب المهاجرين وهي غير شبكات الاتجار بالبشر؛ حيث يشمل تعبير “تهريب المهاجرين”، وفق الأمم المتحدة، تيسير الدخول غير النظامي إلى بلد لا يكون فيه المهاجر مواطنا أو مقيما، من أجل تحقيق مكاسب مالية أو مادية أخرى.
المؤكد أن هذه الأقوال والآراء لا يمكن بتاتا اعتبارها إجابات وتفسيرات لما حدث، خاصة وأننا أمام ظاهرة جد معقدة وممتدة في الزمن لم تفلح إلى اليوم أي سياسة في العالم في الحد منها بالرغم مما تخلفه من مآسي إنسانية (4000 حالة وفاة سنويا عبر العالم) ومن ضغط على بعض السياسات الحكومية، وهذا ما يجعل ملف الهجرة ذا أولوية في العلاقات التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.
إن المواقف المعبر عنها يمكن تفهمها حين يتعلق الأمر بأحداث لا تشكل ظاهرة، حيث تحير الأفهام في استيعاب ما يحدث، فتكثر التأويلات السلبية والاتهامات، في حين إننا أمام ظاهرة، ويتعلق الأمر بهجوم المهاجرين وبأعداد كبيرة على السياج المحيط بمليلية والسياج المحيط بسبتة، انطلقت أولاها في يناير 2005، حيث عرف السياج الأول في الفترة الممتدة من فاتح يناير إلى غاية فاتح يوليوز 14 هجوما، لكنها لم تكن بأهمية الهجوم الذي حصل في 28 غشت 2005 حين حدث لأول مرة هجوم من طرف 500 مهاجر دفعة واحدة، اعتبر حينذاك عددا هائلا غير مسبوق، ثم تلته عدة هجمات كان آخرها في تلك السنة هجوم ليلة 6 أكتوبر.
وقد استمرت هذه الهجمات دون توقف حيث أضحت من الأمور المعتادة، وإن كانت تختلف من حيث العدد واستعمال العنف من طرف المهاجرين والقوة من طرف القوات الأمنية المغربية والإسبانية، وهي موضوع دراسات وتقارير سنوية عديدة تصدر عن مراكز بحثية أو جامعية أو منظمات المجتمع المدني المهتمة بالموضوع، ويكفي الإطلاع عليها لتذهب الدهشة على الجمهور الجديد.
كما أن هجوم الجمعة ليس هو الأكبر من حيث العدد حتى يثير كل هذا اللغط؛ ففي ليلية 2/3 مارس 2021 سجل ضعفه، حيث أقدم 4000 مهاجر على الهجوم على سياج مليلية وتمكن من الولوج 900 مهاجر، كما عرفت سبتة في السنة ذاتها ولوج ما يناهز 10000 شخص، من ضمنهم قصر مغاربة. ووفق التصريحات الرسمية الإسبانية، فإنه منذ سنة 2013 إلى غاية 19 ماي 2022، تم تسجيل ولوج 6144 مهاجرا إلى مليلية و13956 إلى سبتة، أي ما مجموعه 20100 مهاجر، خلال 9 سنوات، أي بمعدل 6 أشخاص كل يوم.
وفيما يتعلق بالوفيات الناجمة عن الحادث، فلا يمكن بتاتا اعتبارها مستجدا يبرر ما تم التعبير عنه، فقد بلغ عدد الوفيات عند السياجين معا منذ 28 غشت 2005 إلى الآن ما يناهز 50 حالة وفاة، ضمنها حالات أصيبت بالرصاص وأخرى بسبب التدافع أو سوء الوضع الصحي، وقد سجلت أكبر حصيلتين سنة 2005 التي شهدت مقتل ووفاة 20 مهاجرا، 14 عند سياج مليلية و6 عند سياج سبتة، ويوم الجمعة الماضي حيث وصل عدد الوفيات إلى 23 مهاجرا عند سياج مليلية.
كما أن هذا الوضع لا يقارن بتاتا بعدد الوفيات الهائل في عرض البحر الأبيض المتوسط للمهاجرين القاصدين إسبانيا؛ إذ ناهز 2714 منذ سنة 2014، وهو ما يمثل تقريبا من وفيات المهاجرين في كل البحر الأبيض المتوسط، فمنذ بداية هذه السنة توفي غرقا في اتجاه إسبانيا 73 مهاجرا، وفي السنة الماضية 384، والرقم الأعلى 849 سنة 2018، وهو الوضع الذي لا يثير انتباه سياسيينا وإعلامنا العمومي.
أما فيما يتعلق بعلاقة ما حدث بمدى توفر شروط الإقامة في المغرب لهذه الفئة، فصحته نسبية؛ ذلك أن الراغبين في الهجرة إلى أوروبا لا يدخل في حسبانهم الحصول على الإقامة في المغرب أو الاندماج فيه، فحسب نتائج البحث الوطني حول الهجرة القسرية لسنة 2021 المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط، فإن نسبة المهاجرين الذين ينوون الهجرة نحو بلد آخر تبلغ %25,9 من ضمن المهاجرين المستجوبين المتواجدين بالمغرب.
ويمكن الاستدلال على ذلك أيضا باستمرار عمليات الهجوم على السياج في فترة تسوية الوضعية الإدارية للأجانب (2069 شخصا بالنسبة لمليلية، ويعتبر أعلى عدد منذ 2014، و47 بالنسبة لسبتة)، كما أن العدد الضئيل من الملفات التي توصلت بها لجان إقليمية للتسوية الإدارية لوضعية الأجانب يتعلق بالمناطق المحاذية لكل من مليلية وسبتة بالرغم من التواجد المكثف لهم في غاباتها، إلى جانب أن مجموعة من المشاركين في الهجمات كانوا من الحاصلين على بطائق الإقامة في إطار هذه العملية، لهذا كانت تعمد الدولة إلى تنقيل حتى الحاصلين على البطائق إلى مناطق بعيدة عن المدينتين السليبتين، غير أن تسوية الوضعية كما تبناها المغرب ساهمت نسبيا في توفير خيار ثان للمهاجرين المتواجدين فوق التراب المغربي بدل العمل على خوض غمار الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.
إن الهجرة عبر العالم هي ظاهرة طبيعية، فيما الحواجز التي تضعها الدول في مواجهتها هي الظاهرة غير الطبيعية؛ فالمهاجرون وهم يقتحمون الحدود أو السياجات أو يشقون عباب البحر، يسعون بطرق غير قانونية للحصول على حقهم الطبيعي في الهجرة الذي تضمنه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، غير أنه لا يعني بالضرورة أن من ورائهم “شبكات الاتجار بالبشر” أو حتى “شبكات تهريب المهاجرين” التي نسب إليها البعض كل التدفقات الكبيرة إلى المدينتين السليبتين عن طريق “بيع الوهم للمهاجرين”.
فمن خلال الاطلاع على نتائج البحث الوطني المذكور، فإن ثلث المهاجرين المستجوبين من المقيمين في المغرب (%39,1) قد غادروا بلدهم الأصلي لأسباب تتعلق أساسا بالحرب وانعدام الأمن والاضطهاد، وقد قرر الوسطاء توجيه المهاجرين إلى المغرب بنسبة %0,8 من عينة البحث.إن موضوع الهجرة، سواء النظامية أو غير النظامية، من الموضوعات التي يجب على الأحزاب السياسية الاشتغال عليها، خاصة وأن المهاجرين مهما كانت وضعيتهم الإدارية، لهم حقوق فوق التراب المغربي يلزم احترامها من طرف الدولة تنص عليها أساسا الاتفاقية الدولية للعمال المهاجرين وأسرهم، من ضمنها الشغل والحماية المتعلقة به والصحة والتعليم الاجباري للأبناء.
ويلزم لأجل الاستفادة من الهجرة غير النظامية باعتبارها أمرا واقعا، توفير ضمانة تشريعية تمنع قيام أي من موظف بمرفق عمومي، سواء في قطاع الصحة أو الشغل أو العدالة أو غيره، وحتى أي مسؤول أو مستخدم في القطاع الخاص، بالتبليغ عن شخص بسبب الاشتباه في أن وضعيته غير نظامية، على أن يكون ذلك من المهام الحصرية للجهات الرسمية المكلفة بمراقبة الهجرة؛ إذ يمكن في هذا الصدد الاستئناس بتوصيات اللجنة الأممية المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (CMW/C/TUR/CO/1)، والتوصية رقم 16 للجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب بشأن حماية المهاجرين في وضعية غير نظامية من التمييز، والمبدأ 13 ضمن المبادئ التوجيهية للمجموعة العالمية المعنية بالهجرة.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
"حزب فوكس" يُهاجم المغرب بسبب أحداث مدينة مليلية المحتلّة
عشرات الأفارقة يتسللون لمدينة مليلية المحتلة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر