واشنطن ـ وكالات
الأسبوع الماضي التقى عدد من أكبر أطباء السرطان في أمريكا في بوسطن في جلسة عصف ذهني حول مستقبل أبحاث السرطان. وقد تقول ليس في هذا ما يدعو للمفاجأة، لكن هذا اللقاء الذي نظمته كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا تحت عنوان ''كانسر آر إكس'' CanceRX، اشتمل على فكرة جديدة. فقد كان يجلس إلى جانب اختصاصيي الأورام عدد من مشاهير الاقتصاديين، مثل أندرو لُو (أحد كبار المختصين في علم المال السلوكي) وروبرت ميرتون (الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل والذي ساعد على تصميم أنموذج بلاك شولز في وضع أسعار الخيارات). لكن ما هو أغرب من ذلك كان وجود مجموعة من المصرفيين وأهل المال كذلك.
والسبب؟ هذه الأيام أساتذة الجامعات مثل لُو يشعرون باستياء من الافتقار إلى حدوث تقدم في مكافحة السرطان. وعلى الرغم من حدوث فتوحات طبية في السنوات الأخيرة، إلا أن لو يجادل بأنها لم تتحول إلى علاجات فعالة بمعدل مثير للإعجاب بالقدر نفسه، لأن الشركات غير راغبة في تمويل أبحاث تأملية طويلة الأجل. وبالتالي يريد لُو، الذي توفيت والدته بسبب السرطان، اجتذاب مزيد من التمويل إلى القطاع من خلال أساليب اقتراض طورها المصرفيون في زاوية منفصلة من عالم المال. وعلى وجه الخصوص، يأمل لُو في استيراد فكرة ''التزامات الدين المضمونة'' لتمكين المستثمرين من مشاركة مخاطر ومكافآت الاستثمار في الطب.
هل هذه الفكرة مجنونة؟ للوهلة الأولى خطر على بالي أن الجواب هو ''نعم''. والسبب في ذلك هو أن التزامات الدين المضمونة كانت في قلب الأحداث الدرامية الأخيرة في عالم التمويل. لكن كما أشار جون أوثرز وجون جابر، من ''فاينانشيال تايمز''، يحتاج الطب بصورة ماسة إلى المزيد من الأموال للأبحاث، خصوصاً بالنظر إلى تقليص الميزانيات الحكومية. وبالتالي على الرغم من تحفظاتي، فإن فكرة لُو جديرة بالاستكشاف، ولو من باب طابعها المبتكر.
وهناك سبب ثان للاحتفال بلقاء بوسطن، وهو أنه جمع بين قبائل أكاديمية مختلفة. وهذا أمر جدير بالذكر لأنه يبدو أشبه باتجاه عام محمود في عالم الأبحاث الطبية. وخلال معظم سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية كان هناك اتجاه عام لأن يقوم علماء الطب والأطباء بإجراء الأبحاث ضمن خطوط ضيقة فقط وضمن هيكل أكاديمي محدد سلفاً. وبعض السبب في ذلك هو أن النماذج المهيمنة للتمويل والتقدم في السرطان كانت في العادة تعاقب أي شخص يخرج عن نطاق الصندوق الطبيعي. لكن هناك قضية أخرى هي أن الأطباء والمصرفيين والعلماء والاقتصاديين كان يغلب عليهم أن يعيشوا في فضاءات مختلفة.
وإحدى النقاط الرائعة حول بوسطن هي وجود عدد كبير من الأكاديميين في مكان صغير بحيث كان من السهل أن تصطدم الأفكار والناس – وهذا هو السبب في ظهور ''كانسر آر إكس''. لكن ما هو أفضل من ذلك أن هذا العصف الذهني الذي يقفز فوق الحواجز لا يحدث فقط في المدن الجامعية. مثلا، في لونج آيلاند، بدأ مختبر كولد سبرينج هاربر في استضافة لقاءات تجمع بين أهل المال وأساتذة الجامعات والعلماء من أجل تطوير أساليب جديدة للطب. وهناك مبادرات مماثلة تجري الآن على الساحل الغربي للولايات المتحدة. وأصبح من الموضة بالنسبة للأبحاث الطبية في المؤسسات تحطيم الصوامع التخصصية إلى درجة انتشار مجموعة من المصطلحات التي تدل على القفز فوق الحواجز (مثل الفيزياء الأحيائية، والهندسة الأحيائية، وعلم الأعصاب، وما إلى ذلك).
ويحدث بعض من هذا في المراكز الطبية، مثل عيادة كليفلاند ومايو كلينيك. لكن هناك مشاريع جديدة مثيرة للاهتمام كذلك. مثلا، في الأسبوع الماضي فقط أطلق آدم جليك، وهو ممول من نيويورك، مؤسسة تدعى ''بلو جيتار''. ويقول جليك: ''هناك عدد من الأشياء التي تجعلني أشعر بالإحباط بخصوص كيفية إجراء قسم كبير من الأبحاث في أمريكا. معظم الأبحاث تكون مصفَّدة إلى مؤسسة واحدة، ولا يمكن الاعتراض عليها، ولأسباب هيكلية يكون من الصعب تماماً القيام بأية أبحاث تقع خارج نطاق اثنين من التخصصات العلمية، خصوصاً علم الأحياء والعلوم الاجتماعية''. وستمول مؤسسة بلو جيتار الأبحاث التي تقفز على الحواجز التي تعيق الطب وعلم النفس، من خلال البحث في السبب في أن الأدوية العقيمة (التي لا تحتوي على مادة فعالة وإنما على مواد مثل السكر أو النشا) ناجحة في العلاج، ومتى يكون ذلك.
ومن غير المعروف ما إذا كانت أية مبادرة من هذه المبادرات ستؤتي أكلها. لكن في وقت يوجد فيه سبب للشعور بالكآبة حول حالة الرعاية الصحية – والتمويل – من الجميل أن نحيي بعض الأفكار المبتكرة، خصوصاً في عالم سينتهي المطاف بنحو نصف سكانه إلى أن يعانوا السرطان في مرحلة معينة من حياتهم.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر