جرى الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية هذه السنة، المصادف 10 أكتوبر كل عام، في ظرفية استثنائية فرضها انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى دعوة الدول إلى تخصيص ميزانيات أكبر للصحة النفسية، نظرا لما خلّفته الجائحة من انعكاسات سلبية على نفسيات الناس، يتوقع أن تمتد آثارها مستقبلا.
ويُعدّ المغرب من بين الدول المعنية بشكل أكبر بدعوة منظمة الصحة العالمية، في ظل ضعف الرعاية النفسية المقدمة للمغاربة، جراء الخصاص الكبير على مستوى الأطباء النفسيين والممرضين، وضعف بنية الاستقبال.
وترى خديجة الكور، السوسيولوجية الخبيرة لدى الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، أن جائحة كورونا كانت لها آثار نفسية كبيرة على الناس، إذ رفعت من حدة القلق والتوتر، ورفعت منسوب الخوف في النفوس من كل شيء، من المرض والموت ومن المستقبل، مع الخوف على الأطفال، وغيرها من التأثيرات السلبية.
وأوضحت الكور، في تصريح لهسبريس، أن "هذا الشعور الذي أفرزته جائحة فيروس كورونا هو مصدر عدد من التصدّعات على مستوى شخصية الإنسان، مثل الاكتئاب؛ ذلك أن الخوف حين يصل إلى مستوى معين يؤدي إلى فقدان الثقة في النفس، وفي الآخرين، وفي المستقبل".
وأردفت المتحدثة بأن جائحة فيروس كورونا أشاعت حالة من اللايقين، "إذ صار الناس يشعرون بأن مصيرهم مجهول، وهو شعور يزيد من التوتر والاكتئاب، لأنّ الحياة لا يمكن أن تستمر بدون حُلم"، وزادت موضحة: "مثلا، أغلب الناس حُرموا حتى من الحلم بعطلتهم السنوية هذه السنة بسبب الجائحة".
وفي وقت يترقب العالم اكتشاف لقاح للقضاء على فيروس كورونا، اعتبرت الكور أن التأثيرات النفسية السلبية للجائحة ستمتد إلى ما بعد القضاء على الفيروس، وسترخي بظلالها على نفسيات الناس، وخاصة الشباب، وأوضحت أن هذه الفئة ستتأثر أكثر لكونها لم تجد من فضاء تلتجئ إليه سوى مواقع التواصل الاجتماعي، مبرزة أن البقاء في هذه الفضاءات الافتراضية لساعات له آثار نفسية قد لا تظهر اليوم، ولكنها ستبرز مستقبلا، وستؤثر على العلاقات الاجتماعية الواقعية.
وتشير المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة سنة 2018 إلى أن 26.5 في المائة من المغاربة يعانون من الاكتئاب، وتصل نسبة الذين يعانون من أمراض اضطرابات القلق إلى 9 في المائة. وفي المجموع فإن 48 في المائة من المغاربة يعانون من أمراض نفسية، حسب معطيات الدراسة الوحيدة التي أجريت في هذا الصدد سنة 2007.
ويعاني المغرب من خصاص كبير على مستوى الأطباء النفسيين، إذ يقل عددهم عن 500 طبيب، وتزداد حدّة هذا الخصاص بسبب تمركز أغلب الأطباء في محور الدار البيضاء – الرباط. "هذا يعني أننا أذا قسمنا عدد الأطباء المتوفر على المواطنين فلن نصل حتى إلى الحد الأدنى الذي حددته منظمة الصحة العالمية"، تقول خديجة الكور.
وجوابا عن سؤال بخصوص التمثل السلبي الذي كان سائدا لدى فئات من المغاربة إزاء الطب النفسي، اعتبرت الخبيرة ذاتها أن "هناك وعيا جديدا واقتناعا بحتمية العلاج النفسي"، مفسّرة لجوء بعض الفئات إلى العلاج الشعبي بمجموعة من الإكراهات التي تدفعهم إلى سلك هذا الطريق، مثل ضعف القدرة الشرائية والجهل.
وزادت المتحدثة موضحة: "حين لا تجد أسرة طفل في حالة هيجان نتيجة مرض نفسي مكانا له داخل بنية العلاج، فإنّها تجد نفسها أمام خيارين، إما أن تلجأ إلى التداوي الشعبي مثل الأضرحة، أو تجعله يخرج إلى الشارع"، وأشارت إلى أنه "علاوة على النقص الكبير المسجل في عدد الأطباء، هناك انعدام للمرضين المختصين في مجال الطب النفسي، علما أن لهم دورا كبيرا في دورة العلاج، إضافة إلى الخصاص في بنية الاستقبال، وغلاء الأدوية"، معتبرة أن هذه العوامل مجتمعة "تجعلنا أمام كارثة إنسانية بكل المقاييس، وهذا ما يفسر عددا من الظواهر التي نراها اليوم، مثل تعاطي المخدرات والانتحار والجريمة".
قد يهمك ايضا:
المكسيك تسجل 135 وفاة و4577 إصابة جديدة بكورونا
طبيب نفسي يكشف الآثار النفسية لوباء "كورونا" وطريقة تخطّيها
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر