وصف طوماس رايلي، السفير البريطاني بالمغرب، السنوات التي قضاها على تراب المملكة المغربية بـ"الرائعة والممتعة"، كاشفا، في الوقت ذاته، الآمال والمشاعر والأحاسيس التي خالجته قُبيل وأثناء حلوله بالمغرب.
واستعرض السفير البريطاني محطات من حياته التي قضى منها ثلاث سنوات بالمغرب، سواء خلال قيامه بالدور الدبلوماسي في السفارة البريطانية، أو خلال جولاته التي امتدّت من السعيدية شمالا إلى طانطان جنوبا، ومن مرزوقة شرقا إلى الصويرة وأكادير غربا.
وهذا نص مقال طوماس رايلي:
عود على بدء: بعد انقضاء ثلاث سنوات
منذ ثلاث سنوات بالضبط، وصلت إلى المغرب في بداية جولتي سفيرا.
كنت متحمسا حقا، وتذكرت عندئذ المغرب الذي جلته منذ حوالي 20 سنة. تذكرت كم كان جميلا وكم كانت تضاريسه متنوعة. كيف كانت مدنه في منتهى الروعة، وكم كانت مناظره الطبيعية ساحرة، كما عاد إلى ذاكرتي كرم الدفء وحسن الضيافة لدى المغاربة، إلى جانب أطباقهم الشهية وطعامهم اللذيذ.
لكني لم يسبق أن عملت أو عشت هنا
كنت مدركا لآمالي وأحلامي الكبيرة المتطلعة للتحول الجذري في العلاقات بين المملكة المتحدة والمملكة المغربية، لترتقي إلى شراكة استراتيجية حقيقية.
وددت "تطبيع" الحضور البريطاني هنا. كنت أرغب في إحضار الثقافة والفن والموسيقى والرياضة والأكاديميين البريطانيين إلى المغرب. كما عقدت العزم في المقابل على تقديم وإذكاء جذوة الثقافة المغربية في المملكة المتحدة. كانت أولويتي واضحة جدًا في ذهني: تحسين الروابط التعليمية بين بلدينا. فالتعليم في قناعتي يشكل المبتدأ والمنتصف والمنتهى لكل مسار تنموي لأي بلد.
لكن وحيث أنه لم يسبق لي أن زاولت مهام سفير من قبل، لم أكن متأكدًا مما يمكن توقعه: هل أفرطت في الطموح؟ هل يتسم هذا الطموح بالواقعية؟ لقد كنت أستحضر دائما القول البريطاني المأثور الذي مفاده أن "معظم الخطط تضمحل عندما تلتطم بالواقع".
عندما ألقي نظرة إلى الخلف على مدار السنوات الثلاث الرائعة التي قضيتها أنا وعائلتي في المغرب، وإلى الأمام خلال الشهرين الأخيرين من جولتنا هنا، لا يسعني إلا أن أقول وبمنتهى الصراحة إن هذه المدة تجاوزت كل آمالي وتوقعاتي.
لقد سافرنا على امتداد البلاد من السعيدية شمالا إلى طانطان جنوبا، من مرزوقة شرقا إلى الصويرة وأكادير غربا. تسلقنا الجبال وسبحنا في البحر الأبيض المتوسط. وركبنا الأمواج في المحيط الأطلسي. وامتطينا صهوة الجمال في الصحراء والخيول على السهول. لقد قمنا بإطعام القرود البرية في الأشجار، وشاهدنا طيور اللقلق تحلق في جلالة رائعة. لقد أقمنا في خيام بين الكثبان الرملية في صحراء المغرب الساحرة. كما أقمنا في الملاجئ على قمة الجبال الشاهقة.
لقد سافرنا بصحبة الأمراء إلى جبال الأطلس المهيبة ومع الوزراء بالطائرة، محلقين ومحدقين في محطة نور الطاقية في الصحراء، واستقللن القطار فائق السرعة بميناء طنجة المتوسط.
لقد كانت ثلاث سنوات رائعة وممتعة
من خلال السفارة، وضعنا المغرب على الخريطة السياسية للمملكة المتحدة بفضل الزيارات الملكية وزيارات الوزراء وكبار المسؤولين. كما كان حضور المملكة المتحدة هنا متميزا، من خلال زيارات سلاح الفرسان الملكي، والأوبرا الوطنية لبلاد الغال وجوقة غوسبل اللندنية. لقد تمكنا من جلب فرق رياضية إلى المغرب للتنافس برا وماء، علاوة على الطهاة والطباخين. كما كان للأكاديميين والمؤرخين نصيب وافر في المشاركة.
لم أكن أنوي التوقف وإنهاء المشوار عند هذا الحد. كانت لا تزال تراودني الكثير من الأفكار والخطط والمشاريع خلال الأشهر الستة الأخيرة لمواصلة توطيد أواصر علاقاتنا الثنائية، فالمغرب يزخر بالكثير من الإمكانات والعديد من الفرص. ولكن، أعلم أن الحزن الذي أشعر به أثناء الاستعداد للمغادرة هو أفضل مؤشر ممكن على أن هذا المنصب وهذا المشوار كانا مفعمين بالمتعة والغنى والرضا كما كنت أتمنى لما وصلت إلى المغرب في الوهلة الأولى.
أعلم أنه عند المغادرة وعندما يسدل الستار، ستبقى مئات الذكريات عالقة في ذهني. ولكن الذكريات التي ستترسخ إلى الأبد ذكريات الناس: النساء اللواتي قابلناهن في قرى جبال الأطلس العالية، واللواتي علمننا تحضير الخبز في الأفران التقليدية أو الحليب والجبن في "الجرة التقليدية"، ورعاة الماعز في صحراء أغافاي، وطاهي السردين الذي شوينا معه السردين في رأس الماء في الشمال، وتجار زيت الزيتون الذين تناولنا الغداء معهم في وزان، والشاي في بني ملال. كما أستذكر جليا أولئك الرجال المسنين اللطفاء الذين أدلوني على الطريق عندما تهنا ليلاً في فاس، إضافة إلى ألف شخص وشخص تحدثت معهم في المدن العتيقة والأسواق على امتداد المغرب.
لكن من بين كل هذه الذكريات الرائعة والأشياء المدهشة التي قمنا بها، الشيء الذي أشعر حياله بالفخر والأشخاص الذين يجعلونني أكثر ثقة بمستقبل المغرب، هو ذلك الارتباط الوثيق للسفارة بالفتيات المبتسمات والمتفائلات والمنتسبات إلى جمعية ''التعليم للجميع''. إنهن يمثلن مستقبل المغرب الذي لن يكون إلا مشرقا.
قد يهمك ايضا
التفاصيل الكاملة لزيارة وزير الدولة البريطاني للتجارة الدولية إلى المغرب
السفير البريطاني في الرباط يؤكد أن فيروس"كورونا" لا يُقيم أي اعتبار للحدود
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر