الرباط - الدار البيضاء
رغم غياب ثقافة مشتركة توحد الدول المتوسطية، وفق عالم الاجتماع برونو دومينيك بيكينيو، إلا أن ذلك لا ينفي كون تشكلها “أمرا مأمولا” يعكس تشبّثا بـ”حق الحلم بمستقبل أفضل”.جاء ذلك في محاضرة بعنوان “هل هناك ثقافة متوسطية؟” احتضنتها أكاديمية المملكة المغربية، الأربعاء، في سياق تحضيرها لدورتها السابعة والأربعين الموسومة بـ”البحر الأبيض المتوسط أفقا للتفكير”وتحدث المحاضر عن المتوسط الذي يجمع قارات ثلاث هي أفريقيا وآسيا وأوروبا، إذا قُبِل تقسيم الأخيرتين عن بعضهما، وفق قراءته. واستحضر تاريخ الهجرات عبر المتوسط،وتأثيرات ضفافه على بعضها، وقدم المثال على أن “التقسيم الحالي بين القارات الثلاث لا معنى له” بعدم وجود حدود بين اليونان الحالية وتركيا الحالية، بالنسبة للإغريق.
واستدعى عالم الاجتماع ذاته، في محاضرته، أثر الحضارة العربية الإسلامية على الحضارة الغربية، قائلا إن التسمية الأخيرة قد لا تسمح باستحضار هذا التأثير.ولا يرى المحاضر “المتوسط” بوصفه حضارة، بل حضارات، يجمعها تاريخ مشترك حول هذا البحر الذي يصلح في المتخيل أولا للإبحار، والذي رغم اعتباره فاصلا، إلا أنه “لا يمكن ربط إلا ما فصل”.وعدد دومينيك بيكينيو ما تطور حول هذا البحر من خصائص أساسية للحداثة ثقافة، وإيديولوجيا، وعسكراتية… واستشهد في هذا الإطار، للدلالة على التأثر المتبادل بين ضفتي المتوسط، بكون “الشعر بمعناه الحديث الغربي، قادما من العراق”، فضلا عن التعرف الأوروبي على أرسطو عبر شارحيه المسلمين ابن رشد وابن سينا.
ونفى عالم الاجتماع عن الثقافة فعل النشوء داخل السلام والازدهار حصرا، وذكّر في هذا الإطار بمحطات متعددة للغزو شهدتها ضفّتا المتوسط وما ارتبط بها من تحولات ثقافية وحضارية، ثم ذكر بفرض الإغريق لغتهم وثقافتهم، بوصفهم شعبا منتصرا، والأثر الأوروبي في المصطلحات المستعملة حول الشرق، من “شرق قريب” من أوروبا الغربية، و”شرق أوسط” وآخر “أقصى” بالنسبة لها.ومع وجود ما يفرق بين ضفتي المتوسط من تاريخ الاستعمار، والغزوات، ومحاكم التفتيش، ذكّر المحاضر بما يجمع بينهما من مأكولات، وفلسفة، وكلمات مشتركة، وسينما تلتقي ببعضها وتغني بعضها البعض… وسماها وغيرها “الثروات المشتركة”.
ومع هذه “الثروات” يبقى المتوسط، بالنسبة لعالم الاجتماع بيكينيو، علامة وصل، يأمل أن يُقدّم بوصفه “أفقا”، لا يكرر “خطأ الاتحاد الأوروبي الذي لم يبدأ من الثقافة”، مع ضرورة استيعاب أن لكل شيء بداية، وتطورا، ونهاية، دون أن ينفي ذلك “أمل ثقافة مشتركة” من منطلق “الحق في الحلم بمستقبل أفضل”.
وفي الكلمة الافتتاحية لهذه المحاضرة، قال عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، إن عنوانها “يسائل موضوع هذه الدورة ذاته”، لوضع علامة استفهام على “وجود الثقافة المتوسطية”، في حين “من الممكن أن تكون متوسطيات، كما توجد ثقافات، والمتوسط بصيغة الجمع، قد يوحي لنا هذا بأن يكون نقاشنا: المتوسط آفاقا للفكر”، (بصيغة الجمع)، قبل أن يختم كلمته بالتعبير عن الأمل بأن يكون البحر الأبيض المتوسط “رابطا أكثر منه حدودا”.
قد يهمك أيضا:
جائزة العمل المتكامل بمهرجان الفيلم التربوي بفاس لفيلم «هاكاكش» من أكاديمية بني ملال خنيفرة
الفيلم المغربي «الموجة الأخيرة» يشارك مهرجان الساقية للأفلام القصير
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر