يتتبّع الأكاديمي المغربي جمال بوطيّب "الحضور العرفي للشّكل المعتمد كتابيا في النص العربي بمختلف تجلياته"، في كتاب جديد صدر عن دار خطوط وظلال، معنونا بـ"أعراف الكتابة والتأليف.. بحث في إستراتيجيّات النص العربي".
ويقوم تتبُّع هذا الكتاب على "قاعدة ملاحظةِ النصوص المنتجة، ومساءلة بنيات تكونها الداخلي، ابتداعا أو اتّباعا"، وتذكر مقدّمته أنّ الملاحظة يمكنها "أن تؤسس لفرضية قراءةٍ من شأنها أن تبحث في النص ذاته عن هذا الحضور، باعتماد الاستنباط، والمقارنة، وتسجيل كل ما من شأنه أن يسجّل خرقا للمتداول، بغية تأسيس عرف جديد.
ويسجّل جمال بوطيب أنّ "أعرافَ الكتابة والتّأليف لا تعدو أن تكون اختيارا نصيا إستراتيجيا لهذا الكاتب أو ذاك"، وهو اختيار يكتب أنّه "يمكن أن يُتَّبَع أو يُتَخَلّى عنه"، ويقدّم مثالا على هذا بـ"الأشكال الكتابية العربيّة المبتدَعة"، فيقول: "قارئ "المقامة" قد لا يتساءل عن بنائها إلا بعد معرفة هذا البناء، وهو لا يتبع حضور السارد أو الراوي أو البطل إلا باستنساخ المقامة ووضعها على محك المقارنة، وهي مقارنة تقوده إلى الامتثال للعرف في كتابة "الحريري" باعتباره زمنيا لاحقا لـ"الهمذاني". إلا أن غير المتتبع يسقط في فخ التعميم إذا لم يعتمد قاعدة الملاحظة المتجددة حتى يستطيع الحكم على مقامات ابن الصيقل الجزري ومقامات الزمخشري، وما يقال عن المقامة يقال عن "الرحلة" وعن "أدب الأمثال" وغيرهما".
ويذكر الكاتب أنّ الأمر نفسه يطّرد في كتابات المعاصرين؛ فـ"الباحث في القصة عن المكوّنات السردية قد يصدمه غيابها في نصوص كثيرة، ومُعْتبِرها أمرا لا مناص عنه، لكاتب القصة، قد يسقطه في فخّ التساؤل عن السرد الحاضر في كثير من النصوص الشعرية، وغيرُ العارف بالرواية يصدمه رأي نقديّ وهو يصف نصا روائيا بالقصة أو الشهادة أو غيرهما".
ويقول بوطيب إنّ "هذا التداخل في الحضور، والتجدد في الظهور، والاطراد وعدمه في الثبات بالنسبة إلى العرف، وتكرّر الملاحظة" هو ما دفعه إلى "تخصيص مؤلَّف لأعراف الكتابة والتأليف العربيين، من خلال البحث في إستراتيجيات النص العربي".
ولا يبحث جمال بوطيب في هذه الإستراتيجيات "باعتبارها شكلا دفاعيا احترازيا توقعيا للمؤاخذات النقدية، واستباقيا في رتق الفتوق"، التي هي "شيء آخر غير البحث في إستراتيجيات المؤلف الخاصة أثناء بناء نصه"، وهو ما دفعه إلى تجاوز مجموعة مِن المحاور المتعلّقة بـ"مفهوم الكتابة، وصناعة الكتابة، ومفهوم التأليف، وصناعة الكتاب وعلاقتها بالعلوم أو بالفنون العربية، والكتابة الإسلامية والكتابة العربية، والكتابة والصناعة الترجمية وغيرها"، التي صنّف فيها الباحثون غير قليل من المؤلفات، عربا كانوا أم غربيين.
وقصدَ "تجاوز إعادة إنتاج التعاريف ودلالاتها وارتباطاتها السياقية"، كان للكاتب اختيارٌ منهجيٌّ قائم على: تخصيص مدخل أسماه "في عرفية الكتابة"، يتناول فيه "مفهوم العرف وأنماطه، وحده وكيفية بنائه"، وقسّم الكتاب إلى قِسمَين كبيرين، أحدهما خاص بـ"الكتابة الإبداعية "، وثانيهما خاص بـ"الكتابة البحثية"، تمييزا لها عن الكتابة النقدية، باعتبارها نصوصا أولى في حاجة إلى لغة قراءة قد تكون نقدية.
ويتطرّق كتاب "أعراف الكتابة والتّأليف" في قسمه الأوّل إلى "صناعة الكتاب الإسلامي" مِن خلال العتبات والحواشي، و"الأعراف المرجعية للنص العربي" و"أعراف الكتابة الروائية" و"العنوان في الرواية" و"المقولات الظنية في الكتابة النسائية" و"العرف باعتباره إيديولوجيا" و"التوثيق بالنصوص" و"آليات الاشتغال والتلقي في القصة"، وغيرها من المباحث المرتبطة بالقسم المعنون بـ"العرف بين الصدور والامتداد".
وعنوَن الأكاديميّ جمال بوطيب القسم الثاني من كتابه الجديد بـ"الكتابة البحثية.. جدلية العرف والقاعدة"، ويتناول فيه "ما ينطلق من القواعد ليؤسس الأعراف"، وهو "الكتابة البحثية"؛ من خِلال "حقول معرفية مختلفة، مثل: الفلسفة، والسوسيولوجيا، والأدب، والنقد، ونقد النقد، وغيرها".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
سعودية تُبدع في الرسم الكرتوني بتقنيات إلكترونية حديثة وبرامج مُتقدمة
"أصيلة" المغربية ترسم طريق التخلص من الآثار النفسية لفيروس "كورونا"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر