تأمين التربية لجميع الأطفال يعتبر حقا من حقوقهم الأساسية التي نصت عليها جميع المواثيق الدولية، بما فيه اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/25المؤرخ في 20 نونبر 1989، وقد أعلنت الأمم المتحدة، في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في تلك الصكوك،
دون أي نوع من أنواع التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أوغيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر، واتفقت على ذلك، كما أشارت في الإعلان العالمي لحقوق الطفل أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين. وبخصوص الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة فقد جاء في المادة 23 من اتفاقية حقوق الطفل :» تعترف الدول الأطراف بوجوب تمتع الطفل المعوق عقليا أو جسديا بحياة كاملة وكريمة، في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع».
وببلادنا يعتبر بناء إطار مرجعي لتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة داخل المنظومة التربوية المغربية مشروعا مجتمعيا يدخل ضمن مخططات التنمية البشرية، ويشكل رافعة من رافعات إرساء مبادئ حقوق الإنسان، وتنزيل المبادئ التي نص عليها دستور 2011 .كما أنه يعتبر لبنة من لبنات تحسين ظروف عيش الأفراد والجماعات، خاصة بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة، وفي هذا السياق أطلقت وزارة التربية الوطنية في يونيو 2019 البرنامج الوطني للتربية الدامجة، الذي يهدف إلى إدماج جميع الأطفال ذوي إعاقة، على المدى المتوسط، في المنظومة التربوية، وتمكينهم من حقهم الدستوري في الولوج إلى التعليم. حيث تطمح الوزارة من خلال هذا البرنامج إلى إدماج جميع الأطفال ذوي إعاقة في الأقسام العادية، وذلك لتفادي كل ما من شأنه أن يكرس النظرة السلبية إزاءهم، وهو برنامج تدعمه منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» .
والتربية الدامجة هي تربية مبنية على حق الجميع في تربية ذات جودة تستجيب لحاجيات التعلم الأساسية، وهي تتمحور بالخصوص حول الفئات الهشة بتطوير إمكانات كل فرد بالكامل، لذا فإن هدف التربية الدامجة النهائي هو إنهاء جميع أشكال التمييز وتعزيز التماسك الاجتماعي، وذلك حسب تعريف منظمة اليونسكو، أما تعريف منظمة إعاقة دولية فقد جاء كالتالي: التربية الدامجة هي نظام تربوي يأخذ بعين الاعتبار، في مجال التعليم والتعلم، الاحتياجات الخاصة للأطفال واليافعين الموجودين في وضعية تهميش وهشاشة بمن فيهم الأطفال في وضعية إعاقة، إنها تستهدف إزاحة التهميش عن الجميع وتحسين شروط التربية للجميع.
أما تعريف المجلس الأعلى للتربية والتعليم فالدمج هو سيرورة شاملة، الهدف منها إنهاء كل أشكال التمييز أيا كان أساسه، فرديا اجتماعيا ،اقتصاديا، دينيا، لغويا، مجاليا، بما في ذلك التمييز على أساس الجنس أوالنوع، وبخصوص الأشخاص في وضعية إعاقة فالدمج يعني استبعاد التمييز أو التقييد على أساس الإعاقة…
انطلاقا من ذلك نستنتج أن التربية الدامجة تهدف إلى التربية وضمان تكافؤ الفرص للجميع لتحقيق الإنصاف والمساواة في التعلم. إذن فهي تعتبر المؤسسة التعليمية عبارة عن فضاء لاستقبال جميع الأطفال كيفما كانوا، وتوفر لهم شروط نجاحهم بالرغم من مشاكلهم وصعوباتهم والقصور الذي يحملون مما يجعلها في النهاية متميزة عن الأنماط التربوية الأخرى.
هذا ويعتبر كل طفل أو طفلة غير ملتحق بالمدرسة ضحية للحواجز المانعة من التمدرس، ويدخل في هذا الإطار فئات كثيرة من الأطفال من بينهم: أطفال الشوارع، الأسر المعوزة، اليتامى، الرحل، الفتيات، ضحايا الكوارث، فقدان المناعة، الأقليات العرقية، الأسر اللاجئة، ذوو اضطرابات التعلم، ويعتبر الأطفال ذوو الإعاقات من ضمن الأطفال الأكثر تهميشا وإقصاء بالنظر إلى أنهم غالبا ما يتم الإجهاز على حقهم في تعليم ذي جودة.
وبحسب أرقام البحث الوطني الثاني حول الإعاقة، المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط، فإنّ 66.1 في المئة (1.476.000) من الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب لا يتوفرون على أي مستوى دراسي، بينما لا تتعدى نسبة الذين يتوفرون على مستوى التعليم الأولي 19.6 في المئة، و9.5 لديهم مستوى التعليم الثانوي، أما الذين لديهم مستوى التعليم العالي فلا تتعدى نسبتهم 1.8 في المئة. وهناك أنواع عدة من الإعاقة منها الإعاقة الذهنية، التوحد ، إعاقة الشلل الدماغي الحركي، الإعاقة السمعية، الإعاقة البصرية واضطرابات التعلم.
إن المقاربة الحقوقية أساس تربية الأطفال في وضعية إعاقة وتمدرسهم، ولإنجاح مشروع التربية الدامجة في منظومتنا التربوية يجب تضافر جهود جميع المتدخلين والفاعلين والشركاء، بمن فيهم الأسرة، مؤسسات المجتمع المدني، أطر وزارة الصحة، وزارة التربية الوطنية، المنظمات والهيئات الدولية المشتغلة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقوية قدراتهم حتى يتسنى الوصول إلى الهدف المنشود، وهو تمكين الأطفال في وضعية إعاقة من التعلمات الأساسية والمعارف والكفايات والاندماج في الحياة المجتمعية والمشاركة فيها، والعيش بكرامة ورفاهية.
قد يهمك ايضا :
ابنة الفنان إيمان البحر درويش تروي تجربتها مع أول كافية لذوي الاحتياجات الخاصة
المديرة الإقليمية للتعليم في عين الشق تتفقد أقسام ذوي الاحتياجات الخاصة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر