لندن ـ سليم كرم
لندن ـ سليم كرم
ستكون لحظة فارقة ومصيرية عندما يجتمع أطراف الأزمة السورية كافة في مؤتمر "جنيف 2" الدولي، لكنها ستكون لحظة ملؤها الأمل والحذر معًا، وفي تلك اللحظة تكون سورية التي مزقتها الحرب على مدار عامين أمام بارقة أمل هي الأولى التي تشعر بها على مدى شهور.
وذكرت صحيفة "غارديان" البريطانية أنه خلال الشهر
المقبل سيقوم سكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون بافتتاح هذا المؤتمر الدولي الواعد في جنيف.
ومضى عام منذ أن وافقت كل من روسيا والولايات المتحدة على الخطوط العريضة لمرحلة انتقالية ديمقراطية وتعددية في سورية، لكن المأساة تتمثل في أن الآلاف لقوا مصرعهم من دون أن يبذل أي طرف أي جهد في سبيل تنفيذ هذه الخطوط العريضة على أرض الواقع.
واحتاج مؤتمر "جنيف 2" الكثير من التحولات حتى يمكن الاتفاق على انعقاده لمناقشة الأزمة، فقد تخلت الولايات المتحدة عن شرطها المسبق الذي يقضي بضرورة استقالة بشار الأسد قبل بدء المحادثات.
ويبدو أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، على عكس هيلاري كلينتون، يدرك أن قوات الأسد لا يمكن هزيمتها من دون تدخل أميركي شامل، وهو توجه لن يسمح به الرئيس الأميركي باراك أوباما، كما أدرك أن طول أمد الصراع لا يسفر عن شيء سوى زيادة قوة تنظيم "القاعدة"، وغيره من الجماعات التي ترفع شعار "الجهاد الإسلامي" التي اندفعت نحو سورية.
ومن جانبه، تخلى الرئيس الأسد أيضًا عن شرطه المسبق بضرورة أن تُلقي المعارضة السورية السلاح قبل أن يقوم بإرسال وفده إلى المؤتمر، ومن المنتظر أن يسافر كل من رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي وعدد من وزراء الحكومة السورية إلى جنيف.
أما العائق هنا فيتمثل في المعارضة السورية أو على الأقل في البعض منهم، وبالنسبة إلى العلمانيين القوميين أعضاء "هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي"، الذين كان لهم الفضل في فكرة مؤتمر جنيف، فسوف يحضرون مؤتمر "جينف 2" في لهفة. وأما الائتلاف الوطني السوري الذي تدعمه الحكومات الغربية وتركيا وقطر والسعودية فهو لا يزال مترددًا في الحضور من دون ضمان رحيل الأسد.
ويبذل عدد من الدبلوماسيين البريطانيين والغربيين محاولات لإقناع الائتلاف بعدم مقاطعة المؤتمر لأنهم بهذه الطريقة يساعدون الأسد على تحقيق انتصار إعلامي.
وأما مسألة الرغبة البريطانية الفرنسية وبعض كبار المسؤولين في واشنطن والتي تتمثل في رفع الحظر عن إمداد المقاومة السورية بالسلاح، فهي في حاجة أيضًا إلى تحول وتغير، وإلا فإن ذلك البديل سيكون كارثيًا، وسيكون ذلك بمثابة دعوة للمقاومة بتخريب المؤتمر من خلال الإفراط في اللاعقلانية.
وقالت غارديان": إن تنحية مسألة السلاح هذه جانبًا والتركيز على ضمان أن ألا يكون مؤتمر جنيف مجرد احتمالية ليوم واحد، وإنما بداية لعملية جادة، وذلك في ضوء أن هذه الحرب الأهلية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الضحايا، ويشارك فيها الكثير من الجماعات المسلحة، وتشهد تدخل الكثير من الأطراف الأجنبية، لا يمكن أن تنتهي في غضون 48 ساعة، ولهذا فإن اجتماع "جنيف 2" في حاجة إلى تكوين لجان عمل يمكن أن تركز في صبر على الإصلاحات الدستورية والعمليات الإنسانية والإفراج عن المعتقلين ووقف إطلاق النار وعودة مراقبي الأمم المتحدة.
واختتمت الصحيفة "إن هذه الخطوات يمكن أن تؤدي إلى الحد من وتيرة العنف في البلاد، وعودة المشردين تدريجيًا إلى منازلهم".
وتحتاج العملية في بدايتها إلى حكومة وحدة وطنية ائتلافية يمكن أن تضم وزراء من المعارضة والنظام الحالي، وكان ذلك بمثابة أحد الخطوط العريضة التي وضعها مؤتمر جنيف الأول.
وسوف يحتاج ذلك شجاعة سياسية من الأطراف كافة لا سيما وأن تنظيم "القاعدة" وغيره من الجماعات الأصولية التي انضمت إلى القتال قد تستنكر ويشجب فئات المقاومة التي سوف تشارك في المؤتمر، وقد تصفها بالخيانة، وربما تلجأ إلى اغتيال أفرادها. ويمكن القول "إن التشدد سوف يكون سمة في سورية على المدى البعيد، وإذا ما أرادت المعارضة الرئيسة التوصل إلى اتفاق سلام فإن ذلك قد يقضي بأنها سوف تواجه مقاومة مسلحة على المدى البعيد في بعض المناطق، بالإضافة إلى هجمات انتحارية منتظمة في المدن الرئيسة لسنوات مقبلة، والمثال على ذلك ما يحدث الآن في العراق".
ومع ذلك، وفي الوقت الذي لا بد فيه من النظر إلى مؤتمر جنيف بكثير من الحذر والأمل في آنٍ واحد، فإنه من المهم لكل الأطراف أن تتعامل مع المؤتمر باعتباره فرصة حقيقية لتغير وجه سورية. أما التعامل مع المؤتمر من أجل تحقيق أهداف دعائية أو تقويضه واستئناف القتال على نحو أكثر كثافة فلن يخدم مصالح سورية أو جيرانها.
وفقد ربع سكان سورية منازلهم، وهناك ما يقرب من 100 ألف فقدوا حياتهم، وفي ضوء ذلك فإن الوقت قد حان الآن من أجل الاقتراب من الأزمة السورية بمزيد من بعد النظر.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر