ينتظر أن يتوجه الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي للقاء الرئيس ميشال عون في أي وقت بدءاً من اليوم، فور الانتهاء من وضعه اللمسات الأخيرة على التشكيلة الوزارية، ليعرضها عليه ويتداول معه في أسماء الوزراء المرشحين لدخول الحكومة، بعد توافقهما على توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف.وعلمت مصادر سياسية مواكبة للأسباب التي أدت إلى ترحيل مشاورات التأليف، بأن ميقاتي أجرى -استعداداً للقائه الحاسم مع عون- مروحة من الاتصالات ظلت بعيدة عن الأضواء، شملت رئيس المجلس النيابي نبيه بري، من خلال معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، ورؤساء الحكومات السابقين سعد الحريري وتمام سلام وفؤاد السنيورة الذي التقاه أمس فور عودته من جنيف في زيارة عائلية.
والتقى ميقاتي كذلك النائب وائل أبو فاعور، موفداً من رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وتواصل أيضاً مع زعيم تيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية، وقيادة حزب «الطاشناق». وتردد أيضاً بأن اتصالاته شملت المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله»، حسين خليل، الذي يتنقل باستمرار بين عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
وأكدت المصادر السياسية أن ميقاتي أوشك على الانتهاء من تسمية الوزراء، تمهيداً للتداول في التشكيلة الوزارية مع عون، وقالت إن التشكيلة مكتملة الأوصاف، وإنه لقي تجاوباً من جميع الذين تواصل معهم، بتسهيل مهمته لتسريع تشكيل الحكومة، لأنه لم يعد من مبرر لتأخيرها في ظل أن الأزمات المتراكمة لم تعد تحتمل التأجيل، أو الاكتفاء بإطلاق الوعود «الوردية» من دون أن يكون لها مفاعيل على الأرض من شأنها التخفيف من معاناة اللبنانيين.
ولفتت المصادر إلى أن ميقاتي ينطلق من التشكيلة التي أعدها من أنه في منأى عن الحسابات السياسية الشخصية أو الملفات الخاصة به، وقالت إنه لا يعترض على الولاءات السياسية للوزراء، لكنه يشترط أن تتوافر فيهم الخبرة والكفاءة والولاء الكامل للحكومة التي يجب أن تتشكل من فريق عمل متكامل منسجم لأن البلد لم يعد يحتمل المجيء بحكومة على غرار الحكومات السابقة تفتقد إلى الحد الأدنى من المقومات التي تتيح لها النهوض بالبلد من أزماته.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن إخراج تشكيل الحكومة من التأزُّم يتوقف على مدى تجاوب عون مع التشكيلة التي سيعرضها عليه ميقاتي الذي يُبدي كل مرونة وإيجابية لإدخال بعض التعديلات عليها، شرط ألا تتحول إلى تقاسم الحصص، وأن تبقى تحت سقف توفير الشروط لحكومة مهمة لإنقاذ البلد.
ومع أن المصادر تنقل عن ميقاتي إحجامه عن الدخول في سجال مع عون وفريقه السياسي، فإنها في المقابل تعد أن تفاؤله بقرب تشكيل الحكومة هو محاولة للهروب إلى الأمام، ليوحي بأن تأخير تشكيلها في مكان آخر، غامزاً من قناة رؤساء الحكومات السابقين والرئيس بري وآخرين.
وتعزو السبب إلى أن عون يعطي الأولوية للولاءات السياسية، ويسعى جاهداً للحصول على «الثلث الضامن» في الحكومة، على الرغم من أنه ينفي إصراره عليه، وتستغرب ما أخذ يشيعه بعضهم من أن ميقاتي يتريث في تشكيل الحكومة إلى ما بعد اتخاذ قرار رفع الدعم من جهة، وإلى حين جلاء الموقف النهائي لإعلان الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله عن بدء إبحار البواخر الإيرانية المحملة بالمحروقات إلى لبنان.
وتعد أن من يضع المسؤولية في تأخير تشكيل الحكومة على ميقاتي لهذه الأسباب أو لغيرها عليه أن يبادر إلى حشره في الزاوية، ويفرج عن تشكيلها، وتضع هذا التحدي برسم عون الذي لم يحرك ساكناً حيال ما أعلنه حليفه نصر الله، مع أن الناطق باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، كان قد أعلن أن الاتفاقيات الخاصة بالمحروقات يجب أن تتم بين الحكومتين الإيرانية واللبنانية.
وتؤكد أن تفاؤل عون يبقى في إطار الاستهلاك المحلي، ليبعد عن وريثه السياسي باسيل تهمة تعطيل تشكيل الحكومة، خصوصاً أن تفاؤله لا يُصرف بخطوات ملموسة لدى المجتمع الدولي الذي يحمله وصهره مسؤولية تأخير ولادتها، وإلا ما هو تفسيره للضغوط الفرنسية التي تطالبهما بسحب شروطهما التي ما زالت تعطل الجهود الرامية لإنقاذ لبنان، بدءاً بتشكيل حكومة من اختصاصيين وأصحاب خبرة من غير المحازبين؟
وتكشف المصادر نفسها أن باريس، من خلال الفريق الرئاسي المولج بمتابعة الاتصالات لتشكيل الحكومة، بدأت تواكب التحرك الذي يعد له ميقاتي باتجاه رئيس الجمهورية، وهي على تواصل مفتوح مع عون وباسيل لحضهما على التجاوب مع ميقاتي وهو يستعد للقاء حاسم بعون، عارضاً عليه التشكيلة الوزارية التي أعدها.
وتتجنب الدخول في رد فعل ميقاتي، في حال أن عون لم يحسم موقفه، متذرعاً بحاجته إلى مزيد من الوقت لدراسة أسماء الوزراء الواردة في التشكيلة الوزارية، وتقول إنه من السابق لأوانه التكهن برد فعله، لأنه سيبني على موقف عون طبيعة الخطوة التالية التي سيتخذها، على خلفية أن مهلة التأليف لن تبقى مفتوحة لتمديد المشاورات.ورداً على سؤال حول موقف «حزب الله»، تؤكد المصادر أن الحزب مع تسهيل تشكيل الحكومة، وأن قيادته تتواصل لهذا الغرض مع عون وباسيل، لكنها تتساءل عما إذا كان تجاوب الحزب يعود إلى اعتقاده بأنه ليس في وارد التعاطي بسلبية مع ميقاتي، بعد أن كان قد سماه لتشكيل الحكومة ما دام أن التعطيل سيأتي من باسيل.
وتساءل كذلك عما إذا كان عون قد أصبح على قناعة بضرورة تشكيل الحكومة استجابة للضغوط الدولية التي تمارس عليه، أم أنه يراهن على تعويم الحكومة المستقيلة لتؤمن الغطاء السياسي لبديلها المجلس الأعلى للدفاع، وذلك استجابة لطلب باسيل بعد أن أخفق في الحصول على «الثلث الضامن»، والمجيء بحكومة تكون على قياس طموحاته السياسية.
لذلك، فإن ميقاتي سيعرض على عون صيغة وزارية تكون قادرة على مواجهة التحديات، بدلاً من أن تتحول لحكومة تدير الأزمة، فيما البلد يقف على حافة الانفجار الشامل، وليس هناك من يأخذ بتفاؤل عون ما لم يسهل الإفراج عن الحكومة، وملاقاة ميقاتي في منتصف الطريق، وصولاً إلى تسهيل مهمته.
قد يهمك ايضا
رسالة من فخامة الرئيس ميشال عون الى دولة الرئيس سعد الحريري
الرئيس اللبناني ميشال عون يُكلّف سعد الحريري بتأليف حكومةٍ جديدةٍ
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر