الرياض - المغرب اليوم
تعد محافظة العلا من أهم مواقع التراث الثقافي والحضاري عبر التاريخ في السعودية، وتحوي آثارًا عظيمة بعضها ظاهرة، وبعضها مدفون تحت الأرض، وبها آثار موغلة في القدم كقوم ثمود، ومدائن صالح، والحجر، وتحاول السعودية من خلال الاهتمام بمحافظة العلا جعلها أهم مزار في الشرق الأوسط، وتستهدف استقبال أكثر من مليون سائح من داخل المملكة وخارجها.
وأوضح أمير منطقة المدينة المنورة، الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أنّ الهيئة الملكية لمحافظة العلا، التي أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بإنشائها، ويرأس مجلس إدارتها الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، سيكون لها أثر في مسيرة التنمية والرخاء، على نحو يتناسب مع قيمتها التاريخية والثقافية، وما تتميز به من تراث حضاري ووطني وفرص استثمارية واقتصادية، مضيفًا أن المشاريع التنموية التي تشهدها مختلف مناطق البلاد، تعزز نحو بناء اقتصاد مزدهر بما حبى الله به هذه البلاد من خير ورفعة.
ونظراً لأهمية تطوير محافظة العلا على نحو يتناسب مع قيمتها التاريخية، وما تشتمل عليه من مواقع أثرية، بما يحقق المصلحة الاقتصادية والثقافية المتوخاة، والأهداف التي قامت عليها رؤية المملكة 2030، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أمرًا ملكيًا بإنشاء هيئة ملكية لمحافظة العلا، وعضوية كل من الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان، وأن يكون محافظًا للهيئة، وسعود بن عبد الله القحطاني، والدكتور حمد آل الشيخ، والمهندس إبراهيم السلطان، والدكتور فهد تونسي، والدكتور سعد الصويان، والدكتور عيد اليحيى.
وسُميت العلا قديمًا بوادي القرى، وديدان، وتاريخها يعود إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين، مرت بها حضارات عدة، ويروى أنّ تسميتها بالعلا نسبة إلى عينين مشهورتين بالماء العذب، عرفت بهما، وهما "المعلق وتدعل"، ويحيط بالمدينة جبلان كبيران، يتوسطهما وادٍ خصب التربة، يُزرع فيه النخيل والفواكه. تقع العلا في الجزء الشمالي الغربي من السعودية بين المدينة المنورة وتبوك، وتبعد عن المدينة المنورة نحو 450 كيلومتراً، وهي من أكبر وأهم المناطق الحضارية القديمة، كونها تقع على الطريق الرئيسي للتجارة لشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والعراق.
تبلغ مساحة محافظة العلا 29.261 كيلومتر مربع، ويتبع لمحافظة العلا 14 مركزاً هي "الهجر الثلاث، وأبو راكة، ومغيرا، والحجر، والسليلة، والأبرق، وفضلا، والعذيب، وشلال، والبريكة، والنشيفة، والفارعة، والنجيل، والورد التي مرّ بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في السنة السابعة للهجرة في غزوة تبوك، وهي بلد موسى بن نصير الذي أنشأ فيها قلعته الشهيرة".
وعُرفت العلا، عند الباحثين، بعاصمة الآثار وبلد الحضارات، وسمّاها أهلها "عروس الجبال"، وعلى مقربة منها تقع مدائن صالح أو قرى صالح أو الحجر، وهي تسميات تطلق على مكان قوم ثمود والأنباط، حيث مقابرهم المنحوتة في الجبال التي تعرف عند أهل المنطقة بالقصور لروعة النحت وجماله، وكانت العلا على مرّ الزّمان طريقاً للقوافل، وكذلك طريق سكة قطار الحجاز، والموروث الحضاري الذي تحتضنه هو بمثابة ميدان فسيح للسياحة والأبحاث لطلاب العلم من المهتمين بهذا الجانب، لما تزخر به من موجودات ومعالم مكانية.
وتشتهر العلا بالزراعة نظرًا لخصوبة أرضها ووفرة مياهها، وكانت تجري في العلا عيون عدة، بلغت أكثر من 40 عينًا، منها (العادلية، وفتح الخير، والزهرة، وسهلة، والعلوية، والسعة، والعطية، والجادة، وغيرها)، وامتهن أهلها حرفة زراعة النخيل، وتعد "الحلوة والبرنية" من أهم أنواع التمور، كما اشتهرت بزراعة الحمضيات، ومنها البرتقال، والليمون الحلو والحامض، واليوسفي، بالإضافة إلى الرّمان، والعنب، والمانغو. كما اشتهر أهل العلا في الماضي، بالصناعات اليدوية المشتقة من النخلة، فصنعوا منها المكتل والقفة والنفية والمجلاد والخصفة والمهفة، بالإضافة إلى الصناعات الخشبية وصناعة الجلود والصناعات الحجرية، والرحى والمسن والمهراس.
ويعد الحجر "مدائن صالح" من أهم معالم العلا السياحية وأكثرها زيارة، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم كحاضرة ثمود قوم نبي الله صالح، عليه السلام، وسكنها فيما بعد الأنباط، وازدهرت كثيرا في عهدهم، وتبعد عن العلا نحو 20 كيلومترا تقريبًا ناحية الشمال، وتتميز بالواجهات المعمارية المنحوتة بالصخور ذات الأنماط المعمارية المميزة بأشكالها الهندسية الجميلة التي تسمّى محليا القصور، بالإضافة إلى منطقة الخريبة التي تقع شرق العلا، وبها الكثير من الآثار والنقوش، وحوض حجري يسمّى محليًا "محلب الناقة"، بينما هو في حقيقته معبد "نبطي قديم".
وكذلك جبل عكمة الذي يضم عددًا كبيرًا جدًا من النّقوش والرّسوم الصّخرية لحضارات متعدّدة، فضلا عن منطقة الديرة أو البلدة القديمة التي تعود إلى القرن السابع والثامن الهجري، وبها منازل مبنية بالطين والأحجار، ويوجد فيها أيضا قلعة موسى بن نصير التاريخية، ومسجد العظام، بالإضافة إلى الطنطورة أو "الساعة الشمسية"، وهي بناء حجري هرمي يتميز بالدّقة الهندسية، وتستخدم كمزولة شمسية لمعرفة الفصول ودخول مربعانية الشتاء، كما تستخدم في توزيع مياه العيون على المزارعين، وكذلك المابيات، وهي آثار مدينة إسلامية تعود للعهد العباسي وتقع جنوب العلا.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر