بيروت - الدار البيضاء اليوم
"قادمون على كارثة" بهذه العبارة عبّر رئيس قسم أمراض القلب في مركز كليمنصو الطبّي الدكتور إيلي شمّاس. ما نواجه اليوم سيكون مخيفاً ونتائجه كارثية حيث سيتوفّى أعداد هائلة من الوفيات بسبب عدم قدرتهم على شراء أدويتهم، قد نتخطّى عدد وفيات كورونا.
الوقت عند بعض المرضى هو عدوّهم الأول، فالخطر الذي نواجهه برأي شماس يكمن "في توقيف أدوية السيلان والتجلّطات التي قد تُسبب الوفاة خلال 48 ساعة أو أسبوع نتيجة تعرّضهم إلى جلطة. الموضوع ليس بهذه البساطة، نحن أمام خطر داهم والمسألة لا تحتمل تأجيلاً أو
انتظاراً، يجب على مريض القلب أو السكري ألّا يوقف أدويته فجأة وإلّا نحن أمام كارثة صحية".
كلفة دواء السيلان أصبحت بحدود الـ500 ألف، ناهيك عن أدوية الضغط أو السكري للمريض، هذه الكلفة باتت تفوق قدرة شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم مكرهين على توقيف أدويتهم أو تقنينها لأنّها باتت باهظة الثمن كثيراً. أصبحت فاتورة الدواء بالمليون وما فوق ولا يمكن لكثيرين تحمّل هذا العبء الاقتصادي.
ويُحذر شماس من "خطورة توقيف أدوية السيلان والتجلطات وأدوية القلب والسكري بطريقة مفاجئة، لأنّ ذلك يهدّد صحة المريض. لذلك أطلب من المرضى اللجوء إلى مراكز الرعاية الصحية ومراقبة ضغطهم كلّ يوم، وعدم توقيف الدواء بطريقة مفاجئة خوفاً من التعرّض إلى جلطة.
والمشكلة أنّه حتى لو وصفنا للمرضى أدوية جنيريك فسعرها بات مرتفعاً، وأسعار بعضها أصبحت خياليّةً. كما أنّ هناك بعض أدوية السيلان التي لا يوجد بدائل عنها، على سبيل المثال دواء الـpradaxa، ودواء xarelto، ودواء الـeliquis وهذا أكثر ما يقلقني لأنّه في حال التوقّف عن أخذها من شأنها أن تهدّد حياة المريض وتُسبب له الوفاة".
وهذه الأدوية مهمّة جدّاً وتُعطى خصوصاً لمرضى القلب الذين خضعوا لجراحة في القلب أو يعانون من كهرباء القلب، علماً أن هناك حوالى 10-20% من اللبنانيين يعانون من مشكلة في كهرباء القلب. وعلى هؤلاء المرضى المواظبة على أخذ أدوية السيلان وإلّا فهم معرّضون بعد توقيفهم بشكل مفاجئ إلى جلطة بعد 48 ساعة.
كما يجب على مرضى الضغط والسكري عدم توقيف أدويتهم أيضاً واستشارة الطبيب للبحث في مدى إمكانية تخفيف العيار والبحث عن بدائل أخرى أقل كلفة من دون أن تضع صحته في دائرة الخطر.
ويشدّد شماس على أهمية عدم "تناول الدواء بالتقطيع حتى تدوم مدّة الاحتفاظ بالدواء أكثر لأنّها تحمل مخاطر صحية عديدة، ومنها تلاعب في الضغط والسكري نتيجة تناول الدواء "يوم إيه ويوم لا"، لذلك أنصح بشدّة عدم اتباع هذه الطريقة واستشارة الطبيب للبحث في كيفية إيجاد البدائل العلاجية المناسبة لحالته".
بدأ قسم كبير من اللبنانيين بالتخلي فعلياً عن أدويتهم والبحث في حلول أكثر رأفة وكلفة عليه، لم يعدّ بمقدوره شراء أدويته التي وصل بعضها إلى 15 مليون ليرة، في حين أن راتبه لا يتخطى المليوني ليرة... إنه الموت البطيء.
ومن لجأ الى سياسة التخزين سيجده نفسه اليوم عاجزاً عن شراء علبة واحدة من أدويته التي باتت أسعارها تتخطى كلفة فاتورة أدويته في الماضي. فالدواء الذي كان سعره 100 ألف أصبحت اليوم 400-500 ألف، فكيف تكون الحال مع الدواء الذي كلفته أصلاً مليون؟
بدأ يقتنع اللبنانيون انهم أمام حلّين أحلاهما مرّ، إمّا التوقف عن تناول أدويتهم أو البحث عن بدائل موجودة بغضّ النظر عن الجودة والفعالية. بعضهم وجد في عدم الانتظام على تناول دوائه الحلّ الأسهل والأقرب الى الواقع، في حين استعان البعض الآخر بأدوية مهربة غير معروفة للحفاظ على الحدّ الأدنى من الصحة.
لكنّ الحقيقة المؤلمة أنّ على اللبنانيين أن يواجهوا مرضهم المزمن بتجّار فاسدين لا يرحمونهم لا غذائياً ولا معيشياً ولا حتى صحياً. نحن نعيش في دولة فاسدة تقتل شعبها على البطيء بحاجياته الأساسية.
مع رفع الدعم جزئياً عن مستوردي الدواء ارتفعت اسعار الادوية بشكلٍ درامي وغدار مما جعلها بعيدة جداً عن متناول معظم المرضى. فنسبة الارتفاع حالياَ بين ٤٠٠ الى ۱۰٠٠% من دون أيّ قاعدة شفافة ومفهومة عن آلية احتساب الارتفاعات ، وفق بيان جمعية المستهلك.
وفي هذا الصدد، تقدّمت الجمعية ببعض الحلول للخروج من هذه الأزمة:
• وقف الدعم نهائياً عن المستوردين خاصة وأنّ عمليات الاحتكار والتهريب والتخزين والتلاعب بالاسعار التي شهدناها خلال السنتين الماضيتين اظهرت فساد المنظومة وعلى كلّ المستويات.
خاصة انّ الدواء هو من الاحتكارات الكبرى المدعومة في البلد.
• اعتماد لائحة الادوية الاساسية التي أقرّتها منظمة الصحة العالمية والتي تبلغ ٤٣٤دواء.
أمّا باقي الأصناف فلا قيمة علمية لها ولا تعتبر أدوية فعّالة.
وتقترح الجمعية ان تلجأ وزارة الصحة الى استيراد هذه الادوية الجنريك من الدول المنتجة لها، وأن تترك للمستوردين إمكانية الاستيراد، ليس وفق مناقصات لأنّه سيتمّ تزويرها ، بل وفق تحديد نسبة أرباح مقدارها من ٦ الى ٨% وفق جدول اسعارها، على ان تعلن اسعار اللائحة الاساسية في بلد المنشأ خوفاً من تواطؤ لجنة التسعير الرسمية مع المستوردين.
• توزع الأدوية الاساسية على الصيدليات بنسبة ربح ٢٣%.
• وقف عمل لجنتي التسعير والتسجيل التي تغطّي رفع اسعار الادوية منذ عقود، وتشكيل لجان جديدة من ممثلي مستهلكي الدواء مع ممثل واحد من وزارة الصحة إسوة بكلّ دول العالم.
هذا الحلّ يؤدّي فوراً الى انخفاض اسعار الادوية بنسبة تتراوح بين٤٠ و ٧٠%.
بالإضافة الى تضمين البطاقة التمويلية مساعدة لذوي الامراض المزمنة لأنّ حرمانهم من العلاج هو كالحرمان من الغذاء جريمة ضدّ الإنسانية.....
وأشارت الجمعية إلى أنّها طرحت سابقاً هذه الحلول على كلّ وزراء الصحة المتعاقبين، لكن الفساد المستشري في الإدارات وعند المستوردين وبعض القطاع الصيدلي منع أيّ إصلاح حقيقي للقطاع.
كما تقدّمت سابقاً بدعوة ضدّ أحد نقباء الصيادلة لممارسته وشركته لعبة عروض الدواء، بالإضافة إلى تحرّكها ضدّ تلاعب بعض المستوردين بأسعار أدوية بلد المنشأ، لكنّ القضاء كان في غيبوبة لم يستفق منها حتى الآن.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر